الاشتراكية والشيوعية

   تختلف الاشتراكية عن الشيوعية ، فالاشتراكية فكرة إصلاحية في أساسها ، وغايتها تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الالتزام ببعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تساعد الطبقة الفقيرة على توفير أسباب الحياة الكريمة وتمكينها من الحصول على حقوقها .

          أما الشيوعية فهي حركة اجتماعية ذات طبيعة طبقية ، وهي حركة جامدة ذات أيدلوجية ماديّة ، تؤمن بالعنف والثورة ، وتحارب الأديان والقيم التي تتنافى مع هذه الأيدلوجية ، وهذه التجربة التي قدمتها الدول الشيوعية كانت معبرة عن حقيقة الفكر الشيوعي ، كبديلٍ سياسيٍ واقتصاديٍ واجتماعيٍ للمجتمع المعاصر ، وبموجب هذا النظام يلغى الفرد كلّياً ولا يُعترف له بأيّ حق إنساني ، وتعطى القداسة للدولة والسلطة ، فهي التي تملك كلّ شيء ، تملك المواطن وتملك المال والأراضي والتوجيه والثقافة ، ولا حريّة لمواطن ولا حقّ له في الحياة أن أرادت الدولة أن تسلبه هذا الحق ، وما يملكه هو ما تمنحه إياه الدولة من طعام ولباس وسكن وعمل ، فهي تقوده وتوجهه وتتحكم فيه ، ويجب عليه أن يرضخ لواقعه ، فلا يطالب بحريّة أو كرامة ولا يملك أيّ شيء ، فهو مملوك للسلطة ، ومهمته أن يصفق لها ، وهي تضعه حيث تشاء ، ويجب عليه أن يؤمن بما تمليه عليه من أفكار ، وأن يكفر بما تكفر به ، وفي ظلّ هذا النظام تكبر الدولة ويصغر المواطن إلى درجة يصبح معها كآلة تُغْذَى بالوقود وتعيش صامتة منتجة إلى أن تستهلك ..

لم تكن التجربة الشيوعية مشجعة أو ناجحة كما رأيناها في الدول التي تبنت هذا النظام ، قويت الدولة من الخارج بسلاحها وبالدول الشيوعية التي خضعت للدولة الأم ، ولكنها فشلت في اقتصادها وفي إنتاجها وفي ثقافتها ، كان السلاح الروسي متفوقاً في الطيران والصواريخ والأسلحة الثقيلة ولم نجد إنتاجاً من البلاد الشيوعية في الأسواق ، ما عدا الصين ، وكانت سمعة هذا الإنتاج أقلّ مما كان يجب أن يكون عليه ، وفشلت التجربة الشيوعية وانهارت الدولة فجأة وسقطت الأنظمة الشيوعية كأوراق الشجر في فصل الخريف ، وانكشفت أسرار هذه التجربة التي عاشتها شعوب هذه الدول من تخلف وفقر واضطهاد وخوف وفساد وانحلال وضياع وعزلة في ظلِّ أنظمة استبدادية ظالمة وحاقدة ومتخلفة ، ولا أظن أن أحد يحنُّ إلى تلك الأيام السوداء ..

       واستعادت تلك الشعوب وعيها وحريتها ووجودها بعد ليلٍ طويلٍ ، غابت فيه الشمس طويلاً ، في ظلّ وهمٍ كبير ، فالنظام الذي يبنى على الحقد لا يدوم ، والشعب الخائف المستذل لا ينتج ولا يبدع ، وحمل العمال والفلاحون راية الثورة على هذه النظم المتسلطة دفاعاً عن الحرية ، ولا دوام لسلطة لا تستمد شرعيتها من إرادة الأمة ، لقد طويت صفحة هذه التجربة كما طويت صفحات التجارب الفاشلة في الماضي, وكلّ تجربة بشرية لا تحترم كرامة الإنسان محكوم عليها بالفشل ، فالتاريخ لا يسجل إلا ما كان جديرا ًبالفخر والاعتزاز .

( الزيارات : 1٬184 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *