الدين كما هو فى حقيقته..

نفحات روحية.

.لم اجد فيما ترجح لى بعد تاملات طويلة ذلك التباعد والتباين بين مااهتم به علماء الشريعة الذين وجهوا اهتمامهم الى الاحكام التى تبين ما اراده الله ان يكون من  الحقوق سواء منها حقوق الله فى الايمان والعبادات  او حقوق العباد فى  المعاملات التى اهتمت بتنظيم العلاقات بين الناس , وبين ما اتجه اليه علماء الباطن كما سماه الامام الغزالى , والمراد بالباطن هو العلم الذى اهتم بالاداب والاحوال فهم طبائع النفس وامراضها السلوكية وانحرافاتها النفسية  , وهذا العلم لا يراد به تلك التاويلات المتكلفة  والاوهام المتخيلة التى يعمقها الجهل , ولا يمكنها  ان تنضبط  او تلتزم بمعايير الفضيلة والحق  , نظرا لخفائها وسيطرة الاوهام على اهلها , فما لا يمكن رؤيته لخفائه وهو المقاصد والبواعث والنوايا هو ما يجب ان تتجه اليه النفوس لبلوغ كمالها فيما قامت به من ظاهر الاعمال , ما تخفيه النفوس لا يمكن الاحاطة به ولا ادراكه , وهو الذى يؤدى الى تصحيح الاعمال الظاهرة , اول ما يعانى منه مجتمعنا هو ذلك الجهل بالمقاصد والاستجابة لاهواء النفوس فيما اتجهت اليه , العلم بالتعلم والاكتساب ولا يمكن لاحد ان يدعي العلم مع جهله به , ولا ثقة بجاهل مهما بلغ صلاحه ولا عذر لجاهل فيما تجاوز فيه او ادعاه من سيء الاعمال  , فالصلاح لا يعنى ان يحسن صاحبه فهم ما يحتاج الى علم , والاوهام لا يحتج بها اذا خالفت ما اتجهت اليه العقول الراجحة ,  وهناك طريق اكتساب للعلم فمن لم يتعلم فلا يوثق بما يدعيه من المعرفة لان الوهم يتحكم فى كثير من الناس , العلم هو البداية ولا اقصد بالعلم هو الكتاب وحده فمصدر العلم التجربة الانسانية التى تعلم الانسان ما يجب ان يعلمه ولكل علم اهل اختصاصه ولا رأي لغير اهل الاختصاص فيما علموه ,  , الحقوق الشرعية  لا يمكن ادراكها الا بالعلم وجودة التعليم والتكوين ولا بد من اعادة الثقة بالعلم الذى اداته العقل الذى يقود صاحبه الى التمييز بين الحق والباطل والحسن والقبح , العلم والعقل كفيلان بان يمكنا الانسان من الفهم الصحيح  , ولكن هناك امر اكثر اهمية وهي الغرائز الفطرية وهي قوى مهمتها ان تخدم الانسان وتمكنه من بلوغ الكمال فيما يحتاجه , ولولا هذه القوى الغريزية لما استقامت الحياة , وموطن الغريزة هي النفوس وهي ليست كالاجسام , فالاجسام مدركة وهي ظاهرة ومنضبطة ويمكنك ادراك ماهيتها وملامحها , بخلاف النفوس فلاتدرك حقيقتها ولهذا يفرق اهل العلم فى مفهوم الطهارة بين طهارة الاجسام وطهارة النفوس , فطهارة الاجسام من النجاسات الظاهرة وتطهر بالماء او التراب , اما طهارة النفوس فانها تحتاج الى معرفة بطبيعة النفس وما تنطوى عليه من اسرار , فالاجسام اذا مرضت تعالج بالادوية ولها اطباؤها وتظهر على الاجسام العلل والامراض , اما النفوس فلا يمكن ادراك امراضها بالحواس الظاهرة , لان قواها خفية , فمن تسلطت عليه اهواؤه فلايمكنك ان ترى ذلك بحواسك وانما يمكنك التوصل اليها عن طريق التامل فى السلوك واكتشاف ذلك المرض , مرضى الاجسام يحتاجون الى علاج يشفيهم ومرضى النفوس يحتاجون الى علاج ايضا , ومن المؤسف ان الفقهاء تحدثوا كثيرا عن الاحكام الظاهرة ولكنهم لم يتحدثوا عن الامراض النفسية واثرها على اصحابها , النفوس اذا مرضت تصرفت بطريقة مرضية وكان لذلك اكبر الاثر فيما يصدر عن تلك النفوس من افكار وسلوكيات , ومن اهم امراض النفوس سيطرة احدى الغريزتين على الانسان المكلف , غريزة الشهوة وتؤدى الى الطمع المرضى الذى يدفع صاحبه الى سلوكيات خاطئة وعدوان على حقوق الاخرين , الفساد مصدره الطمع , والطمع عندما ينمو ويكبر يصبح خطرا على كل الاخرين وبخاصة المستضعفين الذى لا يملكون القوة التى تمكنهم من التصدى لطغيان الاقوياء عليهم فيما هو حق لهم , وهناك غريزة الغضب التى تؤدى الى الحقد والكره والبغضاء والعدوان والايذاء والانتقام , عندما يفسد الباطن فمن المؤكد  ان يكون السلوك فاسدا , مانراه اليوم فى مجتمعنا من عدوان هو ثمرة حتمية لسوء فهمنا لما يريده الدين من الانسان , عندما نفهم الدين جيدا تصلح الاعمال الظاهرة  , الدين يعلما ان نكون اكثر انسانية وان نحب كل الآخرين لا نقتل ولا نعتدى على اي حق من حقوق الآخرين , لا لانريد العلم لذاته وانما نريده ان يكون مشعل نور يضيء ليلنا ويخرجنا من ظلام الجهل والتخلف , عندما ننكر على مجتمعنا ما يفعله من المنكرات والمفاسد واهمها الظلم والطغيان ومظاهر الفساد  فهذا دليل اننا لسنا فى الطريق الصحيح , لا يمككننا ان نطالب باصلاح الآخرين الا اذا بدأنا بانفسنا , العدالة مطلب اجتماعى وضروى ولكن العدالة لا يمكن ان تكون انتقائية ولا مجزأة وليس المراد بها الانتقام من الأخرين , التربية الاخلاقيةليست امرا منفصلا عن الحياة , اننا نحتاج اليها لكي تكون الحياة اكثر رقيا وجمالا , لا يمكننا ان نرفع شعار الدين ولا نلتزم بثوابته الاخلاقية وقيمه الانسانية , عندما نفهم الدين كما اراده الله نلتزم به كما هو فى حقيقته  ولا نسخره لاهوائنا ومصالحنا ,   واهم  مقاصده  الايمان بالله والعمل الصالح وتحريم الظلم والطغيان والعدوان والدعوة لاحترام كل حقوق الانسان فى الحياة والكرامة والتكافل للتخفيف من معاناة الانسان..   

( الزيارات : 1٬108 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *