غاية العلم حسن الفهم..

 كلمات مضيئة..غاية العلم حسن الفهم .

 بعض ما نسمعه من كلمات تترك اثرا فى نفوسنا  ونستعيدها فى كل مناسبة ونتذكرها فى لحظات التامل , احيانا نسمعها فى محاضرة علمية اوفى حديث عفوي ممن يملك ناصية الفهم ويتميز به من الحكماء , واحيانا نقرؤها فى كتاب نتأمل ما فيه , ومثل هذه الكلمات لا تكون كثيرة , ولكنها تظل وتبقى , ونتذكرها ونستشهد بها , ليس كل ما نسمعه او نقرؤه يستحق الاهتمام به , من الكتب التى اثارت اهتمامى واعجابى واعترف اننى استفدت كثيرا منها وتعلمت الكثير:  كتاب احياء علوم الدين للامام الغزالى , ليس من عادتى ان اشيد بكل من قرأت له الا اذا شعرت بما يدفعنى الى ذلك , اهم بحث قراته فى كتاب الاحياء فى الجزء الاول منه كتاب باب العلم , واعتبره من افضل ما قرأت عن مفهوم العلم وانواعه والتفريق بين علم وعلم,  وحديثه عن معنى العلم الظاهر والباطن او علم المكاشفة وعلم المعاملة , وهناك فى الجزء الثالث من الاحياء تحدث عن مفهوم القلب عندما اراد ان يتحدث عن علم الباطن , وقد ابدع فيما كتبه عن القلب وامراض القلوب , كانت له روحية  صوفية  راقية خالية عن الانزلاقات والشطحات والمبالغات وكنت احب هذ المنهج واضيق بغيره واعتبره انحرافا ترسخ بعضه فى مجتمعنا بتأثير الجهل والتقليد  , وكان صريحا فى نقده لكثير من الافكار المنحرفة والاوهام التى تسيطر على كثير من السالكين من ذوي الاهواء او ممن توهموا الحق جهلا باسبابه وهم كثر فى مجتمع ابتعد عن الاصول  , وكان يوجه كل اهتمامه لشرح معانى المصطلحات الصوفية بمنهج علمى مستقيم , كانت له منهجية منطقية راقية وقدرة متميزة فى الفهم , وكان حجة الاسلام بحق , وكنت كتبت عدة بحوث علمية ونشر معظمها فى مجلات علمية , وارجو ان تنشر فى كتاب مستقل فى المستقبل , ساتكلم الان عن نقطة صغيرة وهي انواع العلوم الشرعية عند الغزالى  ويقسمها الى اربعة انواع بحسب اهميتها وموضوعاتها : وهي الاصول والفروع والمقدمات والمتممات , ولكل علم اختصاصه ومكانته واهميته , اذن هذه العلوم ليست سواء , هناك علوم غير شرعية وهي مختلفة , ولا مجال للحديث عنها فى هذا المكان  .

المراد بالاصول هي كتاب الله وسنة رسوله واجماع الامة واثار الصحابة , اما الفروع فهي ما فهم من تلك الاصول عن طريق المعانى التى تدركها العقول , وهي قسمان : ما يتعلق بمصالح الدنيا مما تكفل به الفقهاء فى كتب الفقه من بيان الاحكام الفقهية , وهناك القسم الثانى وهو ماتعلق بمصالح الاخرة وهو علم احوال القلب , والصفات المحمودة والصفات المذمومة المتعلقة بالقلوب ..

اما القسم الثالث وهو المقدمات ويراد بها العلوم التى تجرى مجرى الالات كاللغة والنحو لانه لا يمكن فهم حكم الشر ع الا بمعرفة اللغة والنحو فالخطاب لا يفهم الا بمعرفة دلالات الالفاظ واداة ذلك اللغة ..

اما القسم الرابع من انواع العلوم فى علوم المتممات ويراد بها العلوم التى تتعلق باداء الالفاظ وادائها ومعانيها وتفسيرها واهمها علم القراءات وعلوم القرأن كالنسخ واسباب النزول والتفسير والتأويل ومعانى المفردات والمكى والمدنى والرسم القرانى , وكل ما شمله علم القران مما الف فيه العلماء وصنفوا فيه وبينوا المحكم والمتشابه فى القرأن , وهناك اكثر من ثمانين علما من علوم القرأن بالاضافة الى علوم الحديث ومصطلحه وعلم الجرح والتعديل  ..

هذا التصنيف لانواع العلوم الشرعية يساعدنا على عدم اللبس فيما يتعلق بتلك العلوم , ويجب ان نفرق بين الاصول والفروع ثم ننزل كل علم فى مكانته , فلا يقع التداخل بيين الاصول والفروع وبين ما يمكن اعتباره اصلا كالقران والسنة وبين جهد العقول خلال الاجيال وهو امر يخضع لموازين النقد العلمى وفق معايير عادلة ومنصفة غايتها البحث عن الحق , وهذا هو منهج المناظرات العلمية التى كانت تهدف الى البحث عن الحق فان كانت لاجل التميز والغلبة والجاه الاجتماعى فقد خرجت عن مسارها , ماكان من تراثنا من جهد العقول خلال الاجيال المتعاقبة فانه جهد الانسان , ويعتمد على صحة البرهان وصحة الاستدلال , العلوم الاسلامية ليست سواء فى مكانتها , ماكان مفيدا من جهد العقول فيجب الاستفادة منه وتنميته وتعميق الاهتمام به ومعرفته , وان تنصرف المناهج التربوية والعلمية فى المؤسسات العلمية الى الاهتمام به وتدريسه والاضافة اليه , وما لا يفيد فلا حاجة اليه بالرغم من اهميته كتراث علمي هو ثمرة لجهد اجيال , هناك مسائل وقضايا واهتمامات قد كانت مهمة فى عصرها وتعبر عن ذلك العصر ولم تعد الحاجة اليها , وهناك احكام بنيت على واقع وقد تغير ذلك الواقع الى غيره ,  وهناك مفاهيم بنيت على اعراف اجتماعية وتبدلت تلك الاعراف , مفاهيم العدل والظلم والسفه والضرر والاستغلال والاحتكار قد تغيرت وظهرت اشكال جديدة لهذا النوع من تلك المصطلحات , والظلم مهما كان هو المحرم ولو تجددت اشكاله والاحتكار محرم ولو تغيرت وسائله , نحتاج الى فهم الواقع لكي نقترب من فهم ما يريده الله لعباده , لا بد لثقافة الاسلام  الا ان تعبر عن القيم الاسلامية الاصيلة من غير تفريط بها , يجب ان ننظر الى الامام والى الواقع الذى نعيشه وان نفهم معنى الدين والا نعبث فى المفاهيم الاصيلة جهلا بها , لكل عصر قضاياه , وكل جيل مؤتمن ومخاطب , وهو اقدر على فهم ما يصلحه وما يحقق العدالة فيه  من المواقف والانظمة ..

 من الوفاء للدين ان نحسن فهمه كما اراده الله ..  

 

 

 

 

 

 

 

 

( الزيارات : 815 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *