الصداقة والايثار

 

                          

 

علمتني الحياة

أنّ الإصدقاء  الذين يؤثرون الصديق على أنفسهم قلّة نادرة , وقد تكون غير موجودة , ومن توقع أن يضحي الآخرون من أجله ويعتب عليهم إن لم يفعلوا ذلك , فقد ذهب بعيداً في تفاؤله ,وطلب من أصدقائه مالا يقدرون عليه , لا ينبغي له أن يتوقع من الآخر أن يضحي لأجله , فلا يضحي لأجل الآخر ولو كان قريباً له أو صديقاً , قد يقف معه وقد يساعده ولكن لا يضحي بمصالحه لأجل الآخر , وهذه طبيعة البشر , وأهل الإيثار فالتضحية لأجل الآخر عمل رائع وعظيم , ولا يصدر إلا عن العظماء من الرجال الذين يفعلون ذلك أملاً في رضاء الله وطمعاً في ثوابه , ولا بدّ إلا أن يكافئهم الله بأضعاف ما ضحوا به والمؤمنون الصادقون الذين يرجون الله أقدر على التضحية والوفاء والإيثار من غيرهم , والآباء والأمهات يضحون بكل شيء في سبيل أولادهم , ولا حدود لتضحية الوالدين , والأمّ أكثر تضحية من الأب , ولا تضيق بأيّ تضحية مهما ثقلت بالمال والجهد والحياة والصحة , والأولاد قد يضحون بمقدارٍ, ثم يضيقون بالتضحية إذا ثقلت وطالت , ويجب على الزوجين أن يتبادلا الوفاء والتضحية بما يقدران عليه , وهذا من باب الوفاء إذ لا يليق بهما غير الوفاء ..والتضحية أعمق وأشقّ من المساعدة المادية ومساعدة الغنيّ الفقير في الأعباء المادية واجبٌ ديني وأخلاقي واجتماعي , وهذه ظاهرةٌ طيبة في كثير من المجتمعات الإسلامية الأكثر التزاما ًبالقيم الإسلامية , وتوجد في المجتمعات غير الإسلامية أيضاً , ومن المؤسف أن الحضارة تنمي الشعور بالأنانية , وتضعف فيها مشاعر الرحمة وتقسو القلوب , ولا حدود لأنانية جارٍ يعلم بحاجة جاره إليه ولا يساعده ولا يسعفه ومن يفعل هذا وهو قادرٌ على المساعدة فهو آثم وظالمٌ لنفسه ..

 

علمتني الحياة

أنّ الوسام الأكبر يجب أن يُمنَح لمن يستحقه ممن ضحوا بأغلى ما يملكون من حياة أو صحة أو مال أو أولاد وأقدموا على التضحية وهم عازمون على الجهاد وراضون بتلك التضحية , وهم لا يطلبون من وراء ذلك كسباً أو مجداً أو شهرة , وإنما يفعلون ذلك قياماً بواجبٍ ديني ووطني , إرضاء لله تعالى وامتثالاً لأمره ..

هؤلاء وبسبب إخلاصهم وصدقهم قد يكونون أجدر بالوسام ممن يُمنَح لهم الوسام من بعض القادة الذي قد يُنسَب النصر إليهم وهم أقلّ تضحيةً من جنودهم المجهولين , ولهذا يُكرَّم الجندي المجهول الذي لا يعلم أحد اسمه ولا يروي الرواة قصص مواقفه وحجم تضحياته .  

وبعض الزعماء يكتسبون صفة الزعامة وهم لا يستحقونها , وينسب إليهم مجتمعهم من التضحيات والمواقف الوطنية مالم يفعلوه , وفي الوقت ذاته تطوى سجلات من صنعوا مجد هؤلاء الزعماء , ومن فتحوا لهم طريق المجد والنصر من رفاقهم وقد يُدفَع هؤلاء إلى أقبية النسيان وقد يُشوَّه نضالهم ويقع تجاهل تضحياتهم , ويغتصب النصر من صانعيه , وينسب لمن لم يشارك فيه ممن يملكون الذكاء والدهاء وهذه هي سنة الحياة .. 

والتاريخ يكتبه المنتصرون كما يريدون , يرفعون صورة من شاءوا ويشوهون صورة من شاءوا ,فالمنتصر يملك كل الصفات العظيمة من الذكاء والاستقامة والوطنية ، والمنهزم تنسب إليه كل الصفات السيئة من الفساد والخيانة والظلم , ولذلك يجب أن تعاد كتابة التاريخ بموضوعية وحياد وإنصاف , وأن تمنح أوسمة التكريم لكلّ من ساهم في خدمة وطنه وشعبه , وأن تُسحَب أوسمة التكريم ممن لا يستحقها ممن أساءوا لشعوبهم والوسام الكبر يجب أن يمنح للشعوب وليس للحكام , وللجنود وليس للزعماء , ولا وسام أسمى من وسام الوطنية ولا فخر أعظم من الفخر الذي يحققه المظلوم دفاعاً عن حريته وحقوقه , ولا نصر لأيّ حربٍ ظالمة , والمعركة دفاعاً عن الحريّة يجب أن تستمر , ومن مهمة الثقافة أن تعمق الشعور بأهمية الحريّة في حياة المجتمعات..

وقيم العبودية في أيّ مجتمع يجب أن تقاوم , فلا شيء أسوأ من سيطرة قيم العبودية على الشعوب , فالعبودية هي قبول العبودية والانحناء أمامها والخوف من مقاومة رموز الظلم في المجتمع الإنساني ..

( الزيارات : 1٬177 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *