السيد النبهان ورسالة الكلتاوية

 ذاكرة الايام..السيد النبهان ورسالة الكلتاوية

كانت الكلتاوية النبهانية. في الخمسينات من القرن الماضى منبرا. اسلاميا  ثقافيا واجتماعيا  , وتضم وجوه المجتمع وتستقبل الكثير من الرموز الوطنية  الغيورة على مدينة حلب والتى تعبر عن هويتها الوطنية والعربية والاسلامية ، كنت  اجد الكثير من محبي الكلتاوية كل مساء من اخوان الكلتاوية  ومن الضيوف والمحبين  الذين كانوا يأتون اليها  من كل اطياف المجتمع لكي يسمعوا كلمة طيبة. تغذي قلوبهم. بمشاعر ايمانية بعيدا عن الامور الدنيوية التى تشغلهم فى نهارهم , لا حديث فى التجارة ولا فى السياسة فى مجالس السيد النبهان وكان الكل فى خدمة الكل  من غير تكلف  وبعفوية ،  وكان يقول لاصحابه:  دعوا  التجارة خارج مجلسي   , اعملوا ما شئتم ,  وهذا حقكم , واتركوا ذلك خارج الكلتاوية , منبر الكلتاوية هو المنبر الوحيد الذي لم يذكر فيه

اي. اسم. من الحكام. من قبل او من بعد ,  وكان يقول ويردد :  مساجد الله لا يذكر فيها الا اسم الله  وما يحبه الله , ولا تقال فى المنابرالا   الكلمة التي يحبها الله من عباده دعوة للا يمان  والخير والعمل الصالح ، وقال له احد زائريه  , مهمتى ان ادعو الناس الى اصلاح المجتمع , قال له : هل بدات بنفسك , اليست نفسك هي الاحق  بالاصلاح , وكان يستقبل كل المذنبين  ويقول فى تبرير ذلك , هؤلاء احق بالاهتمام  والشعور بالدفء , وما ضاق يوما بمذنب او غافل او منحرف , وكان يقول : مهمتى البيان والتوضيخ ومهمتى ان اخاطب قلوبكم لتنمو بذرة الخير , ولم اسمعه يوما يتكلم  بلغة التعصب ,  ولم يسأل يوما أي احد عن  هويته الخاصة به  ولا عن مذهبه وطائفته , كان يعنيه ان يخاطب الانسان كانسان  وهو المكلف والمخاطب من الله والمؤتمن على الحياة وكان يحترم التعددية فى الخلق ويقول هذا هو الكمال ان يكون التعدد الدال على الحكمة  , ولا بد الا ان يكون الخير والشر فى الوجود , , وكانت الكلتاوية. في كل. المناسبات الوطنية والدينية والثقافية  تمثل المرجعية التي كانت تؤدي دورها في. خدمة مجتمعها بالكلمة الطيبة الناصحة التى تؤلف القلوب , وتدعوها الى المحبة والعمل لله ، واتذكر الكثير من المواقف. والذكريات التى عشتها ، وما زالت حلب. تتذكر ذلك اليَوْمَ. التي خرجت  باكملها احتجاجا. علي صحافي يسمي ابو شلباية كتب في جريد ةً برق الشمال مقالة هاجم فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  واساء الادب مع الرسول الكريم فيما كتب وغضب السيد النبهان غضبة  كبيرة وغضبت حلب معه. في بلد يعتز اهله بالاسلام ، وخرجت حلب كلها  في تظاهرة حاشدة احتجاجا. علي من. اعتدي علي المشاعر الاسلامية فى بلد يفخر اهله بالاسلام , ،واتذكرايضا  ذلك اليَوْمَ الذي خرجت فيه حلب احتجاجا علي زيارةً ميشيل عفلق لحلب فى تحديه لاهلها  وانتقاد اهلها فى مواقفهم ، وقالت حلب . كلمتها. دفاعا عن خصوصية هذه المدينة التي اشتهرت. بشموخها الاسلامي وصدق مشاعرها الوطنية ، وما زلت اتذكر عندما وقفت حلب وقفة وطنية ضد العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، وما زلت اذكر الكلتاوية وهي. تصبح ثكنة جهاد. لتدريب الشباب لمقاومة العدوان علي الامة العربية ، وما زلت اتذكر الضابط الوسيم الملازم الاول. نهاد النابلسي بلحيته. الجميلة. المعبرة عن الصلابة الايمانية وهو يرتدي ثوبه العسكري. وهو يخاطب العلماء ويحثهم على الجهاد ,  ويدربهم علي حمل السلاح في الكلتاوية لاجل. الدفاع عن. الامة العربية ضد العدوان الثلاثي ، ما زالت كل تلك المشاهد في ذاكرتي ، لمً تكن الكلتاوية مجرد مسجد. في هضبة معزولة عن مجتمعها فى ايام المحن التى مرت بهذه المدينة العريقة ، وتذكرت  ذلك العام الذي انقطع المطر فيه  عن البادية . وماتت. الاغنام من الجوع وحلت المجاعة.ياهل البادية ,  وارتفع صوت  السيد النبهان. ينادي تجار حلب. ان يرسلوا الطعام لاخوانهم في الباديةُ ، وما زلت اذكر الشيخ عمر الملاحفجي. وهو يقود. سيارات الاغاثة التي تحمل الطعام لابناء البادية تعبيرا عن التكافل معهم  والشعور بمحنتهم ، واسس بعد ذلك جمعية النهضة الاسلامية التي كان القائمون عليها من صفوة اخوانه  وكانت تقدم الطعام لالاف الاسر الفقيرة في حلب , وكان يشرف عليها من بعيد  ولم يتدخل فى سياستها واليها يعود الفضل فى الكثير من اعمال الخير للاسر الفقيرة ، وما زلت اذكر الصديق الحاج ظافر دباغ. والحاج محسن البوادقجي والحاج عبد الله عزو وهم يطوفون في الاحياء الفقيرة كل صباح. يبحثون عن الاسر الفقيرة , ويقدمون لهم المعونة الشهرية. تعبيرا عن التكافل معهم , وتأسست مدرسة مهنية لتدريب بنات تلك الاسر علي الخياطة والمهن اليدوية، كل ذلك ما زال في الذاكرة . ،.,  وتذكرت ذلك اليوم الذى كنت برفقته ومرت السيارة التى كان فيها مع بعض اخوانه من امام ملهي المونتانا  فى طريق الدائرى حول المدينة وكانت اصوات الغناء وسلوكيات المجون تستفز المشاعر  , لم يغضب ولم يصدر عنه اية اساءة لمالك الملهي  , وعرض علىه ان يبيعه  الملهي بالثمن الذى يريد  , وتم البيع ,  وتحوال الملهي الى جامع  الفرقان مباشرة  , وكان هو اول من صلى فيه  وارتفعت فيه كلمة : الله اكبر,  لم يهدمه على رواده ولم يستول عليه ولم يشعر صاحبه باية اساءة , تذكرت كل ذلك كاسلوب راقي الدلالة  , وعشت معظم هذ الاحداث  كتربية.ومنهج اصلاح  تعبر عن فهم. لدور الاسلام في تنمية قيم التكافل للدفاع عن الحياة التي ار ادها الله ان تكون لكل عباده بالكلمة الطيبة من غير عنف ولا اساءة ، كان الاسلام في نظر السيد النبهان حليف المستضعفين في الارض اهتماما ورحمة ، وكنت اري في الكلتاوية كبار التجار وهم يبنون ويحملون التراب والحجارة الي الكلتاوية كعمال بناء لتشييد بيت الله ، وكان يعمل بنفسه مع العمال , وكنت ابحث عن ذلك الفهم العميق لدور الاسلام الاجتماعى في الحياة ، وهناك الكثير مما احتفظت به في مكان ما من الذاكرة لكي اتامل فيه فيما بعد واستفيد منه في كل موقف ، ومن المواقف الذى مازلت اذكره ذلك اليوم الذى ذهب فيه الى الحج مع قرابة اربعمائة من اخوانه  وكانهم رجل واحد  ادبا فى اداء النسك  والتزاما باداب الحج, وخرجت حلب لاستقباله , وترك كل المستقبلين وعاد وحيدا من طريق فرعي الى الكلتاوية لكي يصلى لله تعالى صلاة الشكر, ولما سألته عن ذلك قال  لى : ياولدى :  هذا مقام العبدية لله تعالى , وهذا الاستقبال اشعرنى بضعفى وفضل الله على ولا احب ان يشغلنى ذلك ,  وكانت. منهجية السيد النبهان ان ينهض بالريف وابناء الريف ثقافة وتعليما  من خلال المدرسة التى انشاها لابناء الريف ، وكاًن يقول لاهل الريف : ارسلوا ابناءكم لكي اعلمهم ما يحتاجون اليه ثم يعودون  اليكم لكي ينهضوا بمجتمعهم ، فهما لرسالة الاسلام كمنهجية تربوية لتكوين الانسان بالكيفية التى ارادها الله ان يعبر بها عن مرتبة الانسانية  لاجل تحقيق. العدالة في المجتمع من منطلق ايماني وروحي ومن خلال التربية والتكوين. ، تلك ملامح. تلك الفترة. كما عشتها وتربيت عليها فى تلك الحقبة الاولى التى كنت  قريبا من السيد النبهان , وكنت ارقب الكثير من اثاره بعده والتى اصبحت اليوم اكثر فهما لدلالاتها الاجتماعية فى فهم اصيل لدور الاسلام كمنهج  لاجل الحياة واسلوب للتعبير عن رقي الانسان ..

( الزيارات : 607 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *