متى نستانف الرحلة.

كلما مضيئة..متى نستانف الرحلة

لم يكن علم التفسير معروفا قبل عصر التدوين , لان الصحابة بفضل ما كانوا يملكونه من السليقة العربية الفطرية التى كانوا يملكونها كانوا يفهمون الخطاب القرآنى  ويفهموم معنى مفرداته ودلالة الفاظه , وقد نزل القرآن منجما لكي يسهل حفظه , لم يكن العرب اهل قراءة وكتابة , ومع ذلك فقد كانوا مخاطبين بذلك الخطاب , كان العرب فى الجاهلية يملكون ملكة لغوية تساعدهم على فهم ما خوطبوا به , لا يمكن للخطاب ان يكون خارج قدرات المخاطب به , من كان يحسن الكتابة منهم كان يكتب القران  , كانت الملكة اللغوية كافية للفهم , ولم تكن هناك حاجة لتدوين علم التفسير , وعندما ضعفت تلك الملكة اللسانية اصبحت الحاجة ملحة لبيان المعانى والدلالات , واول ما بدأ به التفسير هو تدوين الروايات المنقولة عن الصحابة والتابعين من تفسير تلك المعانى , وهذا هو الذى كان يعرف بالتفسير المأثور , اي ان المفسر يتجنب التفسير برأيه لئلا يتحكم فى الدلالات والمعانى , ومن ابرز الكتب التفسيرية التى اشتهرت بالتفسير الماثور هو تفسير الطبرى وهومن اشهر كتب التفسير الماثور , وكان ينقل عن الصحابة والتابعين ما نسب اليهم من التفسير , واستمر هذا النوع من التفسير هو التفسير الاكثر شهرة وقبولا , وقد انتشرت فى هذه الفترة التى امتدت اكثر من قرنين الروايات الاسرائيلية التى رويت عمن اسلم من اهل الكتاب وكانوا ينقلون ماكان فى كتبهم وتراثهم من الروايات , وبخاصة فيما يتعلق بقصص الانبياء ومعظم القضايا الغيبية المتعلقة بالجنة والنار والحساب مما لم يرد فى القران او السنة , واختلط الصحيح بغير الصحيح ووقعت المبالغات فى ذلك , واصبحت الروايات الاسرائيلية متداولة بين العامة , ودخلت بعض المفاهيم الى كتب التراث , مما لا يمكن الثقة به , بعض ماكان يروى لم يكن يتفق مع ثوابت الدين واحيانا يتنافى مع اصوله , وعندما بدا عصر التدوين بعد القرن الثالث دخلت هذه الروايات الاسرائيلىة فى بعض كتب التفسير , بعض المفسرين اشار الى تلك الروايات وحذر منها , ومع ذلك فقد انتشرت كما انتشر الحديث الموضوع والمكذوب في المرويات الحديثية , وقد تصدى عدد من علماء الحديث لظاهرة الوضع فى الحديث عن طريق اعتمادهم منهج التوثيق وهو الاعتماد على سند الرواية ومعرفة رجالها من الرواة , وهو العلم الذى يعرف بعلم الجرح والتعديل , وقد استطاع علماء الحديث ان يخففوا من هذه الظاهرة وكشف الرواة الذين اشتهروا بالوضع او الذين تساهلوا فى الرواية من غير توثيق لما يروونه , ويعتبر علم مصطلح الحديث من المناهج التوثيقية التى اشتهر بها علماء الحديث , المهم فى الامر انهم استطاعوا ان يخرجوا من المرويات ما لم تثبت صحته من الموضوعات  , جهد محمود ويستحق التقدير , ولا يعنى انهم لا يخطؤون , فكل الاحتمالات العقلية ممكنة ولا يقين فى البحث عن الحق  , ليس من الانصاف ان نتجاهل دور هؤلاء العلماء الذين بذلوا كل جهدهم لتوثيق الروايات , لقد ركزوا على اهمية التوثيق الاسنادى عن طريق اشتراط شرطين فى الراوى  العدالة والضبط , وكنت اتمنى ان يبذل جهد مما ثل للمتون المروية , لان الاهتمام بالمتن امر ضرورى , لئلا يتسرب الى الحديث مالا يكون صحيحا من الروايات الحديثية , علم نقد المتون علم يستحق الاهتمام , وهناك دراسات علمية نقدية تدرس النص نفسه , وتضمنت بعض كتب الحديث بعض الضوابط التى ترتبط بصحة المتن , وهذا العمل العلمى يحتاج الى فهم دقيق وتقوى وورع , ومع ذلك فهو  جهد يحتمل الصواب والخطا , واذكر ان هناك اطروحة دكتوراه اعدها الدكتور صلاح الادلبى ياشرافى  عن هذا الموضوع  فى دار الحديث الحسنية بعنوان منهج نقد المتن عند علماء الحديث وهو كتاب مطبوع , , وهناك بحوث اخرى والموضوع يحتاج لعشرات البحوث العلمية الجادة , التى تقوم بمهمة التوثيق العلمى للرواية الحديثية متنا وسندا , كما اتمنى ان نهتم بالمنهج النقدى لعلم الفقه , عن طريق دراسة ذلك التراث فى كافة المذاهب الفقهية , بعيدا عن المذهبية الضيقة او التعصب , وكان يعجبنى كتاب ابن رشد بداية المجتهد , وقد كتب الفقه بمنهجية اصيلة راقية علمية واختار بعض المواقف بالرغم من انه مالكي المذهب , كان ابن رشد  من اعظم فلاسفة الاسلام وكان يمكنه ان يوجه اهتمامه الى الفقه والاصول , واعتقد ان كان سيبدع فيما يكتبه لانه صاحب منهجية علمية متميزة , البعض يعتقد اننا فى النهاية وقد ابدعنا فى تراثنا الى حد النهاية واقو ل باننا اليوم فى بداية الطريق والرحلة مستمرة  ,  ويمكننا ان نتابع الرحلة العلمية بمنهجية ابداعية عقلانية لكي نتجاوز العقبة الى توقفنا عندها منذ وقت طويل , تراثنا الاسلامى يحتاج الى جهد عقلانى  لكي نتجاوز المنعطف الذى نحن فيه , لقد طال ليلنا ورحلت القوافل ونحن نائمون , عندما تتوقف فلا احد ينتظرك , عندما تتوقف الساعة فلا يعنى ان الزمان قد توقف , ان لم نستطع ان نسابق فعلى الاقل الا نبرر ما نحن فيه , مواصلة السير امر حتمي..

 ولكن متى سوف نستانف الرحلة ..

( الزيارات : 559 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *