لا وصاية لرموز الجهل والتخلف على الدين

في لحظات التأمل وهي كثيرة، وبخاصة عندما بلغت خريف العمر، أخذت أكتب عما كنت احدث نفسي به من قبل، كنت أحاول رسم صورة المستقبل كما يجب أن يكون، لا كما هو كائن من قبل، وأدركت مدى صعوبة ذلك، وربما استحالة ذلك على جيلنا والجيل الذي يليه، قد يكون الأمل في الأجيال القادمة، ولابد من التغيير الشامل لكل أساليب الفكر، ولكل ما تنتجه عقولنا من تصورات، ما ننتجه الآن هو وليد واقعنا المتخلف، ولا أمل فيه… أما ما ننتجه عندما نكون في حالة الاستعداد للتغيير فسوف يكون شيئا آخر لا نعلمه الآن، وقد نكتشفه في المستقبل عندما نكون مستعدين للتغيير…

لا أمل في واقعنا مادمنا نتمسك بما نحن فيه من ثوابت عصر التخلف والجمود، والتخلف هو اختيار جيل أو أجيال وليس اختيارا أبديا، فعندما تريد أمة أن تنهض فلا بد إلا أن تنهض، وما زلنا نحن اليوم في حالة القابلية للتخلف والرضا بما نحن فيه…

عندما نضيق بالتخلف سوف نتغلب عليه، وعندما نرضى به فلن يزول، ومثلنا في ذلك كالمريض الذي لا يضيق بمرضه ولا يرى ملامح الشحوب في وجهه، فانه لن يذهب إلى الطبيب ولن يتناول الدواء…

وطالما أننا راضون بتخلفنا فلا أمل في التغلب على هذا التخلف، إننا ننظر إلى كل ما حولنا من خلال مرآة تخلفنا فلا نرى الصورة كما هي، وإنما نراها مشوشة…

وأكثر ما كان يضايقني ويزعجني أننا نفهم قيم الإسلام ومبادئه الإنسانية من خلال منظار تخلفنا، ونريد الإسلام كما نريده نحن، وليس كما هو في حقيقته…

لا يمكن أن تكون هناك وصاية على الإسلام من بعض الجهلة من ذوي العقول الضيقة، هؤلاء يحكمون معاييرهم في الإسلام، فيشرحون مبادئه كما يريدون، ويعرضون مواقفه كما يوافق هواهم، وهم معذورون في ذلك، ولا يمكن مطالبتهم بما لا يملكون، وهم أسرى واقع عاشوا فيه، ولا يتصورون فكرا غير ما هم فيه…

لابد من إعادة النقاء والصفاء إلى مفهوم الإسلام في أذهاننا، لكي تبرز الصورة الإنسانية والأخلاقية التي أرادها الإسلام، ولا يريد الإسلام إلا الخير للإنسان، يريد الإنسان الأفضل والأكمل في عقيدته وثقافته وفكره وسلوكه، يريد الإنسان كما يجب أن يكون، أداة للخير ورمزا للفضيلة، يريده أن يكون ممتعا بحريته وكرامته ومدافعا عن قيم إنسانية راقية…

ليس التخلف بسبب الإسلام، وإنما بسبب توفر أسباب التخلف في مجتمعنا، وأهم أسبابه الجهل بكل أبعاده، وإلغاء النظر العقلي، والإيمان بالأساطير والأوهام، وقبول قيم اجتماعية هابطة، والاستسلام أمام جبروت القوة، وتمكين الأقوياء في المجتمع سواء بسبب سلطة أو مال من التحكم في رقاب الناس وإقرار قيمهم الفاسدة التي تمكن لهم سلطانهم في المجتمع…

ولابد من تحرير القيم الإسلامية من سيطرة قيم التخلف السائدة، التي تحمي رموز الشر والطغيان والظلم، ولا خيار إلا أن نرفع شعار التجديد والتصحيح بقوة، وان نحمي هذا الشعار بكل طاقتنا، وان نضحي في سبيل القيم الخيرة، وان نحرر الإنسان من العبودية المفروضة عليه…التجديد أمر حتمي وخيار وحيد لإيقاف مسيرة التراجع، وأمة ترفض التجديد وتخاف منه تحتاج إلى توعية وصيحة موقظة….

( الزيارات : 1٬844 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *