البداية .خطة الاصلاح والنهوض

ال

فى دار الحديث الحسنية……..

أمضيت بضعة أيام قبل التعيين قبل أن يقام حفل التنصيب، وهو حفل يقام في مقر العمل، ويتم فيه تسليم الإدارة للمسؤول الجديد، بحضور مسئول كبير وبحضور كبار المسؤولين في الإدارة وقد كلف الملك السيد محمد باحنيني وزير الدولة للشؤون الثقافية و المكلف بالمصالح الإدارية و المالية للقصر برياسة حفل التنصيب ، وكان من أقدم الوزراء وأكثرهم نفوذاً ومكانة بسبب صلته المباشرة بالملك وكان أستاذاً للملك ويستشار في كل الأمور الكبيرة ويكلفه الملك بكل المهمات الخاصة وقد أقيم حفل التنصيب برئاسة السيد باحنينى وكانت تربطني به صلة وثيقة منذ زيارتي الأولى للمغرب وحضر الحفل عدد من الوزراء والسفراء ومنهم سفير الكويت وسفير سوريا  ومدير الديوان الملكي احمد بنسوده وشخصيات رسمية وعلماء المغرب، وألقى السيد الحاج محمد باحنينى كلمة رائعة في أسلوبها البياني وكان أدبياً متميزاً، ثم ألقيت كلمة تحدثت فيها عن المنهج الذي أريد أن أحققه، ثم تكلم الأستاذ مولاي مصطفى العلوي المدير السابق للدار وقد أذاعت وسائل الإعلام والتلفزيون المغربي كلمة السيد محمد باحنينى في هذا الحفل

كلمة السيد الوزير   

 

 

 

 

البداية..

بدأت العمل في الإدارة، وكنت جديدا ولا أعرف الكثير عن الإدارة المغربية، ولم أكن أعرف أحدا في هذه الإدارة..

 وشرعت في دراسة الملفات المختلفة، وأهمها :

أولاًـ دراسة الوضع القانوني وأهمية إعداد مرسوم تنظمي للدراسات والامتحانات.والشهادات.

ثانياًـ  دراسة المناهج العلمية وإعادة النظر في هذه المناهج بحيث تنسجم مع الأعراف الجامعية..

ثالثاًـ  دراسة ملف الخريجين والاهتمام بمعادلة شهاداتهم وتعيينهم في المناصب الجامعية..

وأول ما لاحظته وجود خلل كبير في نظام المؤسسة، فلم تكن أهداف المؤسسة واضحة، وكانت النصوص القانونية ناقصة، وهناك ظهر شريف مؤسس، وبنص على ملامح عامة ليست واضحة، وهناك خطاب ملكي في افتتاح الدار، ويشير الخطاب إلى رغبة الملك في إنشاء هذه المؤسسة، وكان خطابا جيدا تحدث فيه عن أهمية الفتوحات العلمية للمغرب وإنها لا تقل عن فتوحات المغرب السياسية، ثم يشير الخطاب إلى أهمية العناية بالعلوم الإسلامية والتراث الإسلامي، وبدأت الدار بعد ذلك في أداء مهمتها، وظلت أمورها القانونية والإدارية غير واضحة، وانعكس ذلك على مناهجها العلمية، وكان الكل متسائل عن الأهداف المرجوة، من إنشاء هذه الدار وكنت أسمع آراء كثيرة حول الغايات المرجوة من هذه المؤسسة ..

وهناك شيء واحد مؤكد وهو اهتمام جلالة الملك بهذه الدار ورعايته لها، إلا أن النصوص القانونية المنظمة لشؤونها ومناهجها كانت ناقصة، وأدى هذا إلى خلل في أدائها وفوضى في أدائها العلمي، وعندما أردت العمل وجدت صعوبات كبيرة في طريقي، وأراد الملك أن يجعلها تحت رعايته، ولذلك ألحقها من الناحية الإدارية بالقصر الملكي، وهذا أمر أكسبها استقلالية ومكانة متميزة إلا أنه أضعفها من الناحية العلمية، لأن القوانين التي كانت تنظم الجامعات والمعاهد العلمية لم تكن تطبق عليها، وكانت تحتاج لنصوص خاصة بها، ولم تكن هذه النصوص موجودة، وكانت علاقتها بوزارة التعليم العالي علاقة رمزية، ولم يكن لوزير التعليم أي سلطة عليها، فظلت خارج نطاق المؤسسات العلمية.. ..وهناك فريق فى السلطة لم يكن يريد هذه المؤسسة ، ويرى أنه يجب أن تظل في أضيق الحدود، وكان يعارض في إصدار قوانين منظمة لشؤونها، وأدى هذا إلى ضياع حقوق المتخرجين منها الذين كانوا لا يجدون المكان اللائق لأداء مهمتهم العلمية، وبخاصة في الجامعات المغربية .

                                                            

 

 

الإصلاح العلمي

ابتدأت أولاً بالإصلاح العلمي، وإعادة تنظيم الشعب العلمية والتركز على أهمية التخصص العلمي لتكوين كفاءات علمية عالية، ومتمكنة من البحث، والارتقاء بمستوى البحوث والدراسات والرسائل العلمية، وكانت هذه الخطوة ضرورية وهامة لأنه لا يمكن النهوض بأية مؤسسة إلا بإصلاح مناهجها والارتقاء بمستوى بحوثها العلمية، وكنا نعاني من أزمة الأساتذة من أهل الاختصاص، وكان هناك عدد كبير من الأساتذة الأكفاء إلا إنهم يتمسكون بالمنهج التعليمي القديم، ولا يحسنون الإشراف على الرسائل العلمية التي تحتاج إلى العناية بالمناهج ومناقشة الأدلة وفقاًلأساليب البحث الحديثة……….

وأهم خطوة في الإصلاح العلمي تعميق التخصيص العلمي أولاً، وتشجيع الطلاب على البحث وسلامة الاستدلال ثانياً وربط الباحث بالمصادر الأصيلة المعتمدة بحيث يتمكن في الاعتماد عليها في بحثه ثالثاً والغاية من كل ذلك هي تكوين شخصية الباحث بحيث يكون قادراً على التفكير السليم للتوصل على المعرفة المطلوبة , وقد سرنا في هذا الطريق، وحققنا نتائج جيدة والتزمنا بالأعراف الجامعية والمقاييس العلمية المعتمدة، وهناك من يتمسك بالنظام التعليمي القديم ويعتبره من الثوابت التي يجب احترامها والحرص عليها , وشجعت الباحثين على الاهتمام بالتراث المغربي  والتعريف بأعلام المغرب والأندلس، ودراسة مناهج العلماء المغاربة، وبيان الخصوصيات  المغربية، وكنت أوجه الباحثين لدراسة الفقه المالكي،وأصول هذا المذهب وبيان ما يتميز به من إضافات وأحكام …

وكنت أهتم كثيراً بتكوين الباحث، وتكوين قدراته وتشجيعه على البحث والمناقشة والنقد، وكنت أحترم حرية الباحث وأحترم اختياراته بشرط أن يحسن استخدام هذه الحرية، والحرية تمنح لمن يحسن استخدامها، ولكن لابد من احترام حرية الباحث، ولا يجوز تضييق الخناق عليه فيما يختار،

وقد لمست أثر ذلك فيما بعد في شخصية الباحثين، وكنت أشعر بسعادة وأنا أرى نخبة طيبة من طلابي أصبحوا فيما بعد من الباحثين المبدعين، وكنت أفرح لمشاركتهم العلمية في الندوات والمؤتمرات، وكنت أقف خلفهم في كل خطوة مشجعاً ومباركاً لكي يأخذوا مقاعدهم في الصفوف الأمامية.

والباحث المبتدئ يحتاج في بداية أمره إلى التشجيع، وكلمة طيبة قد تدفعه إلى الأمام وكلمة ناقدة قد تعيده إلى الخلف، ولا ينبغي أن نفترض الكمال في الأعمال العلمية، فالأمر نسبي، وكل من بدأ طريقه بطريقة جادة فلا بد إلا أن يحقق نجاحاً متميزاً 

 

 

 

خطوات الإصلاح

وأهم خطوات الإصلاح العلمي ما يلي :

التأكيدعلى أهمية التخصص العلمى والتركيز على المواد الأساسية وتكوين شعبتين الأولى شعبة القرآن والحديث والثانية شعبة الفقه وأصوله، وكل شعبة تدرس فيها مواد التخصص لمدة سنتين ..

– اقتصار القبول في مباراة الدخول على الحاصلين على شهادة الإجازة من كليات الجامعة القرويين، ويقبل حملة الإجازة في الحقوق في شعبة الفقه، ويقبل حملة الإجازة في اللغة العربية في شعبة القرآن والسنة، لتمكين الدار من تكوين المدرسين في كليات الحقوق والآداب، وعدم قبول أية إجازة أخرى بعيدة عن التخصصات الإسلامية ..

– الاهتمام باختيار الطلاب، واخضاع المرشحين لمباراة كتابية ومقابلة شخصية للتأكد من أهلية المرشح من الناحية الفكرية والعلمية والسلوكية للدراسة في المؤسسة، وكان هذا المعيار هاماً ومؤثراً في اختيار طلاب المؤسسة .

– اشتراط أن يكون المرشح حديث التخرج ولا يتجاوز الثلاثين من العمر، لتأهيله وتكوينه وإعداده، وكان المتقدمون في السابق ممن تجاوزوا سن الدراسة ومن المدرسين السابقين الذين يقضون المدة الأخيرة من خدمتهم في المؤسسة مما أدى إلى عدم الاستفادة منهم ..                   

-الاستعانة بأساتذة أكفاء ممن لهم خبرة واسعة في البحث العلمي، وممن لهم دراية جيدة في التدريس والإشراف على البحوث العلمية، وممن لهم مشاركات منشورة  في البحوث العلمية ..

– استدعاء شخصيات علمية من تخصصات مختلفة لإلقاء محاضرات وقاعات بحث وإجراء حوارات علمية مفتوحة في موضوعات ثقافية متنوعة لتمكين الطلبة من متابعة النشاط العلمي العام ..والمشاركة في كل الأنشطة العلمية ..

– إصدار مجلة علمية باسم مجلة دار الحديث الحسنية، للتعريف  بالمؤسسة، ونشر بحوثها العلمية و توثيق نشاطها العلمي وأسماء الخريجين وأخبار البحوث والمناقشات التي تجري في المؤسسة، وكنت أحرص على اختيار كل ما ينشر في هذه المجلة، واكتب مقدمة العدد، وأعرض في المقدمة لموضوع عام كنت أحرص بيان الموقف منه بطريقة هادئة وموضوعية ..

– تشجيع نشر الأطروحات والبحوث العلمية، وتشجيع الباحثين على طبع إنتاجهم العلمي، وتمكينهم من ذلك، وقد أدى هذا إلى نشر مئات البحوث والدراسات والكتب في مختلف التخصصات الإسلامية..

– تشجيع جمعية العلماء الخريجين من الدار على تنظيم مؤتمرات وندوات علمية حول موضوعات مختلفة، وتكريم بعض الرموز المغربية من شخصيات علمية وقضايا معاصرة ..            

– العناية بالأطروحات العلمية من حيث المستوى العلمي، واختيار الأساتذة الأكفاء المؤهلين للإشراف …

وقد أدى هذا إلى زيادة الإقبال على مباراة الدخول بطريقة كبيرة، وأصبحنا نضع القيود للتخفيف من ذلك التزاحم ، وزاد عدد المرشحين للمباراة على ألفي مرشح، وكنا نضع قيوداً على المرشحين لاختيار العدد المطلوب، ولا يتجاوز خمسين طالباً في كل عام، وهذا العدد إذا حسن إعداده وتكوينه فإنه يمكن أن يسهم في تكوين نخبة من العلماء، وكنت أحرص على مراعاة فرص التشغيل بالنسبة لهؤلاء المتخرجين في الجامعات المغربية والقضاء …

وقد ظهر أثر هذاالإصلاح العلمي سريعاً في مستوى الخريجين، وفي مستوى بحوثهم ومشاركاتهم في النشاط العلمي، وكنت أحرص على تشجيع حرية الرأي في البحث العلمي، والاهتمام بالفقه الإسلامي بعيداً عن التعصب المذهبي، وكنت أريد أن تكون هذه المؤسسة جامعة لما وقع الاختلاف فيه وموحّدة للمواقف مع احترام للتعددية وللآراء والمذاهب المختلفة، وكنت أحرص على تدريس تاريخ المذاهب الفقهية وخصوصيات كل مذهب، والأدوار التاريخية للفقه الإسلامي وخصائص كل دور، والتركيز على أهمية الاجتهاد الفقهي وضرورته والاعتماد على أهل الاختصاص فيما يتعلق باختصاصهم ، واحترام الرأي الاجتهادي …

وكنت أهتم بتحقيق كتب التراث، إلا أنني كنت أهتم بالدراسة كشرط لقبول التحقيق، وأهمية اختيار المخطوطات التي تستحق التحقيق، وإعداد دراسة عن المخطوط الذي يراد تحقيقه، وكنت أرى أن إحياء التراث يتمثل في ضرورة الإضافة إليه والاستفادة منه، وتكن أهمية المخطوط بمقدار ما تضمن من أفكار، وليس كل مخطوط يستحق الاهتمام به ، ويجب أن يتجه اهتمامنا إلى العناية بالتراث الذي ينفعنا في مسيرتنا العلمية ، وبعض هذه الأفكار كانت جديدة بالنسبة لتلك الفترة وبخاصة بالنسبة للأوساط العلمية الإسلامية التي كانت تتمسك بالمنهج القديم ، وتخشى من أي فكر جديد ، وكانت مناقشة بعض هذه الأفكار من الأمور التي تثير الريبة، إلا أنها سرعان ما أصبحت أفكاراً شائعة ومقبولة, وقد اكتشفت فيما بعد قابلية المثقفين المغاربة وبخاصة في المجال الإسلامي لقبول الجديد والمفيد والمقنع من الأفكار ، وقرأت الكثير مما كتبه جيل الشباب من العلماء مما يؤكد أهمية الإسهام  المغربى في إثراء الثقافة المعاصرة …            

 

 

مواقف رافضة وصعوبات

كنت أعتقد أن هذه الخطوات سوف تلقى تأييداً كبيراً وكنت أتوقع أن يقف الجميع إلى جانبي فقد كنت أختار كل خطوة وأراعي كل المشاعر والمصالح، وأمشي بحذر وروية ولم أشعر قط بأيّ حرج  في ذلك , وكنت سعيداً بما أقوم به ولم يلحق أي ضرر بأي أحد بسبب ما كنت أ قوم به وتصورت أنني أخدم المغرب وكنت صادقاً بما أقوم , وهناك أمور أخرى أكثر أهمية قمت بها، لخدمة هذه المؤسسة وكنت أعبر عن أفكاري بصراحة ولم أكن أعرف أي شيء عن المغرب، وطبيعة التوازنات الداخلية، والحساسيات الخاصة ، وكنت أنظر إلى السطح فلا أرى ما يجري تحت الماء، وكنت معذوراً فلم أكن بإمكاني أن أعرف كل شيء، ويبدو أنني أخطأت في أمور لم أدركها , ولم أعرف ذلك، وكان كل شيء يسير كما يرام ..

وصادفتني صعوبات، واستطعت التغلب عليها، ولم ألتفت إليها، وكنت أراها طبيعية وحتمية،وقد حدثني الملك، يوم التعيين عن بعض الصعوبات التي قد تواجهني في أداء مهمتي، وتوقع أن أكون قادراًعلى التعامل معها بيسر وذكاء ، وأسعدني أن أسمع من الملك هذا الكلام وأن يثق بي، ومنحني هذا التشجيع الثقة بنفسي …

كانت الصعوبات أكثر مما توقعت، وكنت ألتمس العذر للآخرين في ذلك، فهم لا يعرفونني ولا يعرفون عني شيئاً، وهناك من كان يتطلع لهذا المنصب، وهناك من يضايقه أن يجد شخصاً غير مغربي في منصب علمي يتطلع كثير من الناس إليه، وقد جئت إلى هذا المنصب على غير إرادة مني، ولم أتطلع إليه، ووجدت نفسي وحيداً وغريباً، وكنت أعلم أنني سأغادر  المغرب بعد ثلاث سنوات حيث نتتهي مدة الانتداب، فما زلت أستاذاً بجامعة الكويت، وحاولت أن أقوم بعمل كبير خلال هذه الفترة، ولكن الصعوبات بدأت مبكرة، وكنت لا أريد أن أفشل في مهمتي ..

وكان لي صديق تعرفت إليه منذ زيارتي الأولى إلى المغرب، وكان صاحب سلطة ونفوذ، وكا ن من أقرب الوزراء إلى الملك،  وهو الوزير الدائم الذي يحظى بثقة الملك المطلقة، وكان يقف إلى جانبي في جميع المواقف، وهو الذي ألقى خطاب التنصيب،وقد أشاد بي إشادة كبيرة وبالغ في الثناء علي.. ووثقت به، وكنت أطلعه على كل ما يعترضني، وأستشيره في كل أمر، وكان رجلاً ودوداً ونزيهاً وعاقلاً وحكيماً ، ويملك مالا يملكه غيره من السلطة والنفوذ والمكانة، وقد كلفه الملك بأن يكون إلى جانبي، وقد قام بما كلف به، ولم أشك لحظة في إخلاصه لي، واستمرت صلتي به لمدة عام كامل، وكان خلالها الأقرب إلي والأكثر دفاعاًعنى …

وفجأة …وعلى غير توقع …انقلب هذا الصديق عليّ، وتغيرت مواقفه وتبدلت عواطفه، واتخذ موقفاً مغايراً لما كان عليه، وحاولت أن أصلح الأمر فلم أفلح، وحاولت أن أعرف السبب فلم أتمكن، وطلبت منه أن يفصح عما في نفسه فلم يفعل، وقال لي في آخر لقاء بيننا :نحن ننتمي لمدرستين فكريتين مختلفتين، فأنت تريد شيئاً وأنا أريد شيئاً آخر، وكان يريدني أن أكون كما يريد وأنا أريد أن أكون كما أريد ، ولا يمكنني أن أغير قناعتي، وقلت له :لقد جئت إلى المغرب لكي أخدم المغرب فيما أعتقد أنه في مصلحة المغرب، وعندما أعجز عن تحقيق هذا الهدف فسوف أغادر المغرب، فأنا مسؤول أمام الشعب المغربي عما يمكن أن أقوم به لأجل المغرب ، وبعد سنتين من القطيعة التقينا من جديد، وأفضى كل منا للآخر بما في نفسه , وقلت له لو عرفتنى أكثر لما اختلفنا ، ومشى كل منا في طريقه ، ولما انتقل إلى رحاب الله قلت في حفل تأبينه ما يستحق أن يذكر به من وطنية وأخلاق ونزاهة وإخلاص …

كان هذا الحدث هو الأشد وطأة علي، والأقسى على نفسي، وقد صدمت صدمة كبرى، فلم أتوقع مثل هذاالموقف، وشعرت بغربة قاسية ووحدة مؤلمة، وقررت أكثر من مرة أن أتوقف، ولكن لم يكن ذلك ممكنا..

وكان الدرس قاسياّ على نفسى ومفيداً وموقظا ، وتعلمت أشياء كثيرة لم أكن أعرفها من قبل، وتغير كل شيء في حياتي وفي أسلوبي ، واكتسبت صداقة الكثير ممن لا أعرفهم ولم أجتمع بهم من قبل، وبدأت أكثر انفتاحاً على الآخرين ممن يشاركونني الرأي و الاختيار، فلم تكن دار الحديث الحسنية تمثل طموحي الادارى ولكنها كانت الاداة لتحقيق طموحى العلمى فى اعداد  جيل من العلماء المتميزين بفكرهم ، وكنت أريد أن تكون  هذه الدارقلعةً حصينة للثقافة الإسلامية، وأن تسهم من خلال أبنائها في ترسيخ الهوية المغربية الإسلامية في وجه الثقافة الغربية التي كانت قوية الجذور في الطبقة الثقافية وفي الأحياء الراقية التي كان معظم أبنائها يجهلون الإسلام ويخجلون من العربية، وكنت أرى أن دار الحديث يمكن أن تكون النواة الأولى لتكون قيادات إسلامية واعية  ناضجة قادرة على ترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة، وكنت أرى فى شباب المغرب استعداداً كبيرا ًلذلك، وأقول وأؤكد أن المغرب لا ينبغي أن يخاف من الإسلام الأصيل ، وثقافة المواطن المغربي هي ثقافة الإسلام، ولا ينبغي تخويف المجتمع المغربي من الإسلام، و الإسلام لا يخيف المؤمنين به وإنما يخيف خصوم الإسلام الذين يطمعون فى السيطرة على المجتمعات الاسلامية.. 

 

 

 

 

 

 

( الزيارات : 963 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *