لن ننهض بالاوهام.

كلمات مضيئة..لن ننهض بالاوهام..

ماكنا نملكه من قبل لم نعد نملكه اليوم ..

كنا اكثر شبابا واشد حماسا واكثر صدقا , كنا نحلم ونعتقد اننا سنبلغ ماكنا نحلم به , كنا نظن ان كلمتنا ستصل الى من خوطب بها , وان غفلتنا لن تطول وان شعبنا سوف يستيقظ وسوف ينهض , ولما ذا لا ينهض ونحن نملك  المال والرجال والارادة والعزم , احيانا اعود بذاكرتى الى الماضى استعيد ايامه وافتح صفحات من الذكريات اتأمل فيها , لا شيء مما كان سيموت فى الذاكرة  ابدا , الاجيال المقبلة سترقب ما نفعله كما نرقب اليوم احداث الاولين , لا عذر لمن تخلف عن الركب , نحن اليوم اقوى مما كنا عليه , اليوم نحن نملك المال والارصدة والثروات المدفونة , كل ذلك لم يكن من قبل ..

 ذات امسية قبل ثلاثين سنة طال ليلى واشتد علي ظلامه , وانتابتنى حالة من الحزن وانا ارقب ماكان فى تلك الايام من انقسامات وصراعات , لم تكن كما هي اليوم ابدا , كنا نراها كبيرة , كنا نتوقع ان تلك العواصف هي مقدمة لسحائب مبشرة , كان الخطر الاكبر الداهم هو اسرائيل فى ارضنا  , كان لبنان ينزف وقد اختلف اهله , وكان العراق فى حرب دامية مع ايران , وكانت مصر معزولة وقد اختارت اسرائيل حليفا وتفرقت كلمتنا   , كنا فى حالة من التفرقة ولكن لم نكن كما نحن اليوم , كانت اموال النفط تتدفق بقوة وتوقعنا ان كل شعوب العرب سوف تستفيد من ثروة العرب  , لم يكن الترف كما هو اليوم او على الاقل لم تكن الامور مكشوفة , ولم تكن صفقات السلاح تتجاوز الملايين وكنا نراها كبيرة , لم نكن نعلم شيئا عن معنى المليارات , كان المليار الواحد  هو النهاية ..

جلست فى مكتبى كعادتى فى كل مساء اقلب فى كتاب للجاحظ عنوانه:  التاج فى اخبار الملوك , كنت عندما اضيق بالكتب العلمية الجادة اذهب الى كتب الطرائف الادبية , لم يكن كل  ملوكنا وامرائنا فى الماضى كما تصورهم كتب الطرائف تشغلهم الليالى الملاح وحياة الترف والمجون , كان هناك الكثير مما يمكننا ان نفخر به من شجاعتهم ومواقفهم وانتصاراتهم , قرأت قصة طريفة رواها الجاحظ عن عبد الملك بن مروان الخليفة الاموى الاكثر اهمية فى العصر الاموى , لا ادعى ان كل مانرويه كتب الادب صحيح كما يروى  , المهم ان نستفيد العبرة من الموقف والطرفة , وهذا هو المهم , تقول الطرفة ان والى افريقيا ويراد بها تونس اهدى الخليفة الاموى عبد الملك بن مروان جارية جميلة ولما رآها اعجب بها وكان بيده قضيب واخذ يعبث به,  وقال لها:  انت امنية المتمنى , ثم قال ردوها عنى اي خذوها , فقالت له : ما يمنعك ياسيدى والامر اليك , قال لها : يمنعنى قول الشاعر الاخطل :

قوم اذاحاربوا شدوامآذرهم. .

دون النساء ولوبانت باطهار ..

اعجبنتى الطرفة وانفعلت بها وكتبت مقالة بهذا العنوان نشرته جريدة الرأي العام الكويتية فى عام 1985 , تذكرت هذه الكلمة وهذه الطرفة وانا اتابع ما يجرى اليوم فى وطننا العربى من انهيارات وانقسامات مخيفة ومواجهات متوقعة , لا شيء مما نراه اليوم  يبشر بخير , الجيوش تنهار والشعوب تطارد وتقتل والاموال  تنفق بسفاهة مكشوفة ومكروهة  , وما زال هناك من يبحث عن تلك الجارية , قصور تشاد فى كل مكان وحفلات مجون وترف وسفه وكانه لا شيء , وثروات كالانهار تتدفق فى اودية المترفين وفى جيوب الجهلة والفاسدين , ما اقسى ما نعيشه اليوم من مأسأة امة تمكن سفهاؤها من امرها , فى كل يوم نتوقع محنة جديدة تضاعف من ماساة شعبنا , نزاعات وانقسامات وحروب متوالية فى كل ارض عربية, والكل يستفز الاخر ويتحداه ولا احد من هؤلاء  يرى ان عدوهم يتربص بهم جميعا  ويسخر مما يفعلون , كان العربي فى الماضى ذا شهامة ومروءة فاذا كان فى حرب فلا تشعله الجوارى ولا يقتنى  القصور ولا اليخوت ولا يشترى الجوارى الملاح , كنا نحلم بالافضل واليوم لم نعد نحلم الا بكوابيس مخيفة منذرة وليست مبشرة , يكفينا ما كنا نخدع انفسنا به من انتصارات وهمية  , هناك خيار وحيد هو الاصلاح الحقيقى الذى يؤدى الى تكوين دولة بمفهوم الدولة الحديثة الجامعة لكل مواطنيها والتى يفخر الكل بها ويدافع عنها ,  وليست دولة القبيلة والعشيرة ,  وان تكون توزيع الثروات عادلا وان يحترم المواطن ويشعر بالكرامة .يجب ان نعيش عصرنا كما هو , وانرتقي بثقافتنا لكي تكون ثقافتنا معبرة عن رقينا الحضارى وان نرفع شعار الاسلام كما اراده الله فى قيمه الروحية واخلاقياته واحترامه للحياة والانسان..  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( الزيارات : 1٬385 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *