من الربا ..استغلال حاجة المستضعفين ..

ذاكرة الايام..استغلال حاجة المستضعفين.

اهم ما كان يثير انتباهى منذ طفولتى هو ذلك الرجل الضعيف المسكين الذى كان يشعر بالحرمان ومع ذلك فقد كان يبتسم للحياة وتراه راضيا شاكرا , كنت اتساءل كيف يمكنه ان يبتسم وهو يرى ما يستفزه من سلوكيات المترفين , ومعظمهم لا يراعي المشاعر ولا يخجل مما يفعل , كنت اجد الصلاح والتقوى فى كثير من هؤلاء المحرومين , كنت ارى الاقوياء يستغلون ضعف المستضعفين وكنت انكر ماكنت اراه من سلوكيات ومظاهر خاطئة , كنت بفطرتى انكر ذلك وارى ان ذلك مما لا يقره الدين , كنت اجد من يبرر ذلك ولا يراه منكرا , وعندما دخلت الجامعة كان اول بحث اعددته هو عن الربا وما هو مفهوم الربا , وعندما سجلت اطروحتى للماجستير كانت بعنوان القروض الاستثمارية وهذا الموضوع كان يتطلب منى ان ابحث عن تاريخ الربا ومفهومه , واحل الله البيع وحرم الربا , فاي ربا هذا الذى حرمه  القران , كان الكبار من اهل قريش والاثرياء من القبائل والرجال يقرضون المستضعفين لكي يذهبوا فى تجارة الى الشام واليمن املا فى الربح , فاذا خسرت تجارتهم كانوا يسترقون اويذلون ويطالبون اما بالاداء او الزيادة , فيقال لهم ا د ما عليك او ارب وضاعف , هذه الزيادة ليست ربحا مشروعا وانما كانت زيادة مقترنة بالاستغلال والتحكم والاذلال , ما اقسى ما كان يفعله اولئك الطغاة فى الجاهلية بالمستضعفين , , كان بنو المغيرة وثقيف يفعلون ذلك ولا يخجلون  مما يفعلون  بضعفائهم واصبحت الاموال دولة بين هؤلاء الكبار الذى كانوا يفسدون فى الارض  ويستعلون  , هذا هو الربا الجاهلى الذى حرمه القرأن والالف واللام هنا فى لفظة الربا للعهد وهو الربا المعهود وقد خوطبوا به , واختلف الفقهاء فيما بعد فى المراد من الربا , تاملت كثيرا في معنى الربا , كنت ارى الاستغلال والتحكم والاذلال فيه  وما اقسى ذلك على المظلومين والمحرومين  , القيت عدة محاضرات عن مفهوم الربا فى الكويت والرياض وفى جامة الامام فى الرياض  عام 1966 , وفى جامعة الكويت وفى مركز حمعة الماجد فى دبي , واهم محاضرة لى فى هذا لموضوع كان فى الدروس الحسنية امام الملك الحسن الثانى رحمه الله عام  1975وطبعت هذه المحاضرة فى كتاب بعنوان مفهوم الربا فى ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة , وما زال السؤال قائما وما زلنا نبحث عن معنى الربا , كنت ارى الربا فى  كل زيادة غير مشروعة ارتبطت بظلم ظاهر او خفي واستغلال حاجة المستضعفين والمستهلكين فى قرض او بيع ا وفى اي عمل من الاعمال التى تتطلب كمال الارادة والاختيار  , ورجح علماء الحنفية ان الربا يكون فى البيوع انطلاقا من الحديث الشريف الذهب بالذهب والفضة بالفضة وهي الاصناف الستة المذكورة فى الحديث ويقاس عليها كل المكيلات والموزونات وفى الاغذية والاطعمة بحسب الاجتهادات الفقهية  وكل ما يحتاج اليه الانسان لاشباع حاجاته الضرورية , كنت ارى منهجا اسلاميا متكاملا فى تحريم الربا والاحتكار والاضرار , ومنها صور ذكرها الفقها وهي تلقى الركبان المستضعفين واستغلال جهلهم فى الاسواق وهناك صور اخرى , ما زلنا نحتاج الى فهم اوسع واشمل لمفهوم الربا لكي نحمى المستضعفين من استغلال المتحكمين فى المال ,  والذين يجمعونه بكل وسيلة , ولكل عصر قضاياه ومعاملاته واحتكاراته التى تؤدى الى اكل اموال الناس بالباطل , كنت ارى ان البيع المشروع هو الذى يتمكن فيه المشترى من الدفاع عن حقه ولا يكون مزعنا ولا فى موطن قبول مالايرضى به من اوجه الاستغلال , ولا عبرة باي عقد يكون فيه احد العاقدين فى موطن الاستغلال والضعف , الربح المشروع هو الربح العادل الذى يراه اهل الاختصاص عادلا ومنصفا , من استغل حاجة اخيه وزاد ربحه فلاشرعية لما جمع من الثروات عن طريق الفساد والاحتكار, المال الذى حمع عن طريق الفساد لا حرمة له ولا شرعية , والمجتمع اولى به ممن اعتدى على حقوق المستضعفين , لا شرعية للثروات التى لم تحترم فيها الضوابط الشرعة العادلة , وكل مال حصل عليه صاحبه عن طريق غير مشروع وغير عادل فيجب ان يسترد ويعود للمجتمع الذى هو اولى به من الفاسدين , عندما تكون الاموال دولة فهذا دليل على خلل وظلم فى النظام الاقتصادى , الظلم محرم فى الاسلام ولا يباح ابدا والفساد من الظلم ولا شرعية لعمل الظالمين والمرابين ولا للمحتكرين للثروات ولو اقرهم القانون واعترف بهم , اموال الفساد تسترد مهما كان صاحبها , اما ان تكون العدالة او لا تكون وهو الخيار الوحيد للعدالة , , ما حرمه الدين فلا يكون حلالا ولو افتى به المفتون , ما اغتصب من حقوق المستضعفين فلا شرعية له , الاموال المغتصبة او التى جمعت عن غير الطريق العادل الذى لا ظلم فيه لا شرعية لها , لا سلطان لمن ملك السلطة من اصحاب النفوذ على حقوق المستضعفين ولا حق من حقوقهم  وما اعده الله لهم من الاموال التى جعلها الله لكل خلقه لكي تكون لهم رزقا يقسم بينهم بالعدل , وما تجاوز قيمة الجهد الانسانى فليس لمن اغتصبه من اصحاب النفوذ , عندما نفهم الاسلام جيدا نحترم ثوابته فى ملكية الاموال بان تكون من غير ظلم اواستغلال اواحتكار اواضرار بالاخرين ..

( الزيارات : 904 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *