هل تدوم الصداقة

 

 

علمتني الحياة

أنّ النظرة المثالية للصداقة نادرةٌ وغير واقعية ، وربما لا تدوم لانعدام البواعث التي تغذيها في كلّ يوم ، وهذا النوع من الصداقة هو الأفضل والأنقى ، وتمثّل الأخوّة في الله حقيقة الأخوّة الإنسانية ، وهي صداقةٌ نظيفةٌ صافيةٌ خاليةٌ من الأغراض والمصالح ، ولكن من الصعب أن نجدها إلا عند الصالحين من أهل الله الذين تولاهم الله برعايته ، ورفع مكانتهم ، فتكون صداقتهم صادقة وخالية من المصالح …

أما الصداقة الواقعية والممكنة فهي صداقة المصالح المتبادلة ، فكلّ فردٍ يصادقُ الآخر طمعاً فيما عنده ، فالأول يصادق الآخر ليحصل منه على ما يريد ، والثاني يصادق الأول ليحصل منه على ما يريد أيضاً ، وكلّ فردٍ يعطي ويأخذ ، ولا أحدَ يعطي ولا يأخذ ، فمن صادقَ الآخر بسبب جاهٍ يملكه ذلك الآخر فيجب أن يعطي للأول ما يريد منه ، فإن منعه مما يريد ، توقفت الصداقة ، ولكلّ شيءٍ ثمنٌ ، ومن أراد شيئاً فعليه أن يدفع الثمن ، فلا صداقة بغير ثمن ، فصاحب الجاه يملك الجاه ومن يحبّ الجاه يصادقه لكي يستفيد من جاهه بمصاحبته إياه ، فإن منعه من ذلك الجاه وأبعده عنه فسرعان ما ينفضّ عنه ويبتعد عن مجالسه ، ومن صادق صاحب سلطة فإنّما يريد الجاه منه والنفوذ ، ولا فائدة من صداقةٍ لا يعود أثرها على الطرفين ، وعلى الطرفين أن يدركا ما هو المطلوب منهما تجاه الآخر ، وهذا ليس عيباً إلا إذا ظهرت هذه الرغبات بطريقة مسيئة للمشاعر ، فلا أحد يعبّر عمّا في نفسه بطريقة جارحة للآخر ، فمن يصاحب الحكام لاكتساب الجاه فعليه أن يعرف ما يطلبه الحكام منه من طاعة وإخلاص وتملّق وهذا مما يحتاجه ا هل السلطة    ، وهؤلاء يحتاجون لبعض الأصدقاء لمؤانستهم في الحديث أولاً وللاستفادة منهم في الرأي ثانياً ولإشعارهم بالعظمة والتميز والقوة ثالثاً ، والأغنياء يحتاجون لأصدقاء يحقّقون لهم مصالحهم الماديّة ، ويمشون في ركابهم ، والمرأة تصادق المرأة الأخرى التي تُشعرُها بالجمال والأناقة وتمدحها في المجالس وترفع من شأنها ، وكلّ قويّ يحتاجُ لصداقة من هو أقلّ منه ليشعره بالقوة والعظمة والتميز ويضيق بمن يضنّ عليه بهذه المطالب ، وهكذا تدوم الصداقة بين قويّ وضعيف ، فالقويّ لا يعطي إلا لمن يعطيه ما يحتاجه ، ومعظم الأقوياء يحتاجون لمن يُشعرونهم بالقوة والتميز والعبقرية والذكاء ، وهذا من ضعف البشر ، والمرأة تحبّ زوجها إذا عبّر لها عن جمالها وأناقتها ، فإن تجاهل ذلك ضاقت به ، وارتاحت لمن عبر عن إعجابه بها ، وقلّما تنجح الزوجية في ظلّ زوجين يبخل كلّ منهما على الآخر بما يحتاجه من ثناءٍ وحبّ وتضحية ، فإن لم يجد الزوج في زوجته المجال الذي يشدّه فعليه أن يبحث عن خصلة أخرى في زوجته يسعدها أن يشعر زوجها بها ، كإعجابه بذكائها ولو كانت غبية وإعجابه بطعامها ولو كان سيئاً ، وهي في الوقت ذاته تمدحه بما يحبّ أن يسمعه منها ، كالطموح والذكاء وحسن التدبير والنجاح في العمل ، والابن الذكيّ البارّ يشعر والده عليه بفضله عليه في تربيته وتعليمه وتضحياته وإنجازاته وهذا مما يُسعد الأب ، والابن يحتاج لذلك ولا يحبُّ سماع النقد من أبيه وأشعاره بالتقصير والإهمال فهذا مما يبعد الابن عن الأب ، فلا تضيقوا أيها الأصدقاء بما يُطلب منكم من ثمن الصداقة ، ولا تدوم الصداقة إلا بالعطاء المتبادل ..

( الزيارات : 1٬779 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *