الاشعرية والمعتزلة..

كلمات مضيئة .. الاشعرية والمعتزلة

حظيت قضية العقل باهتمام المفكرين والعلماء فى تاريخ الحضارات والدول والثقافات , ومازالت حتى اليوم , تتبعت كل المدارس العقلية الكلامية والفلسفية , ولاحظت ان كل مدرسة متاثرة بعصرها ومجتمعها , وهي تزدهر عندما يراد لها ان تزدهر وتتراجع عندما يراد لها ان تتراجع ,  لا يمكننا ان نتجاهل عوامل الازدهار وعوامل الجمود , وهي تعبر عن واقع تعيشه , اهم مدرسة عقلية فى تاريخ الحضارة الاسلامية هي حركة المعتزلة وكانت تعبر عن ذلك المنهج العقلانى فى مواجهة مجتمع كان يريد الغاء العقل او الاستخفاف به , وفى معظم الاحيان كانت بداية الاتجاهات العقلية هي للتعبير عن رفض الواقع ومحاولة التعبير عنه اما برفض الاسس التى يعتمد عليه كما هو الشان فى نشاة الخوارج كتنظيم مقاوم للنظام السياسي او باعتزال ذلك المجتمع بكل ما فيه كما هو الشان فى الحركة الصوفية , كانت حركة الخوارج هي الحركة السياسية الاولى التى واجهت النظام السياسي بمقاومة مسلحة عن طريق العنف , ثم تطورت هذه الظاهرة الى حركة فكرية ذات تاثير فى مجتمعها , وكانت المعتزلة هي حركة نخبوية كانت تحضر مجالس الصوفى الزاهد الحسن البصرى فى البصرة فى اوائل القرن الثانى , ولما اختلفت معه فى منهجيته فى كثير من الاراء حول الجبر والقدر والعدالة  ومفهوم الكبائر ودور العقل كمنطلق للفهم اعتزلت مجلسه وسميت بالمعتزلة , وكان من ابرز رجالها واصل بن عطاء , وبسبب اعتزالها سميت بالمعتزلة , ومن ابرز من تاثروا بافكارها المذهب الاباضى والمذهب الزيدى , وفى عصر الخليفة العباسي المامون فى اواخر القرن الثانى ازدهر المذهب الاعتزالى وكان المامون قد تاثر بفكر الاعتزال ومنهجيته عندما كان يعيش فى خراسان , فى مواجهة المنهج السلفى الذى كان يمثله الامام احمد بن حنبل , وكانت المشكلة التى شغلت المجتمع هي قضىة خلق القران التى تبناها المأمون وامتحن الامام احمد بسببها , كان الامام احمد فقيها ومحدثا وقد اخذ فقهه عن الشافعى  الذى وضع اصول مذهبه الفقهي متاثرا باراء محمد بن الحسن الشيبانى صاحب ابى حنيفة وهو المالكى الاصل والتكوين , واستطاع ان يضع كتابه الاول الرسالة كاول كتاب فى علم اصول الفقه , قضية خلق القران ليست قضية فقهية وليست قضية حديثية , وانما هي قضة ترتبط اصول العقيدة , وهي قضية فلسفية , وهي هل القرأن قديم كقدم الله ام انه حادث مخلوق , قضية جدلية لا مبرر لها واعتبر الامام احمد انه لا مبرر للخوض فيها وان الخوض فيها يؤدى الى الضلال , وتلك من القضايا التى اختص الله بها , كانت الحركة العلمية قد ازدهرت فى عصر المأمون وبتشجيع منه كما ازدهرت حركة الترجمة من الفارسية واليونانية والهندية الى العربية , وكذلك  ازدهرت المناظرات العلمية بين العلماء , واستمر حكم المامون عشرين سنة كانت بغداد عاصمة العلم والعلماء , وكانت هذه الفترة هي العصر الذهبى الذى ازدهرت فيه افكار المعتزلة , ومن طبيعة الدولة انها تشجع الفكر الذى ترى فيه مصلحتها فيه وتضطهد كل فكر يخالفه وقد تضطهد علماءه , كل دولة ترى الحق فيما تراه ملا ئما لها , والعلماء هم الواجهة الاولى فاما ان يكونوا فى القمة وزراء وقضاة ومستشارين واما ان يكونوا خونة ومارقين ومتمردين , وهذا هو الذى دفع الكثير من العلماء الى العزلة والزهد , اما الطامحون فى السلطة والطامعون فهم ممتحنون على الدوام , واستمر المذهب الاعتزالى الى القرن السادس الهجرى كحركة فكرية وانجبت الكثير من الاعلام , وكان لهم اسهام كبير فى اغناء الثقافة الاسلامية , وتاثر الكثير من الاعلام بهم فيما كتبوه من امثال الزمخشرى والرازى والقاضى عبد الجبار , ولكن الفكر الاعتزالى لم يستطع ان يحظى بثقة العلماء والعامة على السواء , لانه تضمن افكارا واراء لا يمكن اقرارها , ومن ابرز الذين تصدوا لهذا الفكر احد ابرز اتباعه وهو ابو الحسن الاشعرى فى القرن الثالث , وتكلم فى نفس القضايا التى اهتم بها المعتزلة فيما يتعلق بالله تعالى والاسماء والصفات والنص والتاويل والكبائر , وكان الاشعرى ناصرا للسنة فى مواجهة الفكر الاعتزالى الذى كان متمكنا , وكان اصحابه من مناصرى المذاهب الفقهية السنية , وانتشرت العقيدة الاشعرية فى معظم البلاد الاسلامية التى كانت تاخذ بالمذاهب الفقهية السنية الاربعة , وكانت الاشعرية اقرب الى المنهجية الصوفية فى كثير من ارائها والى المذهبية المالكية والشافعية فى ارائها الفقهية ومن ابرز من ناصرها الدولة الايوبية الشافعية التى قضت على الدولة الفاطمية فى مصر وغيرت مناهج الدراسة فى الازهر الى المذهب السنى عقيدة وفقها , وقد انتشرت الاشعرية انتشارا كبيرا نظرا لمنهجيتها الوسطية ولخصوصيتها  الاسلامية ولحسن فهمها للنصوص بطريقة تتجنب فيها ما ذهب اليه المعتزلة من انزلاقات فى فهم قضايا العقيدة المتعلقة بالله تعالى وبكل ما يتعلق به من الاسماء والصفات , واشتهرعلماء  هذه المدارس  بعلماء الكلام , الذين ابرزوا خصوصية العقيدة الاسلامية واصولها وانجبت المدرسة الاشعرية الكثير من كبار العلماء الذي اشتهروا بعلماء اهل السنة , وما زالت حتى اليوم تستعمل كلمة العقيدة الاشعرية للتعبير عن هذه الطائفة الاسلامية الاكبر التى تضم معظم المسلمين ولو اختلفت مذاهبهم الفقهية الا انهم يلتقون فى الثوابت والاصول الاسلامية التى وقع الاجماع عليها ..

( الزيارات : 532 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *