مناقشة اول اطروحة دكتوراه

مناقشة أول دكتوراه

بدأت روح جديدة تسري في جسد دار الحديث، وانتعشت آمال الخريجين من العلماء الذين يزيد عددهم عن أربعمائة يتوزعون على المدن المغربية في فاس وتطوان وطنحه  والرباط  ومراكش وأكادير ووجده والعيون والجديدة وبني ملال ومكناس والدار البيضاء، وأخذوا يعدون أنفسهم لمتابعة بحوثهم،وبخاصة بعد متابعتهم أخبار الدار ، وكان النشاط العلمي واضحا، وكنت استقبل كل يوم عددا من هؤلاء ، يخرجون بروح جديدة وأمل جديد ، وتكونت جماعة كبيرة من هؤلاء وأصبحوا من اكثر الناس حماسا للإصلاح ودفاعا عن هذه الدار ، وكان لهم دور كبير في التصدي لكل من يقف في وجه خطة الإصلاح ، وكنت احتاج لتأييد جمعية الخريجين، واعتبرت ذلك انجازا كبيرا وكان معظم هؤلاء ينتمون لأسر علمية ذات نفوذ أو يتمتعون بمكانة اجتماعية في المدن التي يسكنون فيها، وأعلن عدد من كبار علماء المغرب تآييدهم للدار  الأستاذ عبد الله كنون رئيس علماء المغرب وعميد كلية أصول الدين في تطوان وعلماء سوس  والأساتذة مولاي العباس المراني والأستاذ عبد العزيز بنعبد الله والأستاذ محمد المنوني والشيخ محمد مكي الناصري وعدد من الأسرالعلمية  وممن كان له دور كبير في هذه المرحلة مؤرخ المملكة الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور وكل من السيد عبد الهادي بوطالب والسيد أحمد بنسودة مستشاري الملك  .

وقررت أن أقوم بخطوة كبيرة ومثيرة للاهتمام، وهي الإعلان عن مناقشة أول أطروحة دكتوراه دولة في العلوم الإسلامية تجري في دار الحديث الحسنية، ولم تكن أي جامعة مغربية تمنح درجة الدكتوراة في العلوم الإسلامية , وكان المغرب يفتقر لهذه الكفاءات والشهادات العلمية , وكان المغرب يعاني من نقص كبير في الشهادات العليا، واعتبرت ذلك خطوة جيدة وهي ثمرة جهد كبير ، وكنت أتوقع أن يفرح الكثير من المغاربة وبخاصة في الأوساط الإسلامية والعلمية واغتمنت فرصة عيد ميلاد الملك حيث يحتفل المغرب بالإعلان عن مشروعات وإنجازات، وأعددت العدة للإعلان عن مناقشة أول أطروحة لطالب مغربي بعنوان :

وكان ذلك في بداية شهر تموز عام 1978 ودعوت كبار الشخصيات المغربية وبعض الوزراء والسفراء والعلماء كما دعوت الصحافة والإذاعة والتلفزيون لتغطية هذا الحدث العلمي، وكان هذا بعد عام ونصف من عملي في المغرب، وشعرت بفرحة وسعادة، وساد شعور بالحماس لدى خريجى الدار والعلماء والأوساط الإسلامية , وكنت أريد أن أؤكد أموراً وأهمها رسوخ دور الثقافة الإسلامية في الحياة المغربية،وأثر دار الحديث في ذلك، ….

ولما توصل السيد باحينني بالدعوة لحضور هذه المناسبة فوجئ بالأمر وكان هو الوزير المكلف بالإشراف على المصالح الإدارية والمالية لكل الإدارات التابعة للقصر الملكي واتصل بي غاضباً وكنت أستشيره في أمور الدار من قبل ولم أستشره في هذا الأمر، وأبلغته بلهجة هادئة وبغاية التهذيب أن الإشراف العلمي على الدار كما جاء في المرسوم الملكي المنشئ لدار الحديث الحسنية يكون لوزير التربية والتعليم العالي، وقد أبلغت الوزير المختص بالأمر، والمناقشات أمر داخلي يخضع لاختصاص مدير المؤسسة وفقاً للأعراف الجامعية،

 

وقد استدعى أعضاء لجنة المناقشة وطلب منهم الانسحاب من اللجنة ومقاطعة المناقشة، وإذا غاب أعضاء المناقشة فلا يمكن إجراء المناقشة، وجاءني كلاً من (( الدكتور: محمد بنشريفة و الأستاذ: محمد المنوني )) وأبلغاني بالأمر، وانسحب الدكتور: بنشريفة، ولم ينسحب الأستاذ: محمد المنوني، واتصلت بالسيد أحمد بنسوده مدير الديوان الملكي وأبلغته بالأمر، ونصحني بالتراجع وهذا أسلم لي، وقلت له : إذا لم تناقش هذه الأطروحة فلن تناقش أية أطروحة في هذه الدار، وسوف تفشل مهمتي في المغرب وسوف يشعر كل الخريجين باليأس و الإحباط، ولن يثق أي أحد بي بعد اليوم، وأنني مستعد لتحمل مسؤولية قراري مهما كان ثمن ذلك، لاعناداً مني، ولكن لأنني يجب أن احترم نفسي، وكنت أعلم مسبقاً أن الملك لايمكن أن يتدخل في الأمر فلا يمكن أن يشجعني على مواجهة وزير يحبه ويقدره، ولا يمكن أن يطلب مني التراجع، لأن هذا سيضعف مركزي و إيقاف كل الخطوات التي شرعت فيها للنهوض بالمسؤلية…  

واجتمع عدد من الخريجين في الدار، وجاؤوا مؤيدين ومناصرين، وأعلنت أمامهم أن المناقشة سوف تتم في موعدها المعلن، وقد تم تعديل لجنة المناقشة بقرار وقعته في صباح نفس ذلك اليوم، وعينت نفسي عضواً في اللجنة ورئيساً لها، وبذلك يكتمل النصاب القانوني المطلوب، ولم يكن لي أي اختيار آخر، وكنت قد أعددت من قبل أيام من المناقشة أثواباً بيضاء وأطرافها خضراء وفي وسطها الأعلى رقعة حمراء يتوسطها العلم المغربي ، وهي الرداء الخاص الذي يرتديه أعضاء لجنة المناقشة، وفي الموعد المحدد اكتظت القاعة بالمدعوين وحضر عدد من الوزراء والسفراء والعلماء وشخصيات أخرى مدعوة، وحضر المناقشة الشيخ عبد الرحمن الدكالي الصديق الأكثر شجاعة ووفاء ً، كما حضر السيد محمد حدو الشيكر وزير البرلمان وكان صديقاً ، كما حضر الشيخ مولاي إبراهيم الكتاني شيخ الطريقة الكتانية وكان مرفوقاً بأولاده الثلاثة السيد زين العابدين والسيد يوسف والسيد حسن، وأعلن امام الحضور أنه جاء بالرغم من تقدم سنه لتأييد هذه الخطوة المباركة،

وحضرت شخصيات لا أعرفها من قبل ولم التق بها، وكانت حفلة موفقة، وشعرت بعواطف الحاضرين وسعادتهم  وأخبرني السيد أحمد بنسودة أنه أوفد أحد معاونيه لكي يتابع هذه المناسبة، ويكتب له تقريراً عن كل ما يجري فيها، وأعد تلفزيون المغرب تقريراً مصورا ًعن هذه المناسبة وأجرى لقاءات مع صاحب الرسالة السيد نوري معمر من مواليد مدينة تطوان، وقد عين أستاذاً في دار الحديث الحسنية، وقد أجرى التلفزيون مقابلة مطولة معه حول أطروحته العلمية

وكانت آثار هذه المناسبة كبيرة، واعترف أنه قد حصل تحول كبير في المواقف، وأصبحت الدار ولأول مرة تملك رصيداً واسعاً من التأييد والتشجيع من شخصيات وطنية وعلمية بالإضافة إلى تأييد شعبي كبير، وأصبح الناس يتداولون الحدث ويضيفون الكثير من المبالغة إليه ..

ومن المؤكد أن الأمر قد وصل إلى الملك من طرق عدة، ونقلوا إليه ماشاهدوه أو ما سمعوه من مشاعر الفرحة في نفوس الحاضرين، واعتبر أن هذا الحدث كان المنعطف الأول في عملي الإداري وهو منعطف إيجابي، ولو اخترت طريقاً آخر فقد أندم عليه فيما بعد، وأبرز آثاره على نفسي هو شعوري بأني أملك حرية اختيار الطريق وأتحمل مسؤولية ما أختار، أما آثاره على الآخرين فقد ترسخت العلاقة بيني وبين كل الآخرين، وأنني المسؤول عن هذه المؤسسة ، وقد ساعدني هذا على حل المشاكل الإدارية الأخرى …  

 

( الزيارات : 1٬039 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *