مجمع فقهي فى مجلس الملك.

ذاكرة الايام..مجمع فقهي فى مجلس الملك .
كانت الحقبة المغربية هي الاهم فى حياتى …
امتدت اكثر من اربعين سنة وما زالت , لم اعد لها ولم اسع اليها , لقاء عابر فى مدينة الكويت لم اتصور انه سيتجاوز وقته , مازلت اشعر بالامتنان لذلك الرجل الاول الذى التقيت به لاول مرة ذلك اللقاء العابر , فيما بعد عرفته جيدا وعرفت مكانته فى مجتمعه , انه الاستاذ الكبير علامة المغرب ورئيس رابطة علماء المغرب الاستاذ محمد المكي الناصري رحمه الله وكان وزيرا انذاك للاوقاف والثقافة , كانت هي الزيارة الاولى الى المغرب بدعوة منه الى الدروس الحسنية التى يرأسها ملك الملك , عندما حضرت لاول مرة الى المغرب رأيت مجالس الخلفاء كما كنا نقرأ عنهم من قبل فى كتب التاريخ , هيبة مجالس العلم فى امسيات رمضان , هي ذات تاريخ عريق فى تاريخ المغرب , كل الدولة كانت حاضرة لتسمع درسا دينيا فى رمضان تبتدئ باية من القران الكريم او حديث شريف , لا يمكن ان تكون هذه المجالس فى غير المغرب ابدا هي جزء من تاريخ المغرب وتقاليده العريقة , القيت اول درس لى امام الملك الحسن الثانى رحمه الله , عن الاقتصاد الاسلامى , كان المجلس مهيبا وقورا وخجلت من نفسي كنت فى بداية حياتى العلمية كان ذلك عام 1973 فى شهر اكتوبر , سمعنا اخبار حرب اكتوبر ونحن فى تلك المجالس , كان درسي هو الاخير وتوقف كل شيء , علماء المغرب والعالم الاسلامى وكل رجال الدولة من وزراء وسفراء وقادة , ما رايت مجلسا اكثر جلالا من ذلك المجلس , لم اتحدث بعفوية وتلقائية وحرية كما تحدثت فى ذلك اليوم , كان الملك ينصت باهتمام كبير , لم اجد رجلا يحترم العلم والعلماء كما رأيت الملك فى ذلك اليوم , كان الملك العالم فى تلك المجالس , فى ذلك اليوم تحدثت فى اخر الدرس عن الفقه الاسلامى واهمية النهوض به وتحدثت عن حاجة مجتمعنا الاسلامى الى مجمع فقهي عالمي يضم نخبة متميزة من علماء العالم الاسلامى تعكف على دراسة القضايا المستجدة والمستحدثة مما يثير اهتمام جيلنا ويعبر عن حاجات مجتمعنا وقضاياه , لم انفعل قط ولم اتجاوز المنهج العلمى فى شرحي لفكرة المجمع الذى اقترحته , وكيف يمكنه ان يكون وكتبت عن ذلك الاقتراح فى كتابى المدخل للتشريع الاسلامى الذي كنت اكتبه وطبع وقتها , كنت اعتقد انها كلمة لاتثير اهتماما , شرحت الفكرة وكيف يمكنها ان تحقق اهدافها , وقلت يومها كلمة ان الفقه الاسلامى ماكان من قبل وما يمكنه ان يكون , كان الملك يتابع كل كلمة باهتمام لم اعهد مثله فى اي لقاء علمي اخر , كنت صادقا فيما قلته , كان يجلس الى جانبي شيخ الجامع الازهر الدكتور عبد الحليم محمود ومفتى مصر حسنين مخلوف والدكتور صبحى الصالح مفتى طرابلس والاستاذ محمد المبارك عميد كلية الشريعة بدمشق ومفتى تونس الدكتور الحبيب بلخوجه ورئيس علماء المغرب الاستاذ عبد الله كنون والصديق الذى دعانى الاستاذ محمد المكى الناصرى وكبار علماء المغرب, ومن ابرزهم الزعيم الكبير الاستاذ علال الفاسي رحمه الله , وكان الشعب المغربي يتابع هذه الدروس من خلال الاذاعة والتلفزيون , عندما تقدمت للسلام على الملك فى نهاية الدرس سمعت منه من كلمات التشجيع والتقدير ماجعلنى اكبره واحترمه وانا مدين له , وقال لى : اننى مستعد ان انشئ هذا المجمع الذى اقترحته فى المغرب , وكلفنى ان اعد له مشروعا تفصيليا عما اقترحته , كان صادقا فى لهجته كبيرا فى ادبه , مازلت اشعر بالامتنان لذلك الاهتمام , كان رحمه الله من اكثر من عرفت نبلا فى المواقف , وكان يمكن لهذا المشروع ان يكون لولا انشغالات حالت دون تحقيق ذلك الى ان تبناه مؤتمر القمة الاسلامى بعد عشرين عاما وهو الان قائم فى جدة , كان الحسن الثانى غيورا على الثقافة الاسلامية فخورا بها , وقد اهتمت صحافة الكويت فى تلك الفترة بهذا الموضوع ونشرت جريدة الرأي العام الكويتية مقالا مطولا بعنوان : مجالس الخلفاء تظهر فى المغرب , وتحدثت فى هذه المقابلة الصحفية بالتفصيل عن فكرة هذا المشروع العلمى ..
شاركت بعد ذلك سبع مرات فى الدروس الحسنية وتكلمت فيها في موضوعات اسلامية وعلمية مهمة , وكنت اجد من الملك الحسن الثانى رحمه الله كل التشجيع في كل مرة وتكلمت فى كل موضوع وبكل حرية وما ضاق رحمه الله يوما بفكرة او موضوع مما تكلمت فيه , وكنت اجد منه كل تشجيع واخر مرة تكلمت فيه عن التربية النفسية عام ١٩٩٥ , من حقه بعد عشرين عاما من رحيلة ان اذكره بما يستحق ان يذكر به , وان اشهد له بما رأيت , انه يستحق منى ان اعبر عن تقديرى له فقد كان كبير المواقف نبيل الخصال , ما اذكره الان هو موقف واحد , وهناك الكثير مما عرفته عنه بعد ان اسند الي ادارة دار الحديث الحسنية التى كانت تحت رعايته , وكان يعتبرها احدى اهم منجزاته لخدمة الثقافة الاسلامية ..

( الزيارات : 739 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *