وانتصر العلم

اكرة الايام ..وانتصر العلم

امضيت مدة عشر سنوات من طفولتي الاولي في صحبة السيد النبهان طيب الله ثراه ، كانت هي الاجمل في حياتي ، والاكثر تأثيرا في ملامح شخصيتي فيما بعد ، كانت مدرسةً حقيقية تعلمت منها اكثر مما تعلمته من كل المدارس التي تعلمت فيها والكتب التي درستها , وكانت مرحلة تكوين تربوي وروحي ، وكنت خلال تلك الفترة اتعلم القران الكريم. والتعليم الاولي اما في مكتب قرأني علي يد. قراء متخصصين او في مدرسة ابتدائية درست فيها لمدة سنتين فقط ، وغادرتها. لمدرسة اعلي منها هي الشعبانية الشرعية التي امضيت فيها مدة ست سنوات متواصلة تعلمت فيها اهم  العلوم الشرعية. وتلقيت العلم علي يد كبار علماء حلب المشهود لهم بالعلم,  وكانوا رموز علم وتقوي. ، ودرست فيها اهم. الكتب في العلوم الشرعية والعلوم اللغوية والنحوية. والادب. والمنطق وفق المنهج التقليدي المتبع في المدارس الشرعية. ، كنا احيانا نجلس علي الارض ونسمع الدرس وفق منهج التلقين في حلقات علمية. ، لم يكن هناك حوار او مناقشة وقلما يكون محببا. ، كنا ننصت للاستاذ الذي كان يقرأ في كتاب ويشرح العبارة ، كنت اجد نفسي بين منهجين مختلفين. منهج تربوي روحي كنت اتلقاه كل يوم من السيد النبهان من خلال مجالسه واحاديثه الخاصة والعامة وبين المنهج التعليمي كما كنت أتلقاه في المدرسة. ،فى المدرسة الشرعية  ,  لم يكن منهج التلقين العلمي يعجبني وكنت اضيق به ، كنا نحفظ المادة العلمية كما هي ، ونبحث عن مراد المؤلف وفهم عبارته.  ، كنت صغير السن ولَم اكن افهم الكثير مما كنت اسمعه. ، ولكنني كنت احفظ كل ذلك كما هو في الكتاب ، اليس هو المنهج المطلوب والمعتمد. وشعرت ان لكل فترة من العمر قدرتها علي الفهم وطاقتها العقلية ، ما زلت اذكر الكثير مما تعلمته كما تعلمته ، وعندما اوشكت علي التخرج من الشعبانية الشرعية وجدت نفسي بلا اية شهادة علمية ، لا شيئ من الشهادات المعترف بها. ، سوي تلك الشهادة التي تمنحها المدرسة لخريجيها ولاتؤهل صاحبها لدخول اية جامعة ، ولا احد يعترف بها ، عندما شعرت بذلك حزنت اشد الحزن وشعرت ان الرهان قد خسر وان كل جهدي قد ضاع سدى ، شعرب بكآبة نفسية واعتزلت الناس ، واردت ان انتقل الي عالم التجارة لعلي اجد فيها ما ابحث عنه ، ما كنت فيه لم يعجبني ولَم يقنعني ، ولا اريده لنفسي. ، ليس هذا ما ابحث عنه ، ذهبت الي السيد النبهان وقلت له اريد ان اترك الدراسة واذهب الي التجارة وكنت محبطا ، لم يمانع في ذلك ما دامت هذه هي رغبتي ، كان حزينا لذلك ، وساعدني فيما اريد ، كان من طبيعته ان يحترم رغبتي.. ، كان يثق بي بغير حدود ، كان يقول لي انني مؤتمن عليك ، وسوف اكون الي جانبك فيما تختاره لنفسك ، وذهبت الي التجارة وامضيت ثلاثةاشهر في مجتمع التجارة والتجار وتعلمت الكثير , عالم مجتلف لم اعهده من قبل ، كنت اقول لنفسي بعد تلك الفترة : ما لهذا خلقت وليس هذا ما اريد رأيته املا صغيرا لا يستحق الانصراف اليه ، ضقت ذرعا بذلك المجتمع المادي. باهتماماته واحاديثه ومعاييره ، لن تقنعني . تلك الاهتمامات ، وكنت اسأل نفسي كل صباح عما كنت اجد نفسي فيه كل يوم ، كنت اقول لنفسي : ليس لاجل هذا تكون الحياة ، وكنت اقول هامسا: لا بد من هدف اسمي واعلي ، وعدت الي السيد النبهان وقلت له لم اجد نفسي في مجتمع التجارة والتجار ولا اريد هذا ، سألني : ما الذي تريده وتبحث عنه ، قلت له اريد ان اجد ذاتي وأخطط لمستقبلي ، قال لي معاتبا. : لاتقل هذا ياولدي ، المستقبل بيد الله ، كن صالحا والله يتولاك ويختار لك كما يتولى كل الصالحين ، واختيار الله. لك. افضل من اختيارك لنفسك ، وعدت الي العلم مرة ثانية بنفسية جديدة ورغبة فى التحدى لاجل المستقبل واتجهت بكل طاقتى الى العلم ، وكان السيد النبهان سعيدا. بذلك ، قال لي : اريد ان يظل النور مضيئا. في هذا البيت وانت خير من تحمل الامانة وتتابع الطريق انني اعدك لذلك. ،. كان يريدني ان اكون الثمرة لتلك الشجرة التي زرعها ، كان يحبني بغير حدود ويفخر بي في مجالسه ويشعرني بالاهتمام , كنت احب العلم واتجهت اليه بكليتي ، كان ينصت لي باهتمام عندما اتحدث اليه ، كان بالنسبة لي هو المثل الاعلي. والقدوة ، وفجأة شعرت ان الابواب التي كانت موصدة قد فتحت واحدا بعد الاخر ، ولَم اتوقع ذلك ابدا ، وكلها كانت بالاسباب الظاهرة وكان هناك  ما يوجه تلك الاسباب ويسخر القلوب لتلك الاسباب وكان فضل الله عظيما ورعايته واضحة في مسيرتي العلمية ، شيئ ما قد تغير في حياتي ، لا ادري ما الذي تغير وفتحت الابواب.  ،على غير توقع ,  دخلت الجامعة بعد عام واحد بعد امتحان. نجحت فيه وكنت الاول في دراستي الجامعية ، كل الابواب التي كانت مغلقة قد فتحت فجأة وتيسرت اسبابها ، وحملت اكبر الشهادات بسرعة ، ووجدت نفسي في دمشق والقاهرة مع اساتذتي نتسابق علي المقاعد الامامية كطالب اولا وكاستاذ ثانيا ، كنت اشعر برعاية الهية وتوفيق. لا حدود له ، كانت الامور ميسرة ولَم يكن ذلك بجهدي الشخصي واعترف بذلك ، كنت اشعر ان هناك من يخطط لي ويفتح الطريق ويعبده لم اشعر باية عقبة. وكنت مندفعا بغير توقف ، عندما كان يغلق اي طريق كان يفتح ما هو افضل منه ، وما اغلق كان من الحكمة لكي يكون الانتقال نحو الباب الاوسع الذي. يليه والذي يحمل الخير في رحلة الحياة ، كانت تلك الحقبة من حياتي غنية باحداثها ، كل ذلك كان يشعرني بضعف الانسان وقلةً حيلته امام ما هو مقدر له ان يكون ، كنت اجد الحكمة الالهية فيما يختاره الله وحكمة التدبير ، اعترف بالضعف الانساني ، ما احوجنا الي ذلك اليقين الداخلي. الذي يقودنا الي الله ، ذلك الدرس الذي تعلمته في الطفولة كان هو الدرس الاهم فيما بعد ، لم أتعلمه من الكتب ولا من التعليم ، وانما من الحياة نفسها كما عشتها. ، كنت فيما بعد عندما. اوقع شهادة دكتوراه لاحد طلابي اتوقف قليلا.في لحظة تأمل عميقة لكي استعيد ذلك اليَوم. الذي كنت ابحث فيه عن تلك الشهادة الابتدائية فلا اجدها ، وقد اعتدت.ان ازو د طلابي بالامل في كل حين لكي يكونوا. اكبر ، كنت قريبا من كل طلابي ، وافهم ما يعانون. والتمس العذر لهم وهم يفرحون بالنجاح وكنت افرح لهم ، ما زلت اذكر الكثير من الكلمات المشجعة التي سمعتها في المرحلة المبكرة في حياتي ممن كانوا يشجعونني ويمنحونني الامل ، كنت اؤمن بالاسباب الظاهرة ، وكنت اردد في مجالسي الخاصة وفيما اكتبه الا شيئ خارج الاسباب لكي تقام الحجة علي الانسان فيما هو مقدر عليه ، وفِي نفس الوقت اؤكد من خلال تجربتي الذاتية الا شيئ بالاسباب ، فهناك سر التدبير الكامن في. ذلك التسخير الذي اراده الله لكي تتحقق به تلك الاسباب ، والله غالب علي امره

( الزيارات : 504 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *