الفقه الاسلامى ماكان وما سيكون..

  ذاكرة الايام..الفقه ماكان وما سيكون.

اهم مالفت اهتمامى فى الفقه المالكى هو اهتمام فقهاء المذهب بفقه العمل والنوازل الفقهية , وكنت كتبت عن فقه العمل فى الفقه المالكى فى مقالة علمية نشرتها مجلة العربي الكويتية ,  ثم كتبت مقالة اخرى عن النوازل الفقهية وهي منشورة ايضا , وفقه العمل  هو ما يسمى عند فقهاء المالكية  بماجرى عليه العمل فى المذهب , وقد تعدد العمل متأثرا بمكانه وزمانه ومجتمعه وبيئته والاعراف المتبعة فيه , ويقال العمل الاندلسي والعمل الفاسي والعمل الرباطى , وماجرى عليه العمل يحتج به ويعتبر ملزما وكانه مشروط من قبل , وقد اشرفت على اطروحة دكتوراه لابرز طلابي العلامة الحجة الدكتور عمر الجيدى وكان من اكثز طلابى الذين كنت اتوسم فيهم ان يكونوا من اعلام العلماء فيما تخصصوابه , كان الدكتور عمر الجيدى من ابناء الشمال المغربى , وكان فقيها حجة فى المذهب والف عدة كتب اعتبرها من افضل الكتب مادة علمية ومنهجا , وكانت اطروحته بعنوان فقه العمل فى المذهب المالكى وقد طبع هذا الكتاب المتميز وكتبت له مقدمة لهذا الكتاب الهام الذى نشرته وزارة الاو قاف فيما اذكر  , وقد اسعدنى ان اجده بعد عشر سنوات  الى جانبى استاذا متميزا يناقش اطروحة الدكتوراه لاحد الباحثين الاخرين  , وانتقل هذا الاخ الى رحاب الله فى قمة عطائه وحزنت عليه , انه من اعلام دار الحديث واقربهم لى محبة ووفاءا وكنت فخورا به  , وقد اكرمه جلالة  الملك بوسام ملكى كان جديرا به , وهناك كتاب اخر له  عن اصول المذهب المالكى وهو مطبوع ايضا , كنت اجد فى فقه العمل فهما عميقا لاثر المجتمع فى اختيار الرأي الفقهى الذى يراعى مصالح ذلك المجتمع ولو كان هذا الرأي مرجوحا فى المذهب , واذكر ان احد طلابى اراد ان يدرس موضوعا مهما عما جرى عليه العمل فى غرناطة الاندلسية  بعد سقوطها وكان المسلمون يخفون اسلامهم عن الفرنجة الذين كانوا يضطهدون كل مسلم يظهر اسلامه من اهلها  , ولا بد لهم من فقه يعبر عن قضاياهم كما هي فى مجتمعهم وكما يمكنهم ان يقوموا بها , ومما لفت نظرى ان الجالية الاسلامية فى المجتمعات الاوربية اليوم لها قضاياها ومشاكلها , وقد لفت نظرى ماطالب به الصديق العزيز الدكتور محمد البشارى رئيس المجلس الاسلامى الاوروبى ورئيس الفيدرالية العامة للمسلمين فى فرنسا من طرح فكرة فقه الاقليات ويريد بها ما يتعلق بالمسائل الفقهية التى تهتم بقضايا هذه الاقليات , وقد تحدثت كثيرا مع الاخ الدكتور بشارى وهو من المعنيين بامر هذه الجاليات الاسلامية وبخاصة فى فرنسا  , وهذه الجاليات لهم قضايهم ومشاكلهم واهتماماتهم وهي مشاكل حقيقية فى مجتمعاتهم التى يعيشون فيها , واذكر اننى حضرت مؤتمرا مهما دعانى اليه الاخ بشارى فى باريس للتحضير لمؤتمر عن تلك المشكلات وحضر المؤتمر رؤساء المراكز الاسلامية فى اوروبا وممثل عن الحكومة الفرنسية,  وكان ذلك فى اواخر القرن الماضى , ولا يمكننا تجاهل المجتمع فيما يحتاج اليه ولا يضيق فقهما الاسلامى بقضايا مجتمعاتنا الاسلامية فى كل مكان  ,وكنت اتابع بتقدير جهود الاخ الدكتور بشارى فى فرنسا وكنا نلتقى باستمرار فى مناسبات كثيرة , وكنت اتابع قبل ذلك مشكلات الجالية الاسلامية فى بلجيكا وحضرت عدة لقاءات ثقافية فى بروكسل فى المركز الثقافى فيها , قضايا الجاليات الاسلامية فى اروربا تستحق الاهتمام وهي مشكلات الاندماج والحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية وهي معادلة صعبة ومكلفة وتعانى تلك الجاليات من اثار تلك المشكلات واليوم تزداد صعوبة وتسهم توترات المجتمعات  الاسلامىة فى تضخيمها وقسوة آثارها  , وهناك نوازل فقهية كثيرة وقد اهتم الفقه المالكى فى هذه النوازل المستجدة وهي كثيرة جدا فى المجتمعات الاسلامية وفى مجتمعات الجاليات الاسلامية فى الخارج ومن المؤسف ان مجتمعاتنا تتجاهل ما تعانى منه تلك الاقليات فى بلاد قد لا تلمس لهم العذر فيما هم بحاجة اليه من التمسك بخصوصياتهم  , وكنت الاحظ ان كل عصر كانت له نوازله الفقهية المستجدة والتى تحتاج الى فهم لها واجتهاد لاستنباط الرأى الفقهي لها بما يدفع الحرج عنهم فى حياتهم  , وكنت الاحظ ا ن ائمة الفقه الاوائل كانوا يعترفون باهمية المستجدات فى المجتمعات التى تواجه واقعا مختلفا عما كان فى ظروفه الاجتماعية واوضاعه السياسية والاقتصادية, ولا يمكننا تجاهل ذلك فى تأثيره على المفاهيم والقيم والاعراف ,  ونجد مثل هذا فى فقه الائمة الائمة فى القرنين الاولين  وبالاخص مدرسة العراق التى كان من ابرز رموزها الامام ابوحنيفة الذى اسهم فى تعميق فقه اهل الراي فى العراق  المعروفة بمدرسة الرأى التى تقابل مدرسة الحديث التى نسبت الى الامام مالك بن انس الذى  وضع لها اصولها واعتمد فى كل ذلك على الحديث الذى جمع ما صح لديه فى كتابه الموطأ الذى يعتبر المدونة الاولى الحديثية والفقهية فى جهد مشكور للتاكيد على اهمية الرواية والتمسك بالسنة النبوية وعمل اهل المدينة الذى يعتبر اصلا من اصول الفقه المالكى ,وعندما نحرص على خدمة الفقه  الاسلامى كوحدة متكاملة وكجهد علمي اصيل يعتمد على مصدرية واحدة هي الوحي الالهي والاجتهاد العقلى  فالطريق الى ذلك معبد اذا  حسنت النوايا وتمكن الاخلاص من النفوس بعيدا عن التعصب الجاهل والتنافس والتغالب على الدنيا والمصالح والتطلع الى المجد الموهوم فى ظل جاهلية الجهلاء من اتباع تلك المذاهب ,  والفقه قديما وحديثا يحتاج الى امرين العلم والتقوى وهما ركنان اساسيان  , ولا يستقيم الامر بدونهما معا , فمن اهتم بالعلم وحده فقد اساء وضل عن الطريق وابتدع فى الدين ماليس منه وفرط وتساهل وكان اجتهاداته منقوصة لانعدام التقوى في القلوب  , ومن رفع شعار التقوى واهمل العلم ولم يعتمد عليه فقد اساء وانحرف عن جادة الحق والصواب مهما كان ورعه فطريق العلم هو العلم ولا ثقة بجاهل فيما يدعيه من اوهام الجهل المتخيلة والمدعاة  , الصلاح لا يكفى اذا انتفى العلم فيمن يتصدى لقضايا الفقه ,  ولا يوثق برأي من ليس من اهل العلم لانه ينحرف ولا يكتشف انحرافه ويظن توهما انه على الحق  , وهذا كثير فى تاريخنا وواقعنا وهذا هو الذى الى كثير من  التاويلات الباطلة , ومن المؤسف ان عامة الناس يكتفون بالتقوى ويتجاهلون اهمية العلم واحيانا يضعفون الرأى العقلى ويشككون فى قدراته بادعاء التأويل الذى يخالف الدلالات اللغوية التى لا يمكن للنص ان يفهم الا بها  , فلا رأي لغير اهل العلم فى مسائل العلم واهل العم هم اهل الاختصاص , ولا يبنى الرأي الفقهي الا اذا اعتمد على رأي اهل الاختصاص وبخاصة فى المسائل التى لا يعرف حقيقتها الا اهل الاختصاص فيها , فلا رأى للفقهاء فى غير ما اختصوا به وهناك الكثير مما يمكن ان يكون مجهولا لهم  , ويؤخذ براي  اهل الاختصاص ويبنى عليه الحكم الفقهي , ولكل عصر فقهاؤه وهم اعلم بقضاياه ولكل مجتمع علماؤه ,  فالحكم الفقهي يجب ان يبنى على فهم عميق واصيل بالنوازل والوقائع المستجدة او ما ارتبط حكمه بمصالح احتماعية مما اناط به الشرع الحكم به , لا نحتاج لمن يحفظ الاحكام ويرددها فى المجالس والمنابر الاجتماعية  وانما لمن يفهم النص الذى يحكم تلك المسائل ثم يفهم جيدا  ما يعرض عليه من تلك المسائل لكي يختار الحكم الشرعي الذى يحقق المقاصد المرجوة من ذلك الحكم ..واكرر ما سبق ان قلته امام الملك الراحل الحسن الثانى فى اول درس لى امامه فى الدروس الحسنية :  الفقه الاسلامى ما كان وما سيكون.. ومهمة كل جيل ان يسهم بجهده فى مسيرة هذا الصرح الفقهي ,  وبهذ الجهد العلمى الاصيل  يكون التفاضل بين الاجيال.     

( الزيارات : 1٬139 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *