الترف ..والاخلاق

 كلمات مضيئة…الترف والاخلاق

الخاطرة هي التى تولد الفكرة , ما نفكر فيه هو ثمرة خاطرة ولكن كيف تتكون تلك الخاطرة , اهم مصدر لافكارنا هي ما نختزنه فى داخلنا من ذكريات , هناك مستودع نخفيه وفيه كل ما صادفنا من احداث ومواقف , وهناك عوامل تسهم فى تكوين تلك الذكريات , انماط الحياة التى نحياها مؤثرة في افكارنا ومشاعرنا , لا شيء مما يمر بنا لا يترك اثره في تكوين افكارنا , حياة البؤس تترك اثرا في شخصيتنا وافكارنا , ما يؤلمنا لا يذهب سريعا ويظل مختزنا فى مستودع الذكريات , سلوكنا الظاهر يعبر عما فى داخلنا , ابن خلدون تحدث عن اثر الجعرافيا فى حياة الشعوب , كما تحدث عن اثر الهواء فى تكوين نفسية الانسان وانماط سلوكه , اذن ذلك الانسان هو وليد واقع كان مؤثرا فى تكوين شخصيته واخلاقه , اهم ما اهتم به ابن خلدون انه تحدث عن اثر الترف فى حياة الافراد والمجتمعات , كما اعتبر الترف من الظواهر التى تدفع الى هرم الدول والحضارات , لان الترف مفسد للاخلاق..

 وعلل ذلك فى حديثه عن الدولة صفحة 299 من المقدمة  بقوله :

فالترف مفسد للخلق بما يحصل فى النفس من الوان الشر ..فتذهب منهم خلال الشر التى كانت علامة على الملك ودليلا عليه ويتصفون بما يناقضها  من خلال الشر فتكون علامة على الادبار والانقراض بما جعل الله فى ذلك فى خليقته وتاخذ الدولة مبادئ العطب وتتضعضع احوالها وتنزل بها امراض مزمنة من الهرم..

هذه العلاقة بين الاخلاق ووسائل الكسب وحياة الترف تجعلنا نخوض فى ذلك المنهج  التحليلى لطبيعة النفس فى حال انتقالها من حال الفقر وشظف العيش الى انماط الحياة المترفة , اذن حياة الترف مؤثرة فى القيم الاجتماعية ,  وتساءلت لما ذا يضعف الترف الاستعداد للخير وينمى القابلية للشر , لان القوة الشهوانية وهي قوة غريزية تنمو بالاستجابة له وكلما وقعت الاستجابة لها فيما تطلب طمعت فيما هو اكثر من الشهوات والملذات ويكون الانصرا ف لها والاهتمام بمطالبها الى ان يقع الاستسلام لها والاعتياد عليها  وتمسك بزمام صاحبها وتتحكم فى سلوكه , وهنا تكبر المطالب ويضعف الترف مقاومة العقول فتخضع وتستسلم , وهذه هي النهايات , كل شعب تحكمت فيه شهواته واستسلم لملذاته فسدت اخلاقه , الافكار هي وليدة ذلك الواقع ,  افكار المترفين تهتم بحياة المترفين وعوائدهم وهي مهلكة , المترفون لا ينهضون مبكرا ولا يجدون ما ينهضهم من المطالب , وعندما يستيقظون من نومهم تكون القوافل قد رحلت وحملت معها كل الباحثين عن المجد من اصحاب العزائم , ما اقسى حياة هؤلاء الذين لا يشغلهم الا ما يشتهون من الطيبات  , كل الراحلين يجدون كمالهم فيما يطلبون ويجدون لذتهم فيما يزرعون ويحصدون , اما المترفون فلا ربيع لهم يستمتعون بازهاره , ولا بما يحصدون , الفكر يتجدد بالمحن والشدائد وتجارب الايام , الفكر هو الازهار التى تزرعها الازمات , من لم يمرض فلا يمكنه ان يستمتع بالصحة ولا ان يعرف قيمة تلك الصحة , من تعب فى الحصول على ما يريد فانه يحافظ عليه ويستمتع بحفظه , حياة الترف تجعل الحياة اقل نشاطا والكل ينتظر الليل لكي يجد فيه ملذاته , اما البناة فانهم يجدون لذتهم فيما يبنون وفيما يشيدون واقل ما يسعدهم هو ذلك الامل فيما يعتقدون انه الافضل ..

( الزيارات : 637 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *