العمل العلمي الجماعي هو الافضل

كلمات مضيئة..العمل الجماعى هو الافضل

عندما اتامل فى تاريخ الحضارة الاسلامية اكتشف الكثير مما يدعونى للتساؤل والتامل , لما ذا وصلنا الى مانحن فيه , لا شيء من الماضى يمكنه ان ينهضنا مما نحن فيه اذا لم نتخذ له اسبابه , كان القرن الرابع والخامس الهجرى هو عصر الازدهار الحقيقي وهو العصر الذهبي  , لقد انجب هذا العصر اهم اعلام الفكر والادب والعلم ,  عندما اتامل فى تاريخ بغداد فى هذه الحقبة اجد فيها كل انواع الفكر بكل مدارسه المختلفة , كانت المعارك الثقافية بين تلك المناهج والمذاهب اشد مما هي عليه اليوم , ولكن مانراه من خلال متابعتنا لمجالسهم واهتماماتهم ان قضاياهم كانت اكثر اهمية ومناظراتهم اكثررقيا واحتراما , كانت الصراعات بين المذاهب والطوائف والفرق العقدية قوية , ومما لفت انتباهي فى تلك الفترة ظهور جماعة فلسفية اشتهرت فى تاريخ الاسلام باسم اخوان الصفا وخلان الوفا , وهي جماعة اهتمت بالفكر والفلسفة لم يعرف معظم افرادها وكانت لهم اسماء مستعارة , وكان موطنها فى بغداد والبصرة , ويقال بانها تنتمى الى المذهب الاسماعيلى , والبعض يرى ان افكارها اقرب الى الزيدية , وكانت هذه الجماعة التى تضم نخبة من الباحثين الذين جمعهتهم محبة الحكمة والبحث عن الحقيقة , وكانت تكتب افكارها فى رسائل علمية اشتهرت باسم رسائل اخوان الصفا , وكان عددها اثنتين وخمسين رسالة كان تورع على الوراقين فى بغداد  للاطلاع عليها وهم اهل الكتب وكانت تضم اهم افكارهم فى القضايا التى اهتم بها الفلاسفة ,وهي الالهيات والروحانيات والعلوم والماديات والاجسام , وتكلموا فى مختلف العلوم والمنطق والفلك والعلوم الطبيعية , وقد تحدث عنهم الاديب ابوحيان التوحيدى ويقال بانه كان منهم او كان قريبا منهم , وقد اتهم كثير  ممن جاء بعدهم بالزندقة والالحاد والضلال , وهذه تهمة كان يوصف بها كل من خالف ما عليه مجتمعه من العقائد والمسلمات  الدينية , لم اطلع على هذه الرسائل ولا على بقية ما تركوه من كتبهم , وممن اتهمهم بالزندقة الامام الغزالى وغيره من العلماء , واعتبرهم من المذاهب الباطنية , وكانت لهم اراء متميزة فى مختلف العلوم والمواقف , كما اتهموا بانهم تأثروا بالفلسفة اليونانية القديمة , وهي نفس التهمة التى اتهم كل الفلاسفة الاخرين بها , ومنهم الفارابي وابن سينا وابن رشد , ورايت رايا لاحد الباحثين ان ابن خلدون قد تأثر فيما كتبه فى مقدمته باراء اخوان الصفا ونقل عنهم بعض افكارهم , لست فى صدد البحث عن اخوان الصفا ولكننى اتساءل عن سر ذلك التخفى باسماء مستعارة , ولم يعلم عنهم ان لهم طموحات سياسية ينازعون بها اهل الحكم والسلطان , ومثل هؤلاء فى مامن من امرهم  , وليسوا من اهل المال والتجارة , فليس من حقى ان احكم عليهم فيما كتبوه من افكارهم فهذا حق لهم فيما احسنوا فيه , ما لم يخالف الثوابت الاسلامية , عندما اتامل كل ذلك اتساءل لماذا اندثرت كل تلك المناهج والافكار كما اندثرت الفرق الاخرى كالمعتزلة ومعظم المذاهب الفلسفية , وبعد هذا العصر ابتدا عصر الانحطاط والتوقف فى كل مجالات المعرفة , وانتشرت منهجية التقليد بغير حدود , واصبحت مهمة كل جيل ان يحفظ ما تعلمه ويرويه ثم يعيده كما هو لا يفكر فيه ولو متاملا , هل السبب هو  ضعف الدول والصراع بينها على الحكم , واشتداد الحروب فيما بينها , لا اتكلم عن افكار اخوان الصفا فلم اقرأ رسائلهم ولكننى اكبر منهجهم فى العمل الجماعى الملتزم والبعيد عن طلب الشهرة وانجاز مشروع علمي من خلال جهد هذه المجموعة المتجانسة فى تقديم مشروع علمي , ما الذى يمنع جامعاتنا اليوم ان تكون كل جامعة فريقا علميا من خلال اساتذتها فى كل كلية او قسم علمي لخدمة مشروع واحد متكامل لا تكرار فيه لجهد سابق , فكرت يوما فى تكوينه ولكننى لم اتمكن منه , لا عتبارات كثيرة , الجهد الفردى لا يمكن ان ينجز اي مشروع علمي متكامل , مهمة الجامعات اليوم ليس التدريس فقط وانما ان يكون هناك ما نفعله كعمل علمي متكامل لا يمكنه ان يتحقق بالجهد الفردى , ما نملكه اليوم من الامكانات اكبر مما يملكه اي جيل سابق , وما ينقصنا ان تكون لنا الارادة فى انجاز علمي يستحق الاهتمام , لا اجد فيما نفعله فى جامعاتنا ما يمكن ان يحقق ما نريده , الاعمال الفردية تستحق التقدير , ولكنها لا نحقق الهدف الذى نريده , وكنت ناديت اكثر من مرة باهمية الفتوى الجماعية الصادرة من هيئات علمية متخصصة ومستقلة فى قراراتها وبعيدة عن المؤثرات  الخارجية وتناقش كل القضايا المستحدثة , مهمة المجمع الفقهي الواحد كمؤسسة علمية يمكنها ان تكون مفيدة وتلك فكرة قديمة كنت قلتها فى الدروس الحسنية وحظيت بالاهتمام والقبول , ولكن توقفت لصعوبة تحقيقها من الناحية الواقعية كما يجب ان تكون , الانسان هو الذى يصنع عصره كما يفكر فيه فان اراده ان يكون الافضل فالانسان هو اداة تحقيق ذلك

( الزيارات : 541 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *