الاحكام الشرعية ومراعاة المصالح

هناك أحكام شرعية بنيت على المصالح الاجتماعية , فلا يمكن إباحة ما هو ضار بالنسبة للإنسان أو المجتمع , ونجد هذا في كثيرٍ من الأحكام  الفقهية , فما ثبت ضرره فهو حرام وما ثبت نفعه فالإسلام حضّ على فعله , فقد حرم الخمر لثبوت ضرره على الصحة أولاً ولآثاره السلوكية , ويحرم كلّ طعام أو نبات يضرّ بالصّحة كالمخدرات والتدخين وكلّ ما يضرّ الصحة العامة , وحرّم الإسلام الربا والاحتكار والغش والمضاربات الظالمة والرشوة وكلّ المبايعات الفاسدة ، حمايةً للمصالح الاجتماعية , وشجّع الإسلام العمل ورفع من مكانة العامل والفلاح لكي ينصرف كلّ إنسان للعمل ولا يعتمد أحد على غيره , وأباح الطلاق وتعدد الزوجات وأقرّ حقوق كلّ من الزوجين وحقوق الأطفال لتنظيم شؤون الأسرة , ويجب أن تراعى المصلحة الاجتماعية في تطبيق كلّ حكم من الأحكام , وتراعى هذه المصلحة في تفسير هذه الأحكام وبما يحقق الأهداف المرجوة منها ، والإباحة مشروطة بالأهداف المرجوة من تشريع الأحكام ، فالطلاق التعسفي والتعدد الذي لا مبرر له ، مخالفٌ للمصلحة المرجوة من الإباحة ، ومن طلّق زوجته سفهاً منه فيجب أن يُؤدَّب بطريقة رادعة ، وما شرعت الأحكام لكي يعبث السفهاء بها ، وإنما شُرعَت لتحقيق مصلحة مشروعة ، وما وقع التمييز بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق إلا لتحقيق مصلحة اجتماعية كما هو الشأن في الإرث والولاية العامة والولاية في الزواج واشتراط المحرم في الأسفار ووجوب العدة لاستبراء الرحم ، ويجب تطبيق الأحكام الشرعية في ضوء أهدافها الأخلاقية والاجتماعية ، ولا يطبق أيّ حكم بطريقة منافية للمصلحة المرجوة ، ولا يحتج بالإسلام لإقرار ظلم اجتماعي أو حرمان صاحب حقٍّ من حقه ، ويفسر النّص الشرعي في إطار أهدافه في تحقيق المصالح العادلة ، ومقاومة الظلم في المعاملات والفساد في السلوكيات ، والشريعة لا تنحاز لرجل ضدّ امرأة ، ولا لقوي ضد ضعيف ولا لحاكم ضد محكوم ، ولا لطبقة اجتماعية أو جماعة أو قومية ، وإنما تضع الأحكام وفقاً  لمعايير العدالة والمصلحة ، وإذا بدا لنا أن هناك أحكاماً تخصّ البعض بحقوق كاشتراط النسب القرشي في الخليفة ، فهذا الحكم إذا صحّ دليله فغايته اختيار خليفة يملك العصبية التي تمكنه من الحكم ، وليس لمزية لقريش على غيرها ، وإذا اقتضت المصلحة اختيار خليفة من غير قريش وجب الأخذ بالمصلحة ولا أحد أحق بالحكم من الآخر بسبب نسبه ، وكلّ أمة تختار من أبنائها من يحكمها ومن تثق به .

( الزيارات : 1٬411 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *