اشجار لا تقتلعها العواصف

ذكريات عاصفة ..
مازلت اذكر منذ سنوات بعيدة ذلك اليوم الذى كنت ارقب فيه من نافذة غرفتى تلك العاصفة الصاخبة المرعبة التى هاجمت المدينة التى كنا نقضى ايامنا فيها فى فصل الصيف وكانت محاطة بالجبال والوديان ..
لم ار عاصفة مرعبة غاضبة كما رايتها فى ذلك اليوم ..توقفت الحياة فى المدينة كلها , واغلق الناس ابواب بيوتهم خائفين وجلين يرقبون ما يجرى امامهم من نوافذهم المطلة على تلك الغابة المكتظة بالاشجار والاغصان والثمار , كانت العاصفة اقوى من كل الاشجار التى كانت تتمايل يمينا ويسارا وتقاوم ما استطاعت المقاومة بجذورلا تلبث ان تقتلعها العاصفة , ثم تسقط ممزقة الاشلاء حزينة مستسلمة , ما اقسى ما كنت اشعر به من قسوة الطبيعة على الحياة حيث كانت الحياة ولوكانت اشجارا ..
استوقفتنى شجرة كبيرة ذات جذور راسخة فى اعماق الارض كانت تقاوم بضراوة هجمة العاصفة وعنفها , وكنت اتو قع انها ستسقط لا محالة كما سقطت كل الاشجار , كانت اغصان تلك الشجرة تتناثر وتتطاير فى الفضاء ثم تسقط على الارض حتى اصبحت الشجرة جرداء عارية , وصمدت بسبب جذورها القوية فى اعماق الارض , ولم يبق منها سوى ذلك الجذر الممتد الذى كان اقوى من العاصفة رسوخا وعنادا ..انتهت العاصفة وخلفت وراءها دمارا وخرابا وبقايا حياة من جذوردفينة كانت راسخة فى اعماق الارض , ولم يتوقع اي احد ان الحياة ستعود الى تلك الغابة بعد تلك العاصفة .. ومرت سنوات وعدت الى تلك المدينة وبحثت عن الغابة المنكوبة , وفوجئت بروعة فى تلك الغابة ما كنت اظن اننى ساراها , كانت الغاية هي الاجمل من كل الغابات , كانت باسمة الملامح وكانها لبست ثوبا جميلا من الروعة والبهاء , وكل مافيها كان يورق ويثمرويبتسم , وكان العاصفة قد رسخت تلك الجذور وامدتها بارادة التحدى فعادت الحياة باجمل مما كانت عليه ..
ما ا روع الانسان وهو يقاوم ويتحدى العواصف حيث كانت , ما اشد حاجة الانسان الى جذور تمتد فى اعماق الارض لكي تنبت من جديد بعد كل عاصفة , ولا حدود لقدرات الانسان على مقاومة التحديات دفاعا عن الحياة التى تكفل الله تعالى بحمايتها وجعل الانسان مؤتمنا عليها لكي يعمر الارض بجهده وعمله وثقته برعاية الله له ..

( الزيارات : 997 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *