الدين والانسان

كلمات مضيئة..الدين والانسان

كثر النقاش فى مجتمعنا المعاصر وبخاصة فى المجتمعات الاسلامية بين التبارات المختلفة الاسلامية والعلمانية , وهو حوار قديم جديد  من بداية القرن الماضى , واليوم هو على اشده وبخاصة فى الاوساط الجامعية والعلمية  وامتد الى وسائل الاعلام واصبح هو القضية الاولى , المفكرون العلمانيون اعتبروا قضية الدين والمجتمع هي القضية الاولى ولا شيء سواها  , والتقطوا الكثير من الظواهر السلبية واعتبروا الدين هو ما عليه العامة  من المعتقدات والاعراف والتقاليد , وهناك الاسلاميون وهم اصحاب مناهج مختلفة , اتجاهات سلفية وجماعات صوفية  وتنظيمات  سياسية , وهناك طوائف ومذاهب مختلفة , العلمانيون يرون ان العقلانية التى ذهب اليها فلاسفة الغرب قد انهت دور الدين واوجدت العقل كبديل عنه وفرقوا بين الايمان الطبيعي وبين الدين  كرسالة الهية   , وهذا العقل يمكنه ان يكون هو المرجعية التى يمكن الثقة بها لاختيار ما يحتاجه الانسان  من اخلاقيات وان الانسان بما يملكه من قدرات يمكنه ان يستغنى عن الله بعقله وارادته  , والعقل وحده هو الذى يدفع الانسان لاكتشاف الاخلاق التى يحتاج اليها , ذلك تصور قاصر من الناحية الواقعية , فما يمنحه الدين للحياة وللانسان من اسباب تقدمه ورقية وللقيم الاخلاقية لا يستطيع العقل ان يحققه ولو عمل له طويلا  , الدين حقيقة ايمانية وحاجة روحية  لا يمكن ان تنفصل عن الوجود , الايمان  بالله تمنح الانسان شعورا بالطمانينة والسكون وتعطى للحياة معنى روحيا وهو معنى العبودية لله تعالى وان الانسان هو فى رعاية الله وان الله قريب من عباده , وهو الذي يلهمهم الخير ويثيبهم عليه , وهو الذى يرزهم ولو ضاقت عليهم حياتهم ويرفع عنهم الظلم ويعينهم على من يظلمهم , وهو الذى اذا ضافت عليهم السبل دعوا الله ان يفرج عنهم , اليس هذا مما يحتاج اليه الانسان , مانراه فى مجتمعنا ليس هو الاسلام ولا يصلح حجة للاستدلال به , نحتاج الى تصحيح المفاهيم الاسلامية لكي تعبر عن مدى حاجة الانسان الى الدين الحق  , الدين لا يعنى التسليم بماهو  قائم فى المجتمعات الاسلامية من مفاهيم ونظم ومظالم وتخلف وطبقية واستبداد , الانظمة المتخلفة لا تعنى انها الاسلام ولو رفعت شعاره , تكلمت كثيرا عن الانسان المكلف والانسان المؤتمن , التكليف يعنى الثقة بالعقل والاحتكام اليه , والانسان المؤتمن هو الذي يتحمل مسؤولية القيام بما امره الله به من اوامر تكليفية , وهي لا تقتصر على العبادات , وانما تشمل كل ما امره الله به من الاوامر الالهية التى تتعلق بحقوق الاخرين فى حياتهم واموالهم وكرامتهم , واهم ما امر الله به  ان يكون الانسان مؤتمنا على ما  اودعه الله فيه وما اودعه لديه , فلا يتصرف فيما اودعه الله لديه  من القدرات فيما حرمه الله عليه , وعليه ان يحفظ سمعه وبصره عن كل محرم وان يقوم بحق بدنه عليه فلا يدفع نفسه الى التهلكة ولا يقصر فى حق نفسه ولا يتصرف فى حياته بما حرمه الله عليه , وفى نفس الوقت ان يكون مؤتمنا على ما اودعه الله لديه من الاموال والملكيات , فهي امانة فى يده , فلا ينفق منها فيما حرمه الله عليه ولا يسرف ولا يقتر ولا يستثمر ذلك المال في طريق حرمه الله عليه سواء كان فى احتكار اوربويات او استغلال او اضرار , وان يخرج من ماله ما فرضه الله عليه من حق الفقراء والمساكين , المال مال الله والانسان مؤتمن على ما يملك وتلك ملكية ليست مطلقة , وهي مشروطة بالا تكون فى معصية , الانسان  مستخلف على ما يملك ومؤتمن , وما كان لله فهو لكل عباده ويقسم بينهم بالمعروف ولا احد يظلم فى حق من حقوقه , لا تمايز بين الامم والشعوب والقوميات والقارات , وما كان فى الطبيعة فهو من الرزق الذى جعله رزقا لكل الناس , لا فردية تهدد امن المجتمع واستقراره,  ولا طبقية تخالف تعاليم الدين ولا حرية فيما حرمه الله عليه  من انواع الحريات الفردية , واكتناز الاموال بيد الاغنياء هو امر مذموم , والملكيات الفردية  الناتجة عن كسب غير مشروع هي من الفساد فى الارض , الرحمة ليست خيارا ناتجا عن قرار عقلي وانما هي امر الهي فمن لم يعمل به فهو اثم , وقساة القلوب لا مكان لهم عند الله , والعدالة واجب دينى والظلم امر محرم , مصدر الرحمة ليس هو العقل , وانما هي القلوب الرحيمة التى ارادت ان تفعل الخير لان الله امرها به , هل يمكن للعقل وحده ان يجعل الانسان اكثر رحمة واقل جورا , اما ظاهرة التقليد التى ادت الى ذلك الجمود والتعصب والصراعات المذهبية فليس مصدرها الدين , وانما هي من الجهل بحقيقة الدين , كل ما توصل اليه العلم فهو فى موطن الاحترام , ومانراه من محنة بعض العلماء فهو لا سباب سياسية وليست دينية , ولا اكراه فى الدين وتحترم كل الاديان فى المجتمعات الاسلامية , وعاشت الاقليات غير الاسلامية فى المجتمعات الاسلامية ولم تهدم كنيسة ولم يضطهد احد بسبب دينه على امتداد تاريخ الاسلام , كانت الصراعات فى المجتمعات الاسلامية لا سباب سياسية ولم تكن لاسباب دينية , عندما نتابع اخبار الصراعات الفكرية نتاكد ان حرية التفكير ليست منقوصة , اما ان يكون المجتمع مع الاسلام وضد العلمانية فهذا خيار ارادى وقرار اجتماعى ولا وصاية لاحد على اختيار الشعوب فيما تراه الافضل لها , تركيا اليوم بعد مائة عام من العلمانية اختارت الاسلام ولم تجبر عليه , ليس الطريق للتجديد والتصحيح الدعوة الى محاربة الاسلام فهذا طريق يرفضه شعبنا , لان الاسلام ليس اسلام التاريخ ولا اسلام الواقع الذى نعيشه , الاسلام هو رسالة الله الى عبادة وهو اكثر رسوخا من كل توقعات الذين يريدون اضعاف الاسلام فى النفوس , وكلما اشتدت حملة الاساءة للاسلام كان التعصب للاسلام اقوى , الاسلام بكل مذاهبه وطوائفه هو الاسلام , ولكل فريق ادلته واختياره , من احسن من هؤلاء فله اجره , وكل الاخرين لهم حقوق لا يمكن ان تنتقص , وهم افراد الاسرة الكونية التى يجب ان تتكافل للدفاع عن الحياة واحب الناس الى الله من امن وعمل صالحا ..    

( الزيارات : 563 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *