الربيع لا يكون قبل الخريف..

 

كلمات مضيئة ..الربيع لا يكون قبل الخريف.

تتردد فى احاديثنا وفى اعلامنا كلمة الربيع العربي , وهناك من يقول انه قد نجح او فشل , وهناك من يتصدى له ويوقف مسيرته , كنت أتامل فيما كنت اسمعه فى المجالس  والاعلام  والتمس العذر لاصحابه فيما يقولون ويرددون , وهذا يدل على اننا نحتاج الى قراءة التاريخ من جديد , يوم عاصف فى حياة امة لا يمكن ان يكون ربيعا , الربيع هو الفصل الذى تشرق فيه  الشمس جميلة دافئة وتنبت فيه الزهور , فلا اوراق تتساقط فى الربيع ولا عواصف رعدية , الربيع قد يحتاج الى وقت طويل ولا بد فيه ان ينتهي فصل الخريف اولا ثم يكون الشتاء وهو شهر الزرع والمطر , ما ابعدنا عن الربيع ونحن ما زلنا فى اليوم الاول من الخريف , عاصفة اولى مرت علينا وهناك ايام اخرى كثيرة سوف تكون , وسوف تشتد العواصف وتتساقط كل الاوراق اليابسة التى ادت مهمتها واعطت ما هي مكلفة به لا شيء يكون فى خارج زمانه  , كل ما مر بمجتمعنا حتى اليوم هو يوم عاصف تساقطت فيه اوراق كانت متهالكة آيلة للسقوط ,  ومازالت الاوراق الصفراء الاقوى  ممسكة بشجرها ومتحدية كل العواصف الخريفية , سقوظ ورقة واحدة لا تعنى شيئا , عندما يكون الربيع فلا احد يمكنه ان يمنعه او يوقف زمانه وموعده  , لم نزرع حتى اليوم حبة قمح واحدة فكيف نتحدث عن الربيع  كيف ينجب الحالم ولم يتزوج  او يبلغ رشده , اين المطر وما زالت السحائب تمر فوق ارضنا عابسة غاضبة منذرة وليست مبشرة , ليس من حقنا ان نبحث عن الربيع او نحلم به فامامنا الكثير الكثير من المراحل , الخريف ما زال فى يومه الاول , قد يمتد عقودا وقرونا , تعلمت من تاريخ الاندلس الكثير , كان الازدهار وجاء الخريف وطال زمانه وامتد اكثر من اربعة قرون ولم يتجاوزوه , فى خلافات دوله وترف مجتمعاته وغفلة اهله وتمكن سفهائه من سياساته , لم ينفعهم ابن تاشفين عندما دافع عنهم ورد العدوان عنهم فى الزلاقة ,  ولم توقظمهم المحن والنكبات , وتساقطوا واحدا بعد الاخر , اربعة قرون فى خريف لم تهطل فيه المطر ابدا فى ارضهم  ولم تنبت فيها  الورود والزهور لعلهم يحلمون كما نحلم اليوم ان النصر آت لامحالة ونصر الله لا يكون الا لمن استحق النصر من الصالحين والصادقين من عباده والصالح هو الانفع لعباد الله لا يظلم احدا ولا يفسد فى الارض  , يوم عاصف فى حياة امة لا ياتى بربيع ابدا ولو تساقطت كل الاوراق الصفراء فيه , مازالت الاوراق الصفراء هي الاقوى والارسخ , ما سقط من الاوراق لا يعود ولكن لا ربيع االا توفت اسابه  , هذه سنة الله فى التدبير , ولكن دعوا الربيع جانبا واقرؤوا التاريخ من جديد , خريفنا فى يومه الاول فلا تستعجلوه , هناك منعطفات ومحن ما زالت لم يات موعدها بعد , كل ما استطيع قوله ان الزمان لن يعود كما كان , فى الخريف  لا تنبت الازهار , هناك ماهو قادم قد يكون اكثر ضجيجا واشد ايلاما ولا بد منه  , ان نكن مستعدين للا فضل فلن يأت ذلك الافضل , الاحلام لا تصنع مجدا ولا تبنى قصورا , لسنا شعراء نحلم ويكبر الوهم فينا الى ان نصدقه , الذى يصنع المجد هو المواطن المؤهل لصناعة ذلك  المجد , التغيير الذي سيكون ليس هو اسقاط نظام والاتيان بمثله , ليس هذا هو التغيير المطلوب , وانما المهم ان يكون التغيير فى الواقع كله لكيلا يتكرر ماكان من قبل , سقوط نظام سياسي لا يعنى انه النهاية , هناك رحلة الى الافضل ولا بد الا ان تكون بمواطن اكثر وعيا ونظام اكثر عدلا يحترم فيه المواطن ويكون البناء سليما لا اعوجاج فيه , ما ورثناه من اسباب التخلف ما زالت راسخة وما زال تصورنا للافضل قاصرا , التغيير اما ان يكون او لا يكون , التغيير الكامل الذى يعيد صياغة الانسان  اولا والمجتمع ثانيا , نحن نسخر من انفسنا حينا ونخادع انفسنا حينا اخر عندما نعتقد ان الخلاص هو استبدال نظام بنظام او استبدال رجل برجل لا يختلف عنه فهذه سذاجة  , منذ مائة عام بعد الاستقلال وهناك عشرات التجارب والحكومات , شعارات متتابعة لا دلالة لها , كل انواع الانظمة كانت فى مجتمعنا وكلها حكمت وفشلت , لانها لم تكن صادقة ولم يكن هناك شعب يراقب ويحاسب , كنا نصفق لكل حاكم مهما كان ذلك الحاكم ولو كان مغتصبا  للسلطة , كل الايدلوجيات كانت فى ارضنا وكلها فشلت وانكشفت وكانت تخفى ما تخجل منه من مواقف وانحرافت وارتباطات , كنا نريد حكومة وطنية تعبر عن ارادة شعبها وتكون صادقة امينة ملتزمة , كل حاكم كان يعتقد انه الافضل وهو المصلح وهو الزعيم ويجد بسهوله من يصدقه ويصفق له ويجد من الشعراء من يمدحه ومن الكتاب من يدافع عنه ومن العلماء من يفتى له بما يريد , ما ايسر ماكان يبحث عنه كل حاكم  ولو كان مغتصبا لسلطة اوجاهلا بكل ما هو مطلوب منه ,  الربيع قادم لا محالة ولكن لا تستعجلوه , ان لم تنته الخريف بكل اوراقه الصفراء التى لا يمكنها ان تصمد امام العواصف والرعود فلا تحلموا بالربيع ولا تفكروا فيه  , كل ما جرى هو يوم عاصف اسقط اوراقا كانت متهالكة , وما زال الخريف لم يبدأ بعد , التحولات الكبرى تحتاج الى قرون من الاعداد , عندما يكون الاستبداد فى الانظمة السياسية والظلم فى الانظمة الاقتصادية والجهل فى الانظمة التعليمية فمن الصعب علينا ان نتوقع الافضل وكل بديل سيكون امتدادا لما قبله وقد يكون اسوأ منه , ليس هذا هو المطلوب , نريد الاقلاع مما نحن فيه الى ما هو افضل فهما للحياة , ونهوضا باسبابها معتمدين فى ذلك على الانسان اولا والعلم ثانيا , اداتنا فى ذلك ان نستخدم العقل الانسانى ولا نعطله ونفهم معنى الحياة التى ارادها الله ان تكون اكثر انسانية وعدالة ورحمة ..

( الزيارات : 1٬070 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *