معنى التوفيق

يستعمل الناس كلّمة التوفيق للدلالة على الشخص المُوَفَّق في أعماله ، والمُوَفَّق في كلّامه والمُوَفَّق في دراسته ، والمُوَفَّق في استقرار حياته الأسرية ، والمُوَفَّق في حسن تدبيره لأموره ، وتطلق كلّمة غير المُوَفَّق على الشخص الذي يفعل الشيء الخاطئ ويخسر به ، فإن تعامل في التجارة خسر ثروته ، وإن اتجه إلى الدراسة لم يوفق فيها ، وإن صادق لم يُوفَّق في اختيار أصدقائه ، وإن نصح أحداً في كلّمة لم يُوفَّق في اختيار الأسلوب الحكيم في النصيحة ، فعادت عليه بالخسران والندامة .

ولا شكّ أنّ العامل الأهم في التوفيق هو إرادة الله ، و التوفيق من الله فهو الذي يُلهم الإنسان ما يفعل ، ويشرح صدره لما يريده في أعماله وصداقاته وكلّماته ومبادراته ، ليحقق له بالتوفيق ما كتبه له في الأزل ، وترك له حريّة العمل والاختيار وشرح صدره لما يقوده إلى ما قدره له ، فالله تعالى يقدر لكلّ إنسان ما يريده له بحكمته ، من علم ومال وسُلطة وجاه ، ويعطي لكلّ فرد ما يستحقه بعدله ، والكلّ عيال الله ولا يظلم ربك أحداً ، فلا يضيق أحد بما قدره الله تعالى ، وليس المقدار الوحيد هو المال والعلم ، ومن أعطاه شيئاً فقد أعطى الآخر شيئاً آخر ، والعبرة في المآب والعاقبة للمتقين ، وكلّ فرد يُحاسَب على فعله ، والتوفيق له أسبابه الظاهرة ، ولا يمكن أن يتم في غياب أسبابه الظاهرة ، والتوفيق كما تدل الكلّمة هو القدرة على التوفيق بين أمرين ، ومن أحسن هذا التوفيق بين الأمرين كان موفقاً في حياته ، ومن عجز عن هذا التوفيق فهو غير مُوفق ولا يمكن للإنسان أن يُغالب ما هو مُقدَّر له في الأزل ، فإن وفّق بين ما هو مقدر له وبين ما هو محب له فلابد إلا أن يُوفق في أعماله ، لأنه اتجه بكلّيته وقناعته وعاطفته إلى ما هو مقدر له ، فمن قدر له أن يكون عالماً وأقبل على العلم بطاقته وبذل كلّ جهده في تحصيل العلم فلا بد له إلا أن يُوفَّق في مهمته ، ومن أقبل متثاقلاً بما اتجه إليه فلا يمكن أن يوفق ، وفي التوفيق سرٌّ إلهيٌّ لا تُدركه العقول ، فقد يوفق من لم يملك المهارة والذكاء والتفوق ، وقد يفشل من اشتهر بالمهارة والخبرة ، ويرفع الله من شاء ويرزق من كتب له الرزق ، بشرط أن يتخذ الأسباب الظاهرة لكيلا نتهم نظام الكون بالفوضى ، وقد أُحكم الكون بقوانين إلهيّة عادلة ومرتبطة بالأسباب ، وأما أهل التوكلّ والاعتماد على الله فهؤلاء لهم خصوصياتهم مع ربهم ، ولا يجوز لنا الخوض في أمرهم ، والشريعة أمرتنا بالأخذ بالأسباب والإسراع إلى العمل والثقة بالعلم ورفعت من شأن العلماء العاملين ، واعتبرت العمل عبادة ، وادعاء التوكلّ في الرزق من الكسل المذموم ، لأنه يقود إلى المذلة والاعتماد على الآخرين ، وهذا لا يجوز بالنسبة للقادرين على العمل ، وليس من خُلق الإسلام .

وأقول لمن يريد التفوق: اعتمد على الله تعالى أولاً فهو المُوفِّق لما يريد وهو الذي يُوجهك ويشرح صدر الآخرين لعلمك وعملك ، ويُبارِك لك فيما تفعل ، فإن أخلصت النية وقمت بعملك بصدق وإخلاص وتوكلّ على الله فلا بد إلا أن تُوفَّق ، وأحسن معاملتك للناس وكنْ باراً بوالديك وفياً لهما أديباً معهما ، وأحسن لمن أساء إليك ، ولا تحقد ولا تنتقم وهذا يولد لك نوراً في قلبك وفي وجهك ، ويضع الله محبتك في قلوب خلقه .

( الزيارات : 3٬402 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *