احزان الكلتاوية

أحزان الكتاويّـة:

وقف إخوان الشيخ في كل زاوية من زوايا الكلتاويّة ينتحبون ويبكون، إنهم لا يبكون لموت الشيخ، فالشيخ في رحاب من يحب، لم يأنس بالدنيا يوماً لكي يحزن لفراقها، ولم يتعلق بها يوماً لكي يحبها ويمسك بها، وإنما كانوا يبكون مجالس تربية وتكوين كانوا يأنسون بها، ويبكون وحدة كانت تجمعهم، وقلباً رحيماً كان يتسع لهم، وأباً حنوناً عطوفاً كان يحبهم، وكيف لا يحزنون وهم يفتقدون من كان يرعاهم ويضمهم إلى صدره ويمسح دموعهم إذا حزنوا وتألموا.

لم تفتقده أسرته الصغرى، وإنما افتقدته أسرته الكبرى الممتدة في كل الأحياء، في حلب وفي الريف وفي بغداد والفلوجه وعشرات المدن والقرى.. كلهم أحسوا باليتم والوحدة والضياع..

رحل الشيخ وبقيت ذكريات أيَّامه حيَّة في أعماق النفوس، يتناقلها إخوانه، ويلقِّنونها لأطفالهم وأحفادهم الذين لم يَرَوا الشيخ، وإنما رأوا ملامحه من خلال ما سمعوه من آبائهم وأمَّهاتهم وذويهم.

خرجت حلب تشيّع الشيخ من الكلتاويّة إلى الكلتاويّة، من غرفته التي كان يجلس فيها ويستقبل فيها إخوانه إلى غرفته التي ضمَّت جسده في أحشائها، وكأنَّه طفل تأبى أمه أن تتخلَّى عنه، فتُمسِكُ به، وتضمُّه إلى صدرها في عناق أبديَ لا يتوقَّف.

جاءت الوفود من كل مكان، تشارك في تشييع الشيخ، وتُشيد بما شاد من شواهق الأعمال وروائع الرجال، ولم يترك الشيخ كتاباً يحمل أفكاره، وإنَّما ترك رجالاً يذكُرون آثاره، ولم يترك داراً للسكن، وإنَّما ترك داراً للعلم تضيء الليل بمصابيح الدعوة والفكر والثقافة.

عاشت الكلتاويّـة ثلاثة أيام وهي غائبة عن الوعي، لا يصدِّق أحدٌ أنَّ الشيخ قد رحل إلى الرفيق الأعلى، في رحلته الأبديَّة، من عالم الكثافة إلى عالم اللطافة كما كان يسميِّه، ومن ظلام الحجب البشرية إلى عالم النور والضياء.

( الزيارات : 1٬475 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *