مقدمة كتاب علمتنى الحياة الجزء الثانى

هذه مجرد تأملات شخصية سجلتها في أوقات مختلفة ،كنت أعبر فيها عن رؤيتي لقضية من القضايا التي كنت أهستمدها من الحياة اليومية ، مما أسمعه أو أراه ، وكنت أسجلّ ما كنت أفكر فيه في تلك اللحظة ، ولم أكتب هذه الأفكار لأجل النشر ، ولكن إذا نُشرَت فأرجوا ممن يقرأها أن يلتمس لي العذر فيما كتبت ، فقد يتفق البعض معي في بعض ما ذهبت إليه ، وقد يختلف البعض الآخر  معي في بعض الأفكار ، وهذا حقٌ للجميع وأنا أحترم حقّ الإنسان للتعبير عن آرائه ، فما يكتبه الإنسان هو مرآة لما يفكر فيه ..

وقد اخترت عنوان (علمتني الحياة) لكي تكون الأفكار مستمدة من الواقع ، وكأنها تجربة شخصية ، وقد سجلّت هذه الأفكار بطريقة عفوية ، وليست مرتبة موضوعياً

والحياة هي المدرسة التي تعلمت منها هذه الأفكار ، وهي التي أوحت إلي بما كتبت ، وليس هناك أصدق من مدرسة الحياة ، ونحن نحتاج أن نستمد من هذه المدرسة الكثير من الدروس والعبر ، والمهم أن نتعلم ونستفيد ، وأحياناً قد يظهر التناقض بين فكرة وأخرى ، وهذا أمرٌ طبيعي ، فالإنسان يكتب متأثراً باللحظة التي يكتب فيها ، وبالمشهد الذي يراه ، وقد تتغير الأفكار باختلاف الظروف المحيطة بالإنسان ، وباختلاف المشاهد ولكن ..هذا هو الإنسان ..ينفعل بما يراه وبما حوله ..والفكر هو وليد رؤية الإنسان الذاتية لما يحيط به ..

لم أقرأ ما كتبت ..لأنني لو قرأته مرة ثانية فقد أتراجع عن بعض ما كتبت ، ولذلك أبقيت ما كتبت على حاله رغبةً مني في الحفاظ على تلك الآراء و التأملات كما هي في اللحظة التي سجلتها ، وليس هناك ثوابت لا تتغير فيما يتعلق بحياة الناس ومصالحهم  .

فالثوابت هي حماية المصالح وتحريم المظالم ومقاومة الانحراف والاستبداد وجميع سلوكيات الطغيان في العلاقات الإنسانية ، واحترام الكرامة الإنسانية واحترام رأي الأكثرية فيما تختاره لنفسها فيما يتعلق بحياتها ، وحرصت أن تكون مدرستي الأولى هي الحياة كما أراها وكما تعلمت منها ، وأن يكون الواقع هو مصدري ، وأن تكون المصلحة الاجتماعية هي غايتي التي أدافع عنها ، وأن تكون حقوق الإنسان مرعية ومحترمة ، وألا يستظل أحد بمظلة الإسلام استغلالا له ، فالإسلام لا يحمي ظلماً وتجاوزاً أو استغلالاً ،وليس كل اختيار عادلا او مقبولا  اذا لم يحترم ثوابت الاسلام..، ولا يحمي أيّ فرد أو أيّ نظام أو أيّ قيمة اجتماعية لا تحترم إرادة الأمة وحريتها وحقوقها,و أيّ نظام يقوم باسم الإسلام قد يظن أصحابه في بدا ية أمرهم ذلك ، ويرفعون الشعارات التي تدعم أمرهم ، وهم في الحقيقة يدافعون عن مصالحهم الشخصية ويحتجون بالنصوص الإسلامية التي يحتاجونها ويتجاهلون كلّ النصوص التي تدعوهم إلى احترام الحرية والكرامة والعدالة والشورى ، ولا بد من صحوة منقذة تنهض بأمة الإسلام لكي تكون مؤهلة لإيجاد نموذج حضاري في الحكم والاقتصاد والثقافة والسلوك الاجتماعي ، وهذه دعوة وهي أمل ، ونرضى بالقليل مما نطمح فيه ، وإن لم نفعل فنحن في حالة ركود وتراجع ولن يتراجع الإسلام وسوف يصمد ، ولكنه لا يستطيع أن ينهض وأن يبلغ رسالته الإنسانية والحضارية إلا بإرادة النهوض وتوفير أسباب النهضة ، وأهمها العلم والمعرفة والثقة بالعقل والتغلب على الخرافات في العقيدة ، والالتزام بالمنهج القرآني الواضح البعيد عن التأويلات المنافية لثوابت العقيدة والشريعة ، والاعتزاز بالسلوكيات الأخلاقية والتمسك بقيم الكمال ، والاعتراف بالحرية الإنسانية في الفكر والثقافة واحترام التعدديات الفكرية ، وعدم التعصب ضد الآخر والتعايش مع الآخر حيث كان في إطار الاحترام المتبادل والعلاقة المتوازنة ، وقبول الجديد والمفيد والنافع من كل معطيات الحضارة المعاصرة وتشجيع الاجتهاد الجماعي والاحتكام لأهل الاختصاص فيه وإقرار القيادة الاجتماعية وكلّ الأعمال الجماعية التي تحقق المصلحة المرجوة ، وتخفف من أخطار العمل الفردي والقيادة الفردية والرأي الفردي وبخاصة فيما يتعلق بمصالح الجماعة ..

أدعو إلى الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يشرح قلوبنا للخير ولكل عمل صالح ينفع الناس ، وأن يجعل عملنا خالصاً لله ، نريد به تأدية الأمانة وإبلاغ الرسالة إلى الجيل اللاحق الذي سيحمل الأمانة وهو مؤتمن على ما ورثه ، ولا وصاية لجيلنا عليه ، وكل جيل مخاطب ومكلف ومؤتمن ، ولا تفاضل بين الأجيال إلا بمقدار ما تسهم به في خدمة الإنسانية وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

حلب        3 / رجب /  143 هـ

             25/ حزيران / 2009 م                                 محمد فاروق النبهان

 بهان


 

                          

( الزيارات : 1٬277 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *