اقتصاد لا ظلم فيه

ذاكرة الايام..اقتصاد لا ظلم فيه

كنت شديد الاهتمام بما كنت اعتبره ضروريا لحياة الافراد والمجتمعات , وهو الاقتصاد الاسلامى ونظام الحكم , وكانت اهم محاضراتى وكتاباتى عن هذين الموضوعين , اول محاضرة لى فى الرياض كانت عن الاقتصاد الاسلامى , واول درس لى فى الدروس الحسنية امام الملك  كانت عن الاقتصاد الاسلامى , كنت شديد الحماس والايمان بما كنت اتكلم فيه , واكتشفت مع الايام ان المهم ليس الشعارات والمصطلحات , وانما المهم هو تحديد المفاهيم من منطلق فهم رسالة الدين وما يريده الله من عباده , وان نستمد فهمنا من مجموع المقاصد التى ارادها الدين , وان يكون مصدرنا الاهم هوعصر النبوة ومفاهيم ذلك العصر  , تراث الاجيال يعبر عن جهد العقول من خلال حاجة تلك المجتمعات , جهد العقول متأثر بما كان قائما فى عصره  , كل المفاهيم متأثرة بمجتمعها الذى انتجها , كانت هناك محاولات لترميم الواقع ولم يكن هناك جهد لتأسيس فكر اصيل يعبر حصوصية الرسالة الالهية فى دفاعها عن حقوق الانسان وكرامته وحريته , وتضمن تراثنا كثيرا من المفاهيم تتناقض مع كرامة الانسان كما اقرها القرآن , هناك صفحات فى تاريخنا لم تكن اسلامية المنطلق واخلاقية المقاصد , ذلك التغالب على الحكم  والتعصب القبلى والقومي وظاهرة العبودية والطبقية الاجتماعية لم تكن تنسجم مع ثوابت الدين ومقاصده , هناك واقع اجتماعى فرض نفسه وهو يتناقض مع ثوابت الدين المتعلقة بالحقوق  وكرامة الانسان , كان المجتمع ينكر صورة واحدة من صور التعامل الربوى وهو القرض الربوى  ويتجاهل انواعا من المعاملات الفاسدة والاحتكارات واغتصاب الحقوق والاقطاع الظالم والربح الفاحش واستغلال حاجة المستضعفين ,وكان كل ذلك من المباحات لانها ليست ربوية ,  كنت اجد الكثير من المظالم فى المبايعات والعقود والمعاملات  , لقد نهى الاسلام ان تكون الاموال دولة بين الاغنياء وحرم كل انواع المعاملات التى يستغل القوي الضعيف , كنت اجد فى الاسلام  صورة المجتمع المتكافل المتناصر المؤتمن على الخير والمنكر للظلم والطغيان وعبودية الانسان , لا احد هو افضل عند الله الا بعمله الصالح , الدين رسالة الهية وليس مطية للطامحين والطامعين والمفسدين والعابثين بمفاهيم الدين  وفق اهوائهم , المال هو مال الله وهو لكل الخلق ولا احد يغتصب ما كان رزقا لكل الاخرين مما فى الطبيعة وهو مسخر للانسان , لا احد ينفرد الا بما هو قيمة جهده , وهو حق له وهو الذي يورث عنه , اما مالاجهد فيه فهو لكل الخلق يأخذ كل فرد حاجته منه ولا يحمل معه شيئا , ماكان لله  فهو  لكل خلقه,  وملكية الله  تخترق كل الاسوار الجغرافية لتشمل الاسرة الكونية الواحدة , ثروات البحر والارض والفضاء واعماق الارض وكل الطاقات هي حق لكل الناس  , لا احد ينفرد بها او يستهلكها وهي لكل الاجيال وكل جيل يأخذ منها حاجته  من غير اسراف , الارض لمن يحرثها ويعمل فيها , والارض الموات هي الارض المهملة وهي لمن احياها بالزراعة , لا ملكية فى الارض الزراعية لانها من رزق الله وهي لمن يعمل فيها , وهي كمياه الانهار والابار وكنور البحار وكل الطاقات الشمسية والنفطية , لا احد يتفرد بملكيتها واحتكارها ومنع الاخرين منها , الاجر العادل لا يقل عن حاجة عامله , والربح العادل لا يتجاوز قيمة الجهد , وكل زيادة فى الاموال بجهد المجتمع فالمجتمع اولى بها , والنقد لا يلد النقد الا اذا رافقه العمل ,  , الكسب هو ثمرة للعمل وهو قيمته , القادر يحمل العاجز والكبير يتولى امر الصغير , وفضول الاموال لمن يحتاجها , ومال الفساد يسترد من الفاسدين  , وكل زيادة غير مشروعة فى المال فهي من الربا المحرم , انظمة المال اذا ظلمت او احتكرت او استغلت او اغتصبت حقا او ادت لظلم اجتماعى  وافقار للفقير وزيادة غنى الغني فلا شرعية لها وهي تخالف ثوابت الدين الذى يدعو الى العدالة واحترام الحقوق والرحمة بالمستضعفين , الثروات الفاحشة هي ثمرة لا نظمة فاسدة واحتكار لمطالب المستضعفين , ما حرمه الدين لا يمكن ان يكون مبررا ومقبولا , المال مال الله والناس مستخلفون فيه , فلا تجاوز فى الانفاق ولا ظلم فى الاسنثمار ولا ملكية لما لا شرعية له , فمن استثمر ماله فيما حرمه الله عليه فلا شرعية لماله ولا حرمة له ولا يقع توارثه عنه , وهو مردود للجماعة وهم احق به , من لم يحترم القيود والحقوق فى الملكيات فلا شرعية لتلك الملكيات , ولا تنتقل ملكية موروث الا بعد التاكد من شرعية الملك وابراء الذمة من كل الحقوق المترتبة فى ذمته , نريد اقتصادا اسلاميا يعبر عن اخلاقية الاسلام وقيمه الروحية , اسلام المترفين وقساة القلوب والمحتكرين والمغتصبين لحقوق المستضعفين ليس اسلاما , النظام الاسلامى لا يحتاج ان يسمى باسم الاسلام فالتسميات لا قيمة لها , اذا انتفت العدالة والرحمة وقيم الخير وتاكد الظلم والاستغلال والاحتكار فالنظام لا ينسب الى الاسلام , مالا يرضاه الله لعباده فلا يمكن ان يكون من الاسلام..  

( الزيارات : 618 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *