الاجتهاد والنظر العقلى

الاجتهاد هو النظر العقليّ للبحث عن الحقيقة ، وهو منهج العقلاء ، وقد خلق الله العقل لكي يكون أداة الإنسان للمعرفة ، والعقل هو أداة للإنسان وهو الوسيلة الوحيدة للمعرفة العقلية ، والحقيقة ليست واحدة ، وتختلف باختلاف الرؤية ، والرؤية مرتبطةٌ بقدراتٍ عقليةٍ متفاوتةٍ ومكوناتٍ للعقل مختلفةٍ ، ويُكلّف الإنسان أن يُعبر عن رأيه كما يراه هو ، لا كما يراه الآخر ، ومن الطبيعيّ أن تتعدد الآراء وتختلف وأحياناً تتباعد ، وما يراه الإنسان هو الحق بالنسبة إليه ، وعليه أن يلتزم بما يراه ولا يجوز له التقليد فيما يقدر على فهمه ، ومن جهل أمراً جاز له تقليد من هو أقدر منه على معرفة ذلك الشيء ، ولا تقليد مع إمكان النظر والمعرفة..

ولا يجوز لمبصر أن يُغمض عينيه ويعتمد على رؤية غيره ، ولا يجوز لسامعٍ أن يسد أذنيه ويثق بما يسمعه من الآخر ، ولا يقتصر الاجتهاد على القضايا الشرعية ، بل يَشمل كلّ ما يدخل ضمن النظر العقلي ، وكلّ من التبس عليه الأمر فعليه أن يجتهد للبحث عن الطريق الصحيح ، ولا يجوز لأحد ان يُلغي رأيه ، أو يمشي على غير هدى ، وكلّ من يعلم عليه أن يجتهد فيما يعلم به ، لكي يبحث عن الأفضل ، والاجتهاد الفقهي أهم هذه الاجتهادات وأكثرها دقة ، لأنه يحتاج إلى معرفة كلّ ما يتعلق بالنصوص والمقاصد والمصالح ، وأهم ما يجب أن يبحث عنه المجتهد هو تحقيق المقاصد الشرعية ، ولا تنفصل المقاصد عن المصالح , وغاية المقاصد تحقيق المصالح ، فالشريعة جاءت لتحقيق مصالح الخلق ، فما ثبت ضرره فليس من الشريعة في شيء ، ولا يمكن لحكم شرعي أن يُقرّ ظلماً أو عدواناً أو يُبرّر أمراً يتنافى مع أهداف الدين في تحقيق العدل في المجتمع..

وكلّ ما يتوصل إليه المجتهد من رأيٍ فيجب أن يكون في موطن الاعتبار ، لأنه جُهد مشكور للبحث عن الحق والمصلحة الاجتماعية ، ويجب أن يُحترَم الفكر حيث كان ، مادامت وسائل الاستنباط سليمة ، ولا يحجر على العلماء والمفكرين والباحثين ، ماداموا يملكون القدرة على البحث والنظر العقلي ، ويُحجر على الجهلة إذا تخطوا حدود النظر السليم ، ولا اجتهاد لجاهل فيما يجهله ، وفي الاجتهاد الفقهي لابد من التقوى والاستقامة والخوف من الله ، لأن أمور الدين يجب البحث فيها عن إرادة الله ومُراعاة المقاصد الشرعية ، والخطأ في الاجتهاد الفقهي مقبول بشرط أن يكون المجتهد من أهل العلم والتُقى والصلاح ، لكي تقع الثقة باجتهاداته ، فمن اجتهد في أمر من أمور الدين لإرضاء احد اولتحقيق مصلحةٍ شخصيةٍ فلا يُعتد بهذه الفتوى ولا بهذا الاجتهاد ، ولو كان المجتهد من أهل العلم والمعرفة ، ولا يُقبل التقليد من أهل العلم ، ومن اطّلع على الدليل وجب عليه العمل بالدليل ، والاجتهاد يُلزم صاحبه ولا يلزم الآخر ، ولو وجد وليّ الأمر أن المصلحة العامة تستلزم الأخذ برأي ما في أمر من أمور الناس وجب العمل به مراعاةً للمصلحة المرجوة.

( الزيارات : 1٬322 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *