الشك واليقين .. اين الحق

كلمات مضيئة…اليقين والشك .. اين الحق..

اهتم الفلاسفة قديما وما زالوا يتحاورون ويتناقشون ويختلفون حول سؤال واحد ولم يجدوا حتى اليوم جوابا شافيا ..

 ذلك السؤال هو هل يمكن للانسان ان يصل الى المعرفة حول القضايا التى تشغله فى قضايا الكون والانسان , واهمها قضية الخلق والالهيات والعقل والمادة والروح , وبالرغم من كل بحوثهم العلمية فانهم لم يصلوا الى اليقين الذى يبحثون عنه , لا ينبغى ان ننكر ان وعي الانسان بذاته ووجوده يجعله يزداد تساؤلا عن مختلف القضايا التى تهمه , وارتبطت كلمة الفلسفة بالسفسطة مع ان كلمة الفلسفة يراد بها محبة الحكمة , والفيلسوف هو محب الحكمة , ومن المؤسف ان معظم الفلاسفة المسلمين لم يستطيعوا ان يقدموا فلسفة اسلامية اصيلة تعبر عن خصوصية الرؤية الاسلامية فيما يتعلق بالكون والوجود والله والعقل والانسان , لقد استطاعت الصوفية ان تقدم فلسفة روحية متميزة وراقية بالرغم من وجود من ينكر عليهم ذلك , واقصد بالصوفية ذلك الفكر الروحي الايمانى  وليس ما نراه اليوم من مفاهيم وطقوس وشطحات  , وتلك الصوفية الفلسفية تعتمد على النزعة الاشراقية التى تحدثت عن طبيعة المعرفة من منطلق روحي يعتمد على المجاهدات الروحية  والذوق  الوجدانى من منطلق الفيض والتجليات النورانية الناتجة عن التاملات الروحية , ومن ابرز رواد هذا الاتجاه ابن عربى الحاتمى فى الفتوحات المكية والسهرودى المقتول فى حكمة الاشراق , وقد اقترب الغزالى من هذا الاتجاه فى اعتبار القلب هو مركز المعرفة الالهية , وفى مواجهة هذا الاتجاه هناك المنهج الفلسفى الذى اعتمد على الفلسفة اليونانية من امثال ابن سينا والفارابي وابن رشد , وقد تراجع هذا الاتجاه لانه لا يستطع  ان يثبت استقلاليته وخصوصيته الاسلامية واتهم رواده بالزندقة وامتحنوا فى عصرهم , اهم قضية ارتبطت بالفلسفة هي قضية اليقين والشك , والسؤال الذى يتردد هو هل يمكن للعقل ان يقود الى اليقين , العقل يعتمد على الحواس الظاهرة ولا يمكن الثقة بتلك الحواس لانها لا تريك الحقيقة كما هي , فما نراه ليس هو الحقيقة , اذن لا بد من البحث عن اليقين الذى لامجال للشك فيه , الشك هو الطريق الى اليقين , عندما تشك فانت تفكر , والذى يستخدم عقله فلا بد الا ان يشك وعندئذ يبحث عن البرهان والدليل لكي يصل الى اليقين وهذا منهج صحيح , الشك هو التردد  بين امرين متناقضين لا يمكن ترجيح احدهما الا بدليل مرجح , اذا لم تجد المرجح فانت فى موقف متردد لا يمكنك تجاوزه الى اليقين , من طبيعة العقل ان يطلب الدليل المرجح لكي يصل الى اليقين , البراهين ليست واحدة فهي تختلف بحسب ما هي به , التامل والتفكير قوة انسانية يتميز بها الانسان لكي يكتشف الصواب او الخطأ , التردد فى قبول الدليل لا يعنى العجز لان العقل الواعى يمكنه رفض مالا قناعة له به , عندما يترجح لك احد الاحتمالين بالبرهان والدليل تنحاز له وتعتبره الحق واليقين , اليقين امر نسبي وليس هناك يقين لا يقبل الشك ابدا , عندما نفتح باب الشك  المذهبى  كطريقة عبثية فلن نصل الى اليقين ابدا فى اي امر من الامور , الحقيقة المطلقة ليست من اختصاص العقل فالعقل يدرك ما هو بحاجة اليه مما يجعله افضل فى حياته وبالمقدار الذى يحاجه كقوة الابصار فى العين والسمع فى الاذن , الماديات طريقها العقل والعلم , ويجب الثقة بهما معا , وهذه امور مرتبطة بالتكليف  الالهيى  للانسان ولا حدود لما يمكن للعقل ان يصل اليه مستعينا بالعلم المتوفر لديه وهو علم نسبي الى ان يكتشف غيره  , اما الالهيات التى تعتبر من قضايا الايمان فالمؤمن يؤمن بها عن طريق الفطرة والفطرة تدرك من امور الايمان مالا تدركه العقول وهي قوة كامنة وبها يبحث الانسان عن كماله ولو كان صغيرا او مجنونا وقد ارتبطت الغريزة بالفطرة وهي من ابرز جندها , الشك حالة وعي بالذات ثم تنمو وتصبح حالة مرضية قلقة وتسيطر على بعض المفكرين الذين يطيلون التأمل وتتحكم فيهم الاوهام الى ان يشكو فى وجودهم المادى وهذه حالة مرضية , عندما يتمكن الشك من الانسان يتوقف ولا يغادر موقعه ويكون اكثر سلبية مما يواجهه وتكون حياته شاقة ونفسيته مهتزة , الشك  العاقل يعبر عن حالة تامل واعى ولكنه لا يتجاوز البحث عن البرهان , والبرهان هو الذى يخرج الشاك من ظلمة التردد والعبثية الى نور اليقين والسكون , الشك فى غير الالهيات والغيبيات منهج عاقل للبحث عن البرهان من خلال الواقع , العقل بقدراته الذاتية يمكنه ان يتوصل الى الحقيقة فى الماديات والعلوم عن طريق البرهان العقلى  والتجربة  والتعليم, لا يمكن للمعرفة الاشراقية ان تتجاوز القضايا الايمانية والروحية ولا يصلح اهلها  للاستنباط الفقهي ولا لفهم ثوابت الاحكام واصول العدالة , وتغلب عليهم المثاليات وليس الواقع بما يجب فيه من فهم لطبيعة النفوس , اما الماديات فسبيلها العقل والعلم والحواس الظاهرة , لا يمكن لاحد الطرفين ان يتجاوز حدوده فيها , فما ارتبط بالمادة والعلم والانسان فطريقه هو العقل وبه يكون التكليف , وما كان من شان الايمان وكل الالهيات فلا يمكن للعقل ان يصل فيها الى اليقين العقلى , ولا بد من الايمان بها وهو اليقين الاكثر طمانينة ,  والشك يمكنه ان يكون طريقا عاقلة للبحث عن اليقين فى كل الحقائق الاستدلالية وهو يقود صاحبه الى البحث عن الكمال المطلق وهو الله تعالى , وهذا هو الكمال الذى تقود اليه الفطرة وتؤمن به ايمانا لا تردد فيه , عندما كنت اتابع اراء الفلاسفة في قضايا الايمان كنت اجد ذلك التخبط بين مفكريه فى مناقشة  قضاياه  مقرين به او منكرين , وكنت اجد التكلف فى ذلك وكل فرد منهم يحاول ان ينقض اقوال الاخر فى منهجية جدلية تذكرنا بمنهجية الفلاسفة السفسطائين الذىن كانوا يشغلون العامة بجدلياتهم التى كانوا يتبارون بها لارضاء العامة والتقرب منهم بادعاء الدليل والحجة ,

وكنت اتساءل هل نحن نحتاج لكل ذلك من الاهتمام بما لا نحتاج اليه من مناقشة القضايا التى لاتهم الانسان ولا يشعر بها وليس بحاجة لمتابعتها , وهي تزدهر فى الغالب فى عصور الانحطاط التى ينشغل الناس فيها بمالا يفيدهم , وهي من الاهتمامات التى تعبر عن شيخوخة المجتمعات وانصرافها الى اختياراعراف اجتماعية تخفى بها عجزها عن ايجاد فكر يدفعها الى مواكبة عصرها ..

( الزيارات : 690 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *