تأملات فى خطاب التجديد..

 

ذاكرة الايام.. خطاب التجديد والمراد به..

من اهم ماكان يلفت نظرى فى حياتى العلمية ان معظم الناس يخشى من كلمة التجديد,  ويعتبر ان التجديد هو التنكر للماضى وهو مصطلح يراد به تخطى النصوص والثوابت وتجاهلها , وهذا مفهوم فى غاية الغرابة,  وكنت اتساءل مع نفسي  وأقول لماذا يخشى مجتمعنا من التجديد , لعل بعض من رفع شعار التجديد كان يريد ذلك , وهناك الكثير ممن يريدون ذلك المعنى  , مازال مجتمعنا يخشى  ممن يكيدون له من خصومه , وهذا حق ولا يمكننا انكار ذلك , الاسلام بالنسبة لمجتمعنا هو عقيدة وايمان  وهو هوية انتماء , وثقافة الاسلام هي ثقافة شعبنا , ولا يمكن لاحد ان يتجاوز الثوابت الاسلامية التى جاءت عن طريق الوحي والبيان النبوي , هذا امر لا يقبل النقاش ابدا , ومن اراد ان يتجاهل ذلك فلا يمكنه ان ينسب الى الاسلام , هذا هو الاسلام , الاسلام ليس ثقافة وضعية يمكن تغييرها , التجديد لا يعنى ابدا ان تخالف نصا قرآنيا او هديا نبويا , ليس هذا هو الخلاف المطروح وليس هو القضية  , المراد بالتجديد هو تكوين ظروف الاستمرارية للفكر الاسلامى الذى هو نتاج العقول التى ارادت على امتداد تاريخ الاسلام ان تضيف الى هذا الفكر تفسيرا لنصوصه ماتراه معبرا عنها من الدلالات و التطبيقات واوجه البيان المحققة للمقاصد والملا ئمة للمصالح , وهذا جهد انسانى متواصل وكل جيل اسهم فى هذا الفكر بما رآه معبرا عنه ومفيدا , وكل جيل اضاف لبنة صغيرة او كبيرة الى هذا الصرح من ثقافتنا , ثقافتنا تعتمد على مصدرين اثنين هما الوحي وطريقه النبوة , والعقل الانسانى الذى يضيف ما يراه مفيدا , لقد ازدهرت علوم الاسلام بفضل جهد العقول , لا شيء من جهد العقول لا يحتمل الخطا وهو محكوم بزمانه ومكانه وما يحيط به , ولكل مجتمع خصوصياته , التجديد لا يكون فى الاصول ولا الثوابت ولكنه ينحصر فيما هو متروك للانسان , عندما نعتبر جهد العقول مما لا يقبل التجديد والتغيير جعلناه فى مرتبة ماهو مقدس من النصوص وهذا خطأ فى الفهم فلا عصمة لغير الانبياء ,  العقول متفاوتة فى قدراتها وفى تأثرها بزمانها وبما حولها , ولا يكلف الله العقل بما لا قدرة له عليه من الحق , واقصى ما يمكنه ان يبحث عن الحق ان استطاع , فان لم يستطع فيجتهد فيمن يترجح له انه الاعلم بالحق من اهل العلم والتقى ممن يشعره بالسكون والطمانينة , لا بد من التقليد فيما لاتعلم , وكلنا نقلد اهل الاختصاص فيمانجهله من الامور , ويجب ان تطمئن القلوب  لمن تقلده وانه الاصدق والاعلم بالحق فان ترجح لك انه ليس على الحق فلا يحق لك تقليده , الاجتهاد هو بذل الجهد الممكن للتوصل الى الحق او ما يترجح لك انه الحق , لكل عصر قضاياه ولكل جيل اهتماماته , واهل كل جيل هم مؤتمنون على عصرهم واختيار ماهو اقرب اليهم وما يحقق مصالح مجتمعهم بما يتفق مع المقاصد التى ارادها الله لعباده من الثوابت التى تكفل تحقيق العدالة والامن والسلام , الظلم محرم والعدوان كذلك وكل ما يؤدى الى ذلك فهم محرم واشكال الظلم ليست واحدة ولكل عصر مفاهيمه للظلم ويتسع مفهوم العدالة ويتسع لكي تكون العدالة اكثر سعة وارقى دلالة , الظلم محرم مهما كان , قد يتسع مفهوم الظلم ليشمل صورا من انواع السلوك يراها مجتمعها ظالمة , كل المفاهيم تتجدد لكي تلائم عصرها , لا يمكن للفكر الانسانى ان يتوقف مادامت الحياة مستمرة , قد يتراجع الفكر وقد يتخلف عن عصره وقد يتطور فى مجتمع ويتخلف فى غيره , المفاهيم يجب ان تلائم عصرها , وعلماء كل جيل هم اولى بعصرهم واقدر على فهم المواقف التى يختلف الحكم فيها باختلاف كل عصر وجيل , كنت اشعر اننا نكتب عن امم مضت ونهتم بقضاياهم ونتجاهل قضايانا , لا يمكننا ان نعيش فى عصر ونتجاهل اثره فينا , جهد العقول يستحق التقدير بعضه يعبر عن عصره وبعضه قد يتجاوز عصره اويتخلف عنه  , عندما نحترم الانسان حرية وكرامة نختار له من الافكار ما توفره له هذه الحرية والكرامة , ما لا يتجدد من جهد العقول يتوقف ويستغنى عنه ويصبح تراثا يعبر عن عصره , المجتمع الانسانى يتقدم الى الامام وما كان فى الماضى كماليا من الحقوق قد تصبح ضرورية ولا بد منها , وفى ظل اتساع مساحة الثقافة اصبح الانسان اكثر شوقا لما يرتقى به من الحقوق , لا بد الا ان تتطور الانظمة فى المجتمع لكي تكون اكثر تعبير ا عن العدالة والكرامة والحرية , الانسان اليوم اكثر فهما للحياة واكثر الحاحا فى المطالبة بما يعتقده حقا من حقوقه , لقد انتهت العبودية كنظام ويجب ان تنتهي كواقع اجتماعي , الكرامة لكل انسان وحق الحياة لكل العباد ولا احد اولى بالحياة من الاخرين , ما كان من الحقوق فلا يمكن تجاوزه وتجاهله فى عصرنا , هناك من يطالب بكل حقوقه ويمكنه ان يرفع صوته محتجا  , الدولة لم تعد كما كانت فى الماضى , تغيرت ملامحها عما كانت عليه , لم تعد القوة هي العامل الاهم فى قيامها وانما الارادة والتفويض , والثروة لم تعد كما كانت فلا يمكن ان يبرر الظلم باسم الدين ولا القتل ولا العدوان , عندما نحترم كل الاخرين فنحن افضل عند الله وعندما نظلم او نعتدى فنحن ابعد عن الله , كنت اتامل فى كل ذلك عندما كنت اتحدث عن مفهوم الثقافة الاسلامية كما هي فى حقيقتها وكما يجب ان تكون فى نظر مجتمعنا , ليس المهم ان يكثر عدد المسلمين فى الارض وانما المهم ان يكثر عدد الصالحين الذين يحبهم الله ..

( الزيارات : 706 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *