ابرز رحلات السيد النبهان واسفاره

كان الشيخ يستخدم لفظة السفر والرحلة في مذاكرته بمعنى خاص غير المعنى اللغوي وهو يريد السفر إلى الله والرحلة إليه جل جلاله، والسفر إلى الله هو الارتقاء من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، ومن عالم الأرض الحسي المشاهد والمحدود إلى ملكوت الله.

والمراد بالسفر هو الانتقال من مكان إلى آخر، إمَّا لطلب العلم أو للبحث عن المال أو للتعرف على بلاد جديدة بقصد المتعة والبهجة، وأحياناً يكون السفر للدعوة أو أداء مناسك العمرة والحج.

والسفر لابدَّ فيه من القدرة على مخالطة الآخرين، ويكشف في السفر عن أخلاق الرجال، ولابد فيه من الرفقة الصالحة، والرفيق قبل الطريق.

تحدثه عن آداب السفر:

وكان الشيخ يتحدَّث عن آداب السفر وأهم هذه الآداب ما يلي:

ـ أن يكون السفر في طاعة الله تعالى، لطلب علم أو لزيارة صديق، أو لدعوة أو حج في سبيل الله، والنية هي التي تحدد نوعية السفر، إن كان مندوباً إليه أو مباحاً أو واجباً أو محرَّماً.

ـ اختيار الرفقة الصالحة التي تعين على مشقة الطريق، والرفقة الصالحة ضرورية في السفر والحضر.

ـ اختيار الوقت الملائم للسفر، لكيلا تفوته صلاة الجمعة، ولم يكن يحب السفر في يوم الجمعة، ويختار أياماً معينة لسفره.

ومن عادة الشيخ أن يوَدع أصحابه عند السفر بالدعاء لهم بأن يتولاهم الله بالحفظ، وأحياناً يؤذن عند وداع مسافر عن أهله، وكان يوصي من يودعه بتقوى الله ورعاية حقوقه عليه، ويقول بأن الصديق لا يعرف إلا عند السفر، فالسفر يُسفِر عن أخلاق الرجال.

وأهم أسفاره ورحلاته ما يلي:

أولاً: رحلات داخل سوريا:

وكان يحب السفر، ويُعِدُّ له عدته، ويرافقه عدد من إخوانه في رحلاته، وقد رافقته في عدد من رحلاته الداخلية إلى مدن الساحل اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس وإلى دمشق وحمص، وإلى مدينة القنيطرة وحمَّامات الحمَّة المشهورة على نهر الأردن.. زار ضريح إبراهيم بن أدهم في جبلة ومقام السيدة زينب وضريح الشيخ محي الدين بن عربي في دمشق، وكان يأنس بزيارة الصالحين، والتصدُّق على من يقوم بخدمتهم، والتلطف معهم، ولما زار دمشق زار ضريح مولاي خالد النقشبندي في حي المهاجرين، وأقام فيه لمدة ثلاثة أيام برفقة عدد من إخوانه، وكان سعيداً بذلك واختار هذه الإقامة على أي مكان آخر، ولم يكن يأنس بالفنادق الفاخرة والإقامات اـريحة، وـتار الأماكن التي يشعر بالأنس فيها، وكثيراً ما كان في حلب يختار زيارة جامع الصالحين في الجهة الجنوبية من المدينة ويقضي مع إخوانه يوماً كاملاً فيه، وكان يلتزم بكل الآداب الشرعية في زيارته لأضرحة الصالحين، يقف بعيداً عن الضريح لا يلمسه بيده، يقرأ الفاتحة بصوت هامس، ويدعو الله تعالى، ثم يغادر اـكان، ويدعو أصحابه للالتزام بالضوابط والآداب الشرعية من غير تجاوز لها.

وفي دمشق كان يزور أصدقاءه من علماء دمشق من أمثال السيد مكي الكتَّاني أو يزورونه في مقر إقامته كما يزور الصالحين، ولم يزر سياسياً أو صاحب مال وزعامة في داره أو مكتبه أبداً.

وحضر في دمشق اجتماعات العلماء التي كانت تعقد في فترة الخمسينات في دار السيد مكي الكتَّاني غالباً، وكان يحظى باحترام علماء دمشق ويثقون بحكمته وسداد رأيه، وأحياناً كان يتوسَّط للتقريب بين الأطراف المختلفة. ويقول: «قوة العلماء في وحدتهم».

وفي أيام الوحدة مع مصر وقع خلاف كبير بين علماء دمشق ووزير الأوقاف يوسف مزاحم الذي كان من المحبين للشيخ بشأن قانون الأوقاف، وتطور الخلاف إلى درجة كبيرة، وذهب الشيخ إلى دمشق بطلب من الطرفين، وجمعهما في لقاء خاص، واستمع كل من الطرفين إلى حجة الآخر، إلى أن وقع التفاهم وزال سوء الفهم المتبادل.

وكان يرافقه في معظم هذه الرحلات الداخلية عدد من إخوانه، منهم الشيخ محمد الشامي والحاج محمود مهاوش وأبو عمر الدباغ وفوزي شمسي والشيخ أديب حسُّون ومحمود الناشد وأحمد الصغير وجاسم الفياض.

ثانيـاً: رحلات تركيـا ولبنـان:

سافر الشيخ عدة مرات إلى لبنان، بيروت وطرابلس وبعلبك، وأمضى مرة مدة شهر في مدينة «سير» اللبنانية الصغيرة الواقعة بقرب طرابلس، والتقى بعدد كبير من إخوانه في لبنان، وكان يرافقه في «سير» كل من فوزي شمسي وأبي عمر دباغ وأحمد الصغير، أما في زيارته إلى بيروت فكان يرافقه الحاج محمود مهاوش العراقي ومحمود الناشد وفوزي شمسي، وأمضى بضعة أيام في مدينة «حمَّانا» وزار مدينة بعلبك بآثارها التاريخية.

وزار تركيا عدة مرات، وأمضى عدة أيام في مدينة أستانبول وكان الحاج عمر الططري يتولَّى مهمة شرح المعالم الإسلامية في هذه المدينة نظراً لصلاته الأسرية بتركيا، وكان يشيد بالروح الإسلامية لدى الشعب التركي وبعظمة تاريخ الإسلام في تلك البلاد، كما زار مدينة انطاكية والاسكندرون وتركت هذه الزيارة في نفسه أطيب الأثر، لما وجده لدى الأتراك من تعلق صادق بالإسلام وتمسك بالقيم السلوكية الإسلامية واعتزاز واضح بالعلماء وإقامة مجالس الذكر وتمسك بآداب الشريعة.

زيارة القدس:

زار الشيخ مدينة القدس عام 1954 عقب المؤتمر الإسلامي الكبير الذي عقد في دمشق، وحضرته شخصيات إسلامية كبيرة، وبعد المؤتمر زار المشاركون في المؤتمر مدينة عمّان وكانت ما زالت صغيرة، ثم زار القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكانت هذه الزيارة من الزيارات التاريخية التي كان يذكرها، والتقى أثناء هذه الزيارة بشخصيات إسلامية كبيرة من أمثال أبي الحسن الندوي وأبي الأعلى المودودي، وكبار علماء دمشق والأردن ومصر والعراق وفي طريق عودته زار المخيَّمات الفلسطينية وبعض المؤسسات التي تضم الأطفال اليتامى من أبناء الشهداء، وكان شديد التأثر لما رآه من مآس إنسانية يعاني منها الشعب الفلسطيني المطرود من دياره، وانهمرت الدموع من عينيه وهو يسمع مآسي المذابح التي قام بها الجيش الإسرائيلي ويرى آثار النكبة على وجوه الفلسطينيين.

( الزيارات : 1٬254 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *