نداء العودة..

أقمت بمدينة حلب ثمانية أشهر متواصلة، لم أعد العودة النهائية إليها، ولكنني كنت اسمع نداء العودة، انه لحن جميل، رائع في نبراته صادق في إشاراته، يشير إليك ويخاطبك، وتسمع همسه فلا تجيب، وتنهمر الدموع من عينيك، وأنت تدافع تلك الدعوة الملحة، وتوقف تأثيرها العاطفي عليك..

أرضك تناديك، ذكرياتك تطل عليك من النوافذ التي تحيط بك، اهلك يحدقون بك، أصدقاؤك يطوقون عنقك بالزهور، والكل يناديك باسمك المحبب إليك، بلا ألقاب بلا إضافات، اسمك كما هو وكما كان منذ الطفولة..

العودة.. كلمة أخذت موقعها في الخطاب الأسري، أصبحت تتردد صباح مساء.. الكل يرددها مؤيدا أو معارضا، ووقع الانقسام العائلي..

كنت التمس العذر لمن ينادي بالعودة، انه يبحث عن الدفء في أحضان الأسرة والانتماء الوطني كما كنت ألتمس العذر لمن يرفض العودة، وما ذنبه وقد عاش في بلد اعتبره هو الوطن ووجد فيه الدفء والانتماء، فيه أصدقاؤه وذكرياته، إنه يشعر بالغربة في وطنه الأصلي..وطنه حيث وجد نفسه…

كنت حائرا مترددا، وأنا لا ادري سرّ ذلك التدافع الأسري في مسرح صغير لا يستوعب تلك التعددية في الآراء، من سيلقي سلاحه ويستسلم لإرادة الآخرين.. من يلغي ذاته وطموحاته، في مثل هذه المواقف، لا بد من التضحية، والآباء مطالبون دوما بالتضحية، أليسوا هم الأقدر على التضحية، أليس من الأنانية أن نحمل أطفالنا إلى غير أوطانهم في مرحلة الطفولة، ثم نطالبهم أن يغادروها بعدما يجدون فيها دفء الوطن ويرسمون على جدرانها أجمل أحلامهم وذكرياتهم..

وتمضي الأيام ويزداد الحنين، وتسمع في أعماقك لحن العودة، لحن يضحكك لحظة ويبكيك أخرى، يسعدك ويشقيك …ما أروع ما تسمع وما أشد وقعه عليك..

مضت بضع سنوات وأنا حائر متردد لا ادري ما افعل، ولا اقدر على ما أريد، لا أريد لأسرتي الصغيرة أن تنقسم بعد أن كانت متماسكة، لقد كنت من قبل أكثر سعادة، كنت مستقرا، لم أكن أسمع لحن العودة يتردد في كياني، لم أكن أفكر في الغد وبعد الغد، لم يكن يخيفني ذلك...

( الزيارات : 3٬212 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *