طموح الانسان الى الافضل

 

علمتني الحياة

أنّ كفاح الإنسان الأولَ يبتدئ لتحرير نفسه من العبودية والظلم الاجتماعيّ والمطالبة بالحريّة والكرامة والعدالة , فإذا تمكّن الإنسان من تحقيق هذه المطالب , ولا يتحقق أيّ مطلب إلا بالقوة انتقل طموح الإنسان بعدها إلى السلطة , وكلّما حقق نصراً على خصومه اتسعت دائرة طموحه ولا حدود لطموح الإنسان , والسلطة تمثل القوة , والإنسان يبحث عن القوة الماديّة والمجد الاجتماعي , ومن الطبيعي أن يلتقط المعارض أخطاء السلطة لكي تكون مطيّة لإقناع الآخرين بضرورة الإصلاح , وقد يكون المعارض صادقاً في بداية أمره مخلصاً في دعوته للإصلاح , وقد يعتمد على الدين لتبرير سلوكياته وأفكاره ,وبخاصة وأن المقاومة تحتاج إلى تضحيات , والدين يدعوللجهاد للدّفاع عن الحقوق المشروعة والحريّات المكفولة للإنسان , ولا حدودَ لطاقة الدين في تكوين قدرات المقاومة وبخاصة في ظلّ عدوٍ يحارب الدين , ولا شيء مثل الدين يدفع المقاوم للتضحية والاستشهاد , وهذا مما أدى إلى صمود الإسلام في وجه أعدائه على امتداد التاريخ الإسلامي .

ولا يمكن للمعارض أن يخوض معركةً مع خصمه إلا إذا كانت إمكانات النّصر قائمة ولو بنسبة قليلة , وكلّ سلطة تدافع عن وجودها , ولا تخوض السلطة أيّة معركة إلا في حالتين :

إما أن تشعر بضعف خصومها وهي في هذه الحالة تفتعل المواجهة للقضاء على ذلك الخصم قبل أن يشتدّ ساعده , وإما أنّها تخوض معركة لاخيار لها فيه , وتغامر بكلّ شيء دفاعاً عن وجودها أمام خيارٍ أشقّ وهو الاستسلام , وقد تكسب المعركة , والسلطة القائمة أكثر قوة ورسوخاً , والمقاومة أكثر صموداً وتضحية , وتنهار السلطة قبل سقوطها في المعركة بسقوط إرادتها وضعف قادتها وانتشار الرّعب في جنودها , فجيش السلطة يقاتل عن الغير ولمصلحة الغير , وقد يكون كارهاً لذلك الغير , أما جيش المقاومة فإنّ كلّ جندي يقاتل دفاعاً عن نفسه وعن قضية يؤمن بها سواءٌ كانت دينية أو وطنية , وهو مقتنع بتضحياته , وليس هناك ولاءٌ للحاكم أو للسلطة وإنّما هناك ولاء لإغراءات السلطة ومغانمها , فإذا لم يحصل الجندي على تلك الإغراءات فلا مصلحة له بالتضحية , وقد يقاتل خوفاً من العقوبة , فإذا سقطت الرّاية فلا ولاء لحاكم سقطت الرّاية من يده ..

وهكذا تسقط الدول قبل أن ينهزم جيشها في المعركة , وكلّ دعوة تحتاج إلى شعارٍ وهو إصلاح الفساد وتصحيح المسيرة والدفاع عن الحريات والحقوق , ولا بدّ من هذه الشعارات الإصلاحيّة لتجنيد الطاقات وإثارة العواطف , فإذا تحقق النصر للمعارضين تراجعت هذه الشعارات إلى درجة النسيان , ويرتفع شعارٌ جديد هو الحفاظ على السلطة وتبرير كلّ السياسات الخاطئة ولو أدى الأمر إلى التخلص من كلّ رفاق الطريق الذين يخشى من نفوذهم , وهم أخطر على الحكم الجديد من الأعداء القدامى , وتسقط جميع الثوابت التي كانت قائمة , ويقتصر مفهوم الإصلاح على مقاومة المناوئين للسلطة ..

ولكلّ سلطة عمرها الزمنيّ فقد تسقط سريعاً وقد تمتد لعقود , وهذا يحتاج إلى ذكاء هذه السلطة وقدرتها على التوفيق بين مطالب السلطة ومطالب المواطن , والقدرة على توسيع دائرة الولاء للسلطة ولو عن طريق الفساد وشراء المعارضين بالأموال والمناصب والامتيازات , وكلما اتّسعت دائرة الولاءات بالترغيب والترهيب امتدّ عمر السلطة القائمة ,والمرجعية الحاكمة إذا كانت قوية وذكية وحكيمة ضمنت دوام السلطة بالتوازنات الداخليّة وبالمواقف والسياسات المريحة للمواطن , وبالآمال ولو كانت وهميّة في الانتقال إلى الأفضل ، وعندما تشيخ السلطة فإنّ من المؤكّد أنّ الشيوخ لا يستطيعون مقاومة إرادةِ وعزمِ الشباب الذين يطالبون بالتغيير .

( الزيارات : 1٬752 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *