لا شرعية لمغتصب السلطة

 انتهت الخلافة الإسلامية بمفاهيمها ودلالاتها بعد عصر الراشدين ، وأصبح الحكم مَلَكِيَّاً بكلّ ما تتضمنه كلّمة الملك من معان وسلطات وسلوكيات ، فالبيعة في ظلّ” الأنظمة الخليفية الملكية “هي تعهدٌ بطاعة السلطان ، وهو تعهّد يتمّ بالإكراه فى الغالب، ومن رفض هذه البيعة يعرض نفسه لأقسى العقوبة ، والدين لا يتدخل في شؤون الحكم فلا يلزم أحداً ببيعة حاكم إذا لم تتوفر القناعة بكفاءته واستقامته وأهليته ، ولا يحض أحداً على نقض البيعة ، فهذا شأن دنيويٌ يتصارع فيه الطامعون في الحكم ، والدين يضع معاير موضوعيّة لاختيار الحاكم ، وأهمّها الأهلية والكفاءة والاستقامة وأن تختاره الأمة من غير إكراه ، ولا يمكن لأيّ فردٍ أن يقول بأنّه صاحب الحقّ وأنّه أولى بالحكم من الآخر ، ويجب أن ترتبط شرعية الحكم بإرادة الأمة وصحّة التفويض ، ولا تفويض في ظلّ الإكراه ولا إرادة لمُكرَه ، ولا شرعيّة لمغتصب السلطة ولو كان من أهل الكفاءة والاستقامة ، فاغتصاب السلطة هو اعتداءٌ على الأمة وتجاهلٌ لحقها في اختيار حكمها ، ولو بايع الأكثرية بإرادتهم الحرّة من غير إكراه فهذا يلزم الأقلية بقبول هذا الاختيار ، ولا تتحقق المصلحة الاجتماعية إلا باحترام رأي الأكثرية ، لاستحالة وقوع الإجماع في الأمور الاجتهادية ، ويجب اعتماد معيار الأكثرية في القضايا التي تحتاج إلى رأيّ الأمة , ويشترط في الأكثرية أن تكون أكثرية حقيقية , ولا تُحاسَب الأمة ولو أخطأت الاختيار , واعتماد الأكثرية العدديّة أكثر عدلاً من اعتماد معيار القوة والضعف , ولا يعتدّ برأي أهل الحلّ والعقد من أصحاب السلطة والنفوذ إذا كانت الأمة بأكثريتها العددية لا تثق بهذا الاختيار ولا يعبر عن إرادتها ، ولا شرعيّة لأهل الحل والعقد إذا فقدوا ثقة الأمة بهم , فشيخ القبيلة يستمدّ قوته من ثقة قبيلته به وطاعتهم له , فإذا فقدوا ثقتهم به ورفضوا طاعته فقد فقد أهليته التمثيلية , ولا يمكن أن تمثّل الأمة إلا من تختاره الأمة لتمثيلها والتعبير عن رأيها , وهذه معايير تختلف بين زمانٍ وآخرَ , كما تخضع لمتغيرات , فالأمة تختار من يحسن الدفاع مصالحها ممن تثق به , وتختار لحكمها من تجد فيه الأهلية والكفاءة والاستقامة , ويحقّ لها أن تسحب ثقتها من كلّ حاكم أو ممثلٍ لها إذا أساء في أداء مهمته أو قصّر في القيام بمسؤوليته , والدين لا يأمر بطاعة حاكم إلا إذا أحسن وعدل واحترم إرادة الأمة , وأدى حقوق الله وحقوق النّاس , ولا يدعو لمقاومة حاكمٍ إلا إذا أساء وظلم ولم يراع حقوق الله وحقوق النّاس , ولا قداسة لحاكم , ولا سلطة له على رقاب الناس , ويراقب ويحاسب , وهو مؤتمن على حماية مصالح الأمة , ولا يطاع إلا فيما فيه مصلحة , فإن استبدّ في الحكم وظلم واستحلّ الدماء والأموال فقد استحقّ العزل والمساءلة ..

( الزيارات : 1٬719 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *