الاقوياء والضعفاء..صراع ابدي

 

علمتني الحياة

أنّ الصراع الأبدي هو بين الأقوياء والضعفاء وبين الحاكمين والمحكومين وهو صراعٌ حتميٌّ وكلّ فريق يدافع عن نفسه بكلّ الأسلحة التي يملكها ولا يمكن للقويّ أن يرضخ لأنّه إذا رضخ فقد قوته وأمسك الراية قائد جديدٌ وعلى ذلك القويّ أن ينتقل إلى معسكر الضعفاء ويتنافس الضعفاء على السلطة ومن ملك السلطة ملك القوة ، فإذا انتقلت السلطة إلى غيره فقد قوته وانتقل إلى معسكر الضعفاء والمحكومين ، والمحكوم إذا رضخ للحاكم لم يفقد شيئاً لأنّه في حالة دفاعٍ متواصلٍ والهزيمة تنهكه وتضعفه ولكنّها لا تقضي عليه, أما القويّ بحكمه وسلطته فلا يمكن أن يقبل الهزيمة والرضوخ لأنها تفقده قوته وسلاحه وتقضي عليه ، وتجلس المنتصر مكانه وعلى كرسيّه,وهذا الضعيف والمحكوم إذا انتصر وملك السلطة فقد صفته الأولى وأخذ خصائص القوة والسلطة وسوف يفعل ما فعله سابقه بالسلطة والقوة وسوف يستخدم نفس أساليبهم وأسلحتهم ويستقرّ الحكم للحاكم الجديد مدّة من الزمن حيث يشعر حلفاؤه وأنصاره أنّهم ملكوا القوة والسلطة, وكلّما استقر الحكم للحاكم وطال زمن حكمه قوي طغيانه وضاقت دائرة المؤيدين له الذين يكتفون بالسلطة الممنوحة لهم وبالإغراءات الماديّة التي يحصلون عليها ، والحاكم الحكيم العاقل يسمح لحاشيته بالاستفادة من الإغراءات المادية والاستفادة من نفوذهم من جمع المال بالطريقة التي لا تحرج الحاكم ، ولو ضيق الحاكم الخناق على حاشيته لانقلبوا عليه ، فلا يمكن له أن ينتفع بالسلطة وحده ويجب أن يأخذ كلّ أنصاره حصتهم من مغانم السلطة في المال والجاه والنفوذ ، وكلما ضاقت دائرة الحاكمين وقويت شوكتهم تولدت لدى المحكومين إرادة الدفاع عن النفس ، ثم تنمو قاعدة هؤلاء المبعدين عن السلطة والمحرومين والمستضعفين ، فمَن مِن الحكام يشعر بمأساة فلاح يعمل في أرضه ولا يحصل إلا على جزء من المحصول لا يكفيه لحياة متواضعة ؟ ومَن مِن الحكام يشعر بآلام الطبقات الكادحة في المصانع والأرياف والأحياء الفقيرة ؟ فإذا تحالف هؤلاء وتناصروا دفاعاً عن حقوقهم المنسيّة أصبحوا قوة معارضة قادرةً على إرغام السلطة الحاكمة على الاعتراف بهم والمفاوضة معهم ، لإعطائهم القليل مما يسد الرّمق ، وكلما قويت شوكة هؤلاء كثرت مطالبهم إلى درجة المطالبة بالحكم أو المشاركة فيه للحصول على الحقوق المشروعة أولاً ، فإذا انتقل قادة هؤلاء إلى الحكم انشغلوا بإغراءات السلطة ومغانمها عن إخوانهم الذين أوصلوهم إلى السلطة ، فتحدث الانشقاقات والانقسامات الداخلية ، فإذا انتقلت السّلطة لهؤلاء القادة أصبحوا حاكمين ، وسكنوا نفس القصور التي كان يسكنها أسلافهم ، وبدأت الصراعات الجديدة بين الحكّام الجدد الذين نسوا تاريخهم وتنكّروا لمبادئهم وبين المحكومين المغلوب على أمرهم ، والولاء ليس للحاكم وإنّما الولاء للإغراءات التي توفرها السلطة ، فإذا منع الحاكم أنصاره وأعوانه من الاستفادة من مغانم السلطة انقلبوا عليه وغدروا به ، والمقاومة منهج جميع المظلومين ويرفعون شعار الإصلاح ، وهو شعارٌ يخفي الهدف المرجو منه وهو السلطة ، فإذا وصلوا إلى السّلطة كانوا مثل غيرهم في الدفاع عن سلطتهم بكلّ الطرق التي تدافع بها السّلطة عن وجودها.. وهكذا تستمر المسيرة الإنسانية في هذا التّدافع الحتميّ بين الأفراد والجماعات . 

( الزيارات : 1٬180 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *