ثقافتنا تعبر عن قيم اصيلة..

 ذاكرة الايام..ثقافتنا تعبرعن قيم اصيلة ..

عندما كلفتنى جامعة الرياض ثم جامعة الكويت ان اقوم بتدريس مادة الثقافة الاسلامية لطلاب الجامعة فى كل التخصصات العلمية والادبية والقانونية فى بداية رحلتى العلمية وقفت حائرا مترددا اتساءل ماهو المنهج الاقرب لفهم الثقافة الاسلامية , وما ذا يحتاج اليه الشباب فى مثل هذه المرحلة التكوينية فى حياتهم , هل الثقافة هي دراسة الاحكام الفقهية والنظم الاسلامية فى الاسرة والحكم والاقتصاد ام انها معرفة تاريخ الحضارة والدول الاسلامية ام انها دراسة الفرق والمذاهب والطوائف الاسلامية من منطلق فلسفى وبيان اراء علماء الكلام الاشعرية والمعتزلة , كل هذه التساؤلات كانت تراودنى وانا فى طريقى لا لقاء اول محاضرة لى على جيل يتطلع لكي يفهم اكثر عن ثقافته وانتمائه , اخترت ما يمكننى ان اقوله ولكننى لم اكن مقتنعا بما كان فى ذهنى , ومازال السؤال يتردد , ماكنت اراه لم يكن ليقنعنى , كتبت كتابا عن الثقافة الاسلامية فى تلك الفترة ومازال السؤال يتردد ويكبر واسمع صداه فى نفسي , وفى كل يوم كنت اعيد نفس السؤال  وابحث عن الطريق , احيانا كنت اتهم نفسي بالتردد ولماذا لا افعل ما يفعله غيرى وهذا هو الطريق الايسر والمعتاد لكل الاخرين , كانت تلك الفترة من حياتى الجامعية الاولى مليئة بالتساؤلات , كتبت فى معظم العلوم الاسلامية ثم اتجهت الى الدراسات الاجتماعية والفلسفية  , واخذت اوسع دائرة اهتمامي العلمى , كنت اهتم بالاحكام الفقهية وبخاصة ما يرتبط بالمال والاقتصاد والحكم , ثم اتجهت لتاريخ المدارس الفقهية ومراحلها التاريخية التى اسهمت فى تنمية هذه الثقافة , وفى الحقبة المغربية كان الاهتمام اوسع واكتشفت الكثير من الاسهام المغربى والاندلسى فى مختلف العلوم الاسلامية وبخاصة فى مجال القراءات وفى مجال علم الجرح والتعديل وفى الكتابة عن السيرة   النبوية  وفى الفقه المالكى الذى اسهم المغاربة فى اغنائه باهم الموسوعات الفقهية , وكنت اتساءل عن خصوصية هذه الثقافة , وهي البعد الروحي والاخلاقى والانسانى الذى يجعل ثقافتنا الاسلامية اكثر رقيا وتميزا عن كل الثقافات القديمة والمعاصرة , كنت اجد التنوع فى هذه الثقافة والالتزام الاخلاقى والجوانب الايمانية والروحية والاهتمام بتوين النفس والرقي بها تربية وتكوينا واكتشفت الكثير من الاهتمام بهذا الجانب الهام من التربية النفسية والرياضات الروحية ذات الجذور الاسلامية , كنت اتمنى ان نختار من ثقافتنا ما هو اصيل , وان نتجاوز ماهو دخيل ونتجاهله ونتخطاه  وهو كثير فى ثقافتنا  , ليس كل ما ينسب الى ثقافتنا هو منها , هناك ماهو من مخلفات التاريخ من الاعراف والعادات وليس كلها مما نحتاج اليه او نفخر به , كل مالا اصل له فى مصادرنا الفكرية فلا نحتاجه ولا نريده ,  نريد ثقافة معبرة عن قيم الاسلام ورقي فهمه للحياة الانسانية , كنت اريد ان نقتحم بعض الحصون المغلقة  لكي نستخرج منها ما هو من كنوز هذه الثقافة , ونتجاهل ما ليس مفيدا من جهد العقول او من اعراف الشعوب التى تعاقبت على الحكم وانشأت كثيرا من الدول التى اسهمت فى تكوين هذه الثقافة , كنت اريد لثقافتنا ان تكون اصيلة ومعبرة وراقية الدلالة على مكانة الانسان وتكريم الانسان , هناك صفحات ليست راقية الدلالة وهي من مخلفات التاريخ فى مراحله القاتمة التى تحكم السياسة فى الدين واساءت له تزييفا وتشويها واستغلالا  , لو رجعنا الى القرأن الكريم فسوف نجد فهما اعمق وارقى من كل ما قدمه معظم علماء الاسلام عن الاسلام , وكنت افهم من النص القرأنى مالا اجده فى كل كتب التفسير مجتمعة من دلالات راقية ومعبرة عن قيم انسانية ودعوة الى الايمان والعمل الصالح واحترام لمكانة الانسان  واعتراف بحقوقه الانسانية ومراعاة لكل الاخرين من الاديان  السماوية والافكار ذات الالتزام الانسانى بثوابت الفطرة والاخلاق والدعوة الى الخير والفضيلة والعدالة وتحريم الظلم والعدوان , واقرار بدور العقل فى التكليف والفهم والبحث عن الحق , ماكنت اراه فى مجتمعنا ليس هو الاسلام فى حقيقته فالمجتمعات عندما تتخلف يكثر وهمها فى نفسها وتعتقد ان ما هي فيه هو الحق والصواب , لسنا اليوم فى الوضع الافضل ابدا وما زلنا نتعثر فى بحثنا عن الطريق , ليس الاسلام ان ننعزل او نصطدم مع كل الاخرين وان تكون رؤيتنا لكل الاخرين رؤية سلبية , التعصب وكراهية كل الاخرين ليس هو المنهج الصحيح فى العلاقات الانسانية , اسلام التاريخ ليس هو الاسلام الحق , وما نراه الان هو امتداد لما نحن فيه من واقع ترسخ وتمكن فى مجتمعنا وفى عقولنا ونحن اسرى لواقع جاهل عشنا فيه طويلا ولا بد من التغيير الى الافضل , لا بد من الثقة بالعقل اولا وبالعلم ثانيا لكي يكون الانسان مؤتمنا على الحياة ومستخلفا ولا يكون الاستخلاف من الله للانسان الا لمن كان الافضل والاكمل فى فهمه للحياة ,  شعار السلام هو شعار الاسلام ويجب ان نرفع هذا الشعار تعبيرا عن احترامنا للانسان فى كل مكان ومع كل الامم والشعوب , طغيان الاقوياء على الضعفاء ليس من اخلاق الاسلام , الناس متساوون عند الله وافضل الناس هم احسنهم خلقا , واقربهم الى الله هم الذين يقفون الى جانب المظلومين والمحرومين والمستضعفين , عندما تكون الاموال دولة بين الاغنياء بظلم فمن الطبيعى ان يشتد الفقر ويستذل الانسان .. كنت اريد لثقافتنا الاسلامية ان تخاطب شبابنا بما يقنعهم باختيار الافضل فى حياتهم وتقودهم للافضل  , لا نحتاج الى ثقافة المبالغات ولا القداسات للتاريخ ولا لتوهم ما نريده ان يكون , نريد ثقافة تبنى الانسان وتنهض بالمجتمع وتعلمه ان يكون انسانا مع كل الاخرين , الاختلاف لا يعنى الخصومة والكراهية , المسلم لا يعتدى ولا يظلم ولا يستسلم لاهوائه ولا تتحكم به شهواته وانفعالاته , نريد ثقافة تبنى الانسان فاذا كان الانسان كان كل شيء ممكنا , ما زلت حتى اليوم اتساءل عن الطريق , وعندما ننصت الى مانحن فيه ونعيشه من الام شعبنا ومحنة مجتمعنا ندرك ان الطريق ليس معبدا امام هؤلاء الشباب من ابنائنا , ولن ننهض الا بما تنهض به الشعوب الاخرى التى تحررت من الجهل وقاومت كل المظاهر السلبية فى حياتنا  هذه سنة الله فى التغيير والتصحيح , لن نيأس مهما اشتد الظلام ويكفينا ان نبحث عن الطريق الذى يحبه الله ان نسير فيه من غير ظلم ولا عدوان ولا كراهية بل هي منهجوتعايش وسلام….

( الزيارات : 648 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *