التجارة ..وخلق المكايسة .

 

 

 

 

 

 

 

كلمات مضيئة..التجارة وخلق المروءة..

مازلت بين وقت واخر اتردد على ماكتبه ابن خلدون فى زيارات خاطفة لمقدمته , وفى كل مرة ازداد اعجابا بما كتبه من تصوير لواقعه الاجتماعي وعوائد الناس  فى مجتمعه , كان يلتقط افكاره من واقعه كما هو , هناك الكثير مما ينطبق على كل المجتمعات , قد يختلف الامر بين مجتمع واخر ولكن الظاهرة الاجتماعية تظل كما هي غالبة , تكلم كثيرا عن الفلاحة وقيم الاعمال , وابدى حزنه والمه لاحوال الفلاحين الذين يعملون كثيرا ويربحون قليلا,  وقلما يحصلون على حاجتهم الضرورية , يعلل ذلك بان الفلاح هو الاكثر اهمية فى انتاجه لانه ينتج الغذاء الذى يحتاج اليه الناس والحاجة للغذاء ملحة  , ولكن الفلاحة ارتبطت بالمذلة لان الفلاح لا يستطيع ان يدافع عن حقوقه , انه مستضعف فى مجتمعه  , قيمة العمل تتحدد من خلال عاملين حجم الجهد المبذول اولا وحاجة الناس الى السلعة ثانيا , فالفلاحة  عمل شاق وحاجة الناس الى الغذاء كبيرة فلماذا تكون اجور الفلاح صغيرة وتكاد لا تكفيه الا لما هو ضرورى , مصاريف الفلاح قليلة ويكاد لا يحتاج الى النقود , لان معظم حاجاته متوفرة لديه فى ارضه  , اما التجارة وهي مهنة اهل الحضارة فتعتمد على خلق المكايسة التى يحسنها اهل المدن , والمكايسة تتنافى مع المروءة فى العادة  , لانها تعتمد على الاقناع بجودة السلعة ولو بالكذب وادعاء الجودةوالايمان المغلظة والمبالغات فى الوصف  , وهنا اشار الى ان الربح يحتاج الى خلق المكايسة التى يحسنها التجار فى المدن , والتجار على اقسام هناك من التجار من يلتزم بالمروءة فى اعماله,  وهذا امر لا يمكننا تجاهله فهناك اصحاب مروءة وخلق ويلتزمون الصدق فى اعمالهم التجارية الا ان هؤلاء قلما يكبرون فى تجارتهم او تكثر ارباحهم , وهناك فريق اخر تاجر متردد بين المروءة والربح , وهنا يقع التغالب بين ا لرغبتين فى داخله , الاستقامة والصدق والامانة او الربح والطمع , وهذا تغالب بين الخير والشر لدى كثير ممن يترددون فى المواقف , ولابد  الا ان ينتصر احد الطرفين على الاخر  , وهناك صنف ثالث تحدث عنه ابن خلدون وهو التاجر الخالى من المروءة , , وهذا هو الاكثر الذى تتحكم فيه اطماعه وينهار امام الرغبة فى البيع  ويستسلم للرغبة فى الربح , اما ضعف المروءة فيعود لامرين لضعف الوازع الدينى فى داخله , وهو العامل الاهم فى ردع التاجر عن الجشع والكذب ولا يمكن انكار اثر التربية الدينية فى تكوين خلق المروءة والاستقامة فى المعاملات  , وهناك عامل اخر وهو الخوف من المجتمع فيخجل اذا افتصح امره ويخشى ان ينسب اليه ما يخجل منه والمجتمع النظيف ينكر على المنحرفين انحرافهم فيخجلون منه  , اما المجتمع المتخلف الذى يكثر الفساد فيه غشا ورشوة وانحرافا  فلا يخجل التاجر فيه من الكذب والغش والكذب , والكلمة التى اثارت انتباهي فى حديثه عن خلق المكايسة الخالى من المروءة ان خلق التجار يختلف عن خلق الحكام والرؤساء والملوك , وقال ابن خلدون فى ذلك  ان خلق المروءة ضرورية فى خلق الرؤساء والاشراف والملوك , ومن اراد ان يتطلع الى  هذه المناصب العالية فعليه ان يتخلق بخلق المروءة وان يكون معتزا بها وان يلتزم بها فيما يصدر عنه من اقوال وافعال وسلوكيات ومواقف , وعلل ذلك بقوله بان الناس تنظر لهؤلاء على انهم القدوة العليا لهم,  وهذا يجعلهم فى موطن الاحترام فى مجتمعهم , وهذا مفهوم صحيح ويعبر عن قيم عصره ونظرة ذلك المجتمع للرؤساء وما يليق بهم من المواقف , وبالرغم من انه يقرر ان الحكم والرياسة انما تكون بالغلب والقوة فانه يؤكد ان المروءة ضرورية فى الرؤساء ممن تعلو مكانتهم , واكد ان خلق التجار لا تصلح لاصحاب الرياسات , ولذلك فانهم لا يباشرونها بانفسهم ويوكلون امرها لغيرهم , لكي لا ينسب اليهم مالا يليق بهم من سلوكيات التجار  , هذه نظرة اجتماعية تعبر عن قيم ذلك المجتمع , وكيف ينظر كل مجتمع لقضاياه , والرأي الفقهي يبنى على ماهو  مالوف فى كل مجتمع , ولا يمكننا تجاهل المجتمع ونحن نبحث فى قضاياه , مفاهيم العدالة والمروؤة والقيم تخضع لكل مجتمع ونحن نحتاج الى دراسة اجتماعية اولا لكي نبنى عليها الاراء الفقهية التى تتعلق بالمعاملات ,  ما زلنا فى الحديث عن قيم الاعمال فلا بد الا ان تكون عادلة والعدالة امر نسبي , لا بد  فى العدالة الا ان تحقق الكرامة الانسانية وما لا يحقق الكرامة فيعتبر منقوصا , هنا نؤكد على دور السلطة المؤتمنة على تحقيق العدالة ان تحمي الطبقات المستضعفة التى لا تستطيع الدفاع عن حقوقها العادلة , لا بد من الاهتمام بقضايا الانسان وان نوفر له الكرامة التى اكرم الله بها الانسان وكل المجتمع متكافل للدفاع عن الحياة كما ارادها الله تعالى  لا ظلم فيها ولا استعباد ولا اذلال ولا تجاهل لكرامة اي انسان مهما كان ضعيفا ,,

( الزيارات : 863 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *