رحلة ما توقعت انها ستطول

 ذاكرة الايام..رحلة ما توقعت انها ستطول

مازلت اذكر ذلك اليوم الذى غادرت فيه الكويت بعد اقامة فيها استمرت قرابة سبع سنوات , كان يوما طويلا وعصيبا  فى حياتى , كنت ساتوجه فى ذلك اليوم الى المغرب بناء على رغبة الملك الحسن الثانى رحمه الله بتعيينى مديرا لدار الحديث الحسنية التى يشرف عليها ويهتم بها , كنت ادرك ان مهمتى فى المغرب شاقة وعسيرة , كان كل شيء جديدا بالنسبة لى , ادارة جديدة لا اعلم عنها اي شيء , ومجتمع جديد لا علم لى بخصوصياته , كانت الرحلة بالطائرة من الكويت الى الدار البيضاء طويلة , كان اطفالى يبكون وهم يودعون اصدقاءهم , اقصى ما كنت اتخيله ان الرحلة سوف تستغرق ثلاث سنوات على الاكثر ,  وقد اعود قبل ذلك , كنت على وشك الرجوع عن قرارى , عندما هبطت الطائرة فى الدار البيضاء ادركت ان الامر  قد انتهي , لقد بدات الرحلة التى كنت اتهيبها  , عندما استقبلنى الملك الحسن الثانى فى قصره ادركت ان الامر قد انتهى , كان الملك فى غاية النبل  والادب واللباقة , اشعرنى بالمودة والدفء والرعاية , استمر الاستقبال قرابة الساعة , وحضرة كبار وزرائه , شعرت بالثقة والقوة وانا انصت لكلماته المشجعة , كان كبيرا ونبيلا وعظيما  , ادركت بعد حين ان المهمة اشق مما توقعت , هناك علماء من كل المدن المغربية لا بد من التعامل معهم  وهناك رموز وطنية كبيرة , وكنت بالنسبة لهم ذلك الوافد المشرقي الذى اقتحم احد اهم القلاع العلمية وهو لا يعلم عنها شيئا  , كانت السنة الاولى شاقة , كنت شابا فى السابعة والثلاثين وكنت الاصغر سنا من كل زملائي وطلابي  , اعترف اولا بفضل الملك فى نشجيعى فى كل المواقف ومن غير تردد  , لقد احسن الظن بى , وهو يستحق الشكر لذلك  , وادعو الله ان يجزيه جيرا وهو فى رحاب الل  , ما زلت اتساءل عن السر الذى دفعه لتلك الثقة والرعاية , حدثنى صديقى مؤرخ المملكة عبد الوهاب بمنصور  رحمه الله وكان يحضر مجالس الملك ويسجل كل  نشاطه اليومي انه لم يشهد فيما اطلع عليه من تاريخ الملوك العلويين ما شهده من محبة الملك لك ورعايته لك , وكان يسأل عن اخبارى ويشعر كل من حوله من الاعوان بتلك الرعاية والاهتمام , وقد سمع دروسي فى الدروس الحسنية سبع مرات , وكان يهتم بما كنت اقول فيها من قضايا علمية واحيانا يستفسرنى عن بعض ما كنت اقول فيها  , وقد عيننى عضوا فى الاكاديمية الملكية المغربية , وحدثنى الدكتور عبد اللطيف بربيش رئيس الاكاديمية ان الملك كان يستفسره عن نشاطى فى الاكاديمية ومشاركاتى  , وحدثنى الاستاذ احمد بنسوده مدير الدوان الملكى انه كان يوصيه بى , وان يبلغه جميع رسائلى اليه وما كنت التمسه منه كان يستجيب له ولم اطلب منه شيئا شخصيا  , كنت اشعر برعايته من خلال ما المسه من محبة المقربين منه واهمهم عبد الرحمن الكالى والحاجب الملكى ابراهيم فرج والمستشار عبد الهادى بوطالب واحمد بنسوده  , كل هذا اشعرنى بالاهتمام والرعاية وامدنى بالثقة , وكنت اشعر انه يهتم بما افعل  , وتجاوزت كل المشقات والعقبات بسهولة بفضل تلك الثقة  , ونسيت ذكريات الكويت واصدقاء الكويت  , ولم اعد اليها الا بعد اكثر من عشرين عاما , واننى اذكر بالفضل من التقيت بهم فى المغرب فى تلك الفترة واعترف اننى التقيت بكرام الرجال فى المغرب وهم رائعون خلقا ونبلا ووفاءا , وهم ينتمون الى مختلف الاطياف الاجتماعية من علماء وسياسيين ومسؤولين ورموز وطنية , لم اشعر ابدا بالغربة والوحدة , وذكرت اسماء مائة من الاصدقاء الذين التقيت بهم فى كتاب اخر , وهناك الكثير ممن لم اذكر اسماءهم , وامضيت ثلاثا وعشرين سنة فى المسؤولية الادارية واكثر من خمس وثلاثين سنة فى عضوية الاكاديمية , وكنت اجد من جميع من التقيت بهم من المغاربة الخلق والادب والتهذيب , وبخاصة من علماء دار الحديث الحسنية ومن طلابى وهم اعلام المغرب علما , وكنت اشعر بهم فى ايام المحن والازمات , كانوا فى الصفوف الاولى يمهدون الطريق ويرفعون الركام ولو كان من الصخور ,  وكان لهم الفضل فى التغلب على الازمات , ومن ابرز طلابي الذين اذكرهم بالخير واشيد بهم ,الدكتور السعيد بوركبة وكان رئيسا لجمعية علماء االخريجين سابقا والدكتور عمر الجيدى والدكتور ابراهيم بن الصديق والدكتور نورى معمر والدكتور احمد اليزيدى والدكتور عبد الحميد عشاق والدكتور محمد بنعزوز والدكتور احمد العمرانى والدكتور ادريس خليفة وعدد من علماء تطواان واغادير وفاس ووجدة ومراكش , وهناك عدد من العلماء والمثقفين  اعتز بهم فقد كا نوا نعم الاصدقاء والزملاء , وابرزهم الشيخ محمد مكى الناصرى والاستاذ يوسف الكتانى والدكتور عباس الجرارى والدكتور محمد بنشريفة والدكتور محمد يسف والدكتور مولاي ادريس العلوى والدكتور عبد الكبير العلوى المدغرى , , لم اتصور قط اننى ساقضى اربعين سنة فى المغرب , لم اندم قط على قرارى فى الانتقال الى المغرب , واذكر بالفضل الصديق الاهم والاقرب  مؤرخ المملكة الاستاذ عبد الوهاب بنمنصور , كان الصديق القريب من البداية الى النهاية كان يعمل بصمت وكنت ارى اثاره فى كل مكان  , سألته يوما وقد ادهشتنى مواقفه , كان محبا بغير حدود  , كنت على صلة دائمة به  منذ الايام الاولى ,و لما سألته عن سر محبته لى  قال لى : لو عرفت الجواب لا جبتك , لقد ادهشنى من امرك ان الطرق التى تمشى فيها معبدة وميسرة , وهذا من فضل الله عليك ..كان يسجل كل شيء عن حياتى  ويحتفظ بكل شيء فى ملف خاص , وكان يطلعنى عن كل اعماله العلمية , ويحكى لى الكثير عن تاريخ الملوك والاعلام زالاحداث , وفى المجالس العلمية التى كانت فى بيتى كان يحرص على حضورها ويسجل بعض الملاحظات , كان مؤرخا امينا فيما يسجله وكان خبيرا فى تاريخ القبائل المغربية , واحيانا كان الدكتور عبد الهادي التازى يشارك فى الحوار وبخاصة فيما يتعلق بالتاريخ السياسي للمغرب , هناك الكثير مما يستحق ان يسجل , وهناك اكثر منه لا يمكن ان يسجل , والذى لا يسجل هو الاكثر اهمية ودلالة ..

( الزيارات : 736 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *