العدالة مطلب لا بد منه لاجل السلام..

ذاكرة الايام..العدالة حق لا بد منه لاجل السلام..

من القضايا التى شغلت اهتمامى  وكنت اتأمل فيها واتساءل عن حقيقتها قضية العدالة , والعدالة هي من اهم الثوابت الاخلاقية الناتجة عن قوى الانسان الغريزية وهي قوة الفكر وقوة الشهوات وقوة الغضب , ولكل قوةا اعتدالها وهو التوسط فيها فما زاد عن الوسط بزيادة او نقصان كان رزيلة , فالقوة العقلية لا بد فيها من الحكمة وهي التوسط بين البلاهة والدهاء , والعفة هي توسط القوة الشهوانية والشجاعة هي نوسط القوة الغضبية , فما زاد او نقص من هذه القوى كان رزيلة , فالعدالة هي التوسط فى هذه القوى , ولكن اين يكون الوسط , وهل هو وسط فى المكان او وسط فى الاعتبار , وكيف يمكنك  ان نعرف اين تكون العدالة واين يكون الوسط العادل المؤدى الى الفضيلة  , ومتى نقول لقد تجاوزنا الوسط ودخلنا فى دائرة الحظر وهو الجور , فكل ما زاد او نقص فهو جور , الوسط ليس واحدا , ومن اليسير ان ندعى العدالة فى حالات ليست عادلة , الاجر العادل مشكلة تدفعنا للتامل ,  فمن يقول لنا ما هو الاجر العادل ومن الذي يحدده ويدعى انه عادل , قد يقول قائل  ان الاجر العادل هو ما يراه العرف عادلا بالنسبه لامثاله من العاملين  , فانت تعطى الاجر المما ثل لكل العمال الاخرين , وهذا مفهوم جيد ولكن فى ظل قوة الاقوياء وضعف الضعفاء يفرض الاقوياء اجرا لعمالهم قد يكون اقل مما يستحقون او اقل مما ينتجون وبخاصة بالنسبة للعمال المنتجين الذين يسهمون بجهدهم فى كل شيء مما يقومون به  , وقد نقول ان الاجر العادل هو الذى يقع الاتفاق عليه بين رب العمل والاجير  , والعقد شريعة المتعاقدين , وهذا المبدأ قد يخفى ظلما تحت ستار الارادة المنتجة للاتفاق المبرم بين الطرفين وهو ظلم متوقع وممكن ان لم نقل انه مؤكد فى ظل تفاوت القدرات بين المتعاقدين  , وهذا ايضا غير مسلم ابدا لان الاخير الضعيف والمستضعف فى مجتمعه لا يجد خيارا للدفاع عن حقه فهو بين خيارين , اما القبول بما هو معروض عليه او الرفض والرفض يعنى حرمانه من العمل والاجر وهو محتاج اليه  , فهو يقبل بما  هو  معروض عليه ولوكان ذلك الاجر اقل مما يستحقه , وهذا هو الجور بعينه واي جور اشد قسوة ان يكون الاجر اقل مما يكفل للاجير كفايته وكرامته  ,الحوان  يكون اجره هو كفايته من الطعام والماوى والعلاج , ان لم يشبح فسوف يعتدى او يزداد غضبا او هياجا او انينا ولا يمكنه ان يقوم بعمله وهو جائع مستذل , اليس الانسان اجدر ان يكون اجره مساويا لقيمة طعامه وسكنه ولباسه ومطالبه الضرورية , اليس هذا هو الدين وهو الاسلام الحقيقى الذى امرنا الله به وهو الذى جاء نبينا الكريم فى سيرته وسنته ,   كان هذا الموضوع يشغلنى منذ كنت طالبا وتناولته فى كثير من المنابر العلمية  , كنت اقول لاارادة لمستضعف ولا لمكره ولا لمحروم  ولا لمن كان صاحب حاجة , كل هؤلاء لا خيار لهم الا ان يرضخوا مكرهين ولو احسوا بالظلم وتأكدوا منه واستفزهم واغضبهم , لا احد يمكنه ان يدفع ثمن طعامه من كرامته , قلة ممن لا كرامة لهم يفعلون نفاقا ظاهرا ثم يغدرون متى ما تمكنوا من ذلك  , كنت فى طفولتى اذهب احيانا الى القرية واتابع حياة الفلاحين واتأمل ما اراه فى حياة هؤلاء البؤساء المحرومين من كل شيء ولم يعد هذا ممكنا لانه ليس عادلا , ماليس عادلا لا يدوم والقوة وحدها لا تكفى لتحقيق السلام الداخلى  , كان الفلاح يعمل هو وزوجته واولاده فى ارض زراعية قد لا يملكها وهو اجير عند صاحب الارض , قلة يعاملون الفلاح بكرامة وكثرة يظلمون ويستغلون ويذلون ذلك الاجير المستضعف  , وكان يسمى الفلاح المرابع , وعليه ان يعمل فى تلك الارض وينتظر المطر , عام كامل من الجهد الشاق فى الصيف والشتاء , يحرث الارض ويزرعها ثم يحصدها ويستخرج القمح من سنابله , وهو يأخذ ربع الغلة , وهي حصته المتعارف عليها فى مجتمعات الفلاحة وفى اعرافهم المعتادة , كنت اقول مع نفسى متسائلا : ما الذى جعل ما هو متعارف عليه عادلا ومنصفا ومقبولا  , لم يكن للفلاح اي خيار لانه يحتاج للعمل والعرف اقوى منه , ولكن ماالذى جعل ذلك العرف عادلا , اين الوسط العادل فى هذه المعادلة , قد نقول هذا ما وقع الاتفاق عليه , كنت اقول لنفسى لا ارادة لمكره , كل المفاوضات التى تكون بين قوي وضعيف ليست معتبرة ولا ملزمة لانها جائرة , فالقوي يفرض ما يريد ولا خيار للمستضعف الا ان يرضخ , هذه مشكلة عالمنا المعاصر , كل الاتفاقات الدولية الاقتصادية والسياسية التى تتم بين الدول القوية والضعيفة لا شرعية لها لانها جائرة وظالمة , وهذا هو السبب ان الاقوياء يزدادون قوة وطغيانا والفقراء يزدادون ضعفا وفقرا , وفى النهاية خيار وحيد لا بد منه , التطرف الناتج عن الظلم والتفاوت الكبير,  وهذا هو الطريق الذى يقود الى العنف والجريمة وهو ثمرة واقع غير عادل  , لن نتمكن من مقاومة الارهاب الذى نراه اليوم يهدد كل المجتمعات الا اذاتحققت  العدالة فى الاجور فيما يحقق الكرامة الانسانية , اذا لم يكن الاصلاح فالازمة الناتجة عن الفقر والاذلال سوف تزداد قوة , لا بد من سياسة اجتماعية واقتصادية اكثر واقعية وعدلا تحقق التوازن وتجعل الفجوة بين الاغنياء والفقراء اقل خطرا , الحياة حق لكل الناس وهذه الارض لكل الشعوب فى العالم كله وثروات الارض لكل البشر ومالا فضل لك فيه فليس لكل انه رزق من الله لكل عباده , كل الثروات الطبيعية هي للانسان فلا ينفرد بها احد ويمنعها عن كل الاخرين , ثووات البحار والفضاء والطاقات الطبيعية والماء والانهار وكل ترتث الانسانية من التقدم التكنولوجي والعلمى وكل ما سوف يكتشف وهو الاكثر هو ملك للانسانية ليضمن الحياة لكل الخلق وما ينفرد به الانسان هو قيمة جهده ولا يتجاوزه اما جهد الاخرين والمستضعفين فهو لهم فلا يغتصب ممن هو احق به , لا يغتصب جهد الانسان ولاتنتقص  قيمة عمله , هذا هو الظلم الذى لا يقره الدين ,  وكل ثروات الارض الطبيعية التى لا جهد فيها  هي لكل الناس للتغلب على الفقر  وهم متضامنون للدفاع عن الحياة والتخفيف من معاناة الانسان فى شمال او جنوب وفى كل القارات  , لا يمكن لشعب ان يموت من الجوع ولا احد يفبل الاذلال الناتج عن انظمة قانونية واعراف اجتماعية خالية من الرحمة التى امر الله بها عباده ,  وهذه هي رسالة الانبياء التى دعوا اليها  وهي الدعوة الى كرامة الانسان والا تكون الاموال دولة والا تكون الثروات بين السفهاء الذين تمكنت منهم انا نيتهم وافسدوا فى الارض بسلوكيات حرمها الدين لانها لا تتفق مع القيم الانسانية والفطرة التى تدعو الى الرحمة بالمستضعفين من الشعوب والافراد , عندما نفهم جيدا معنى العدالة كما يجب ان تكون وكما ارادها الله تعالى وهي التوسط المؤدى الى الفضيلة , وهو الوسط التى يعمق معنى  التفضل والاحسان الذى يجعل الاقوياء اكثر رحمة واقل جشعا وقسوة  و هذه هي العدالة التى ارادها الله لكي يتحقق السلام بين الشعوب , والسلام الناتج عن الاكراه والاذلال والذي يشعر المستضعفين بالهوان لا يمكن ان يدوم ولا يمكنه ان يتحقق , ماتنفقه الدول الغنية من اموال لمحاربة الارهاب لو انفقته على الشعوب الجائعة والمنسية  والطبقات الفقيرة لتوقف الارهاب حتما وتحققت العدالة والامن والسلام , ..

هذا الموضوع كان يشغلنى منذ كنت طالبا فى الدراسات العليا , وهو الذى دفعنى للكتابة عن الاقتصاد الاسلامى الذى القيت فيه عدة محاضرات اهمها فى الرياض فى اول محاضرة لى فى جامعة الامام ابن سعود عام 1966 وفى رابطة العالم الاسلامى فى مكة المكرمة فى نفس العام  , وطرحت هذا الموضوع فى الدروس الحسنية عام 1975 امام الملك الحسن الثانى رحمه الله تعالى , وكان بعنوان :مفهوم الربا فى ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة , وقد شجعنى جلالته عليه واعتبره منهجا متميزا بحسن الفهم  , وكان رحمه الله يشجع الفكر ويحترمه ويحسن فهم ما يقال فى تلك الدروس التى كان يرعاها ويهتم بها  , وكان رحمه الله راقي الشخصية عميق التامل واسع المعرفة , وقد طبعت ذلك الدرس فى كتاب نشرته فى تلك الفترة بنفس العنوان , العدالة مطلب حتمى للسلام بين الافراد والشعوب , اذ انتفت العدالة فكل الاحتمالات المكروهة ممكنة ومتوقعة , العقلاء يحسنون  الفهم والمستضعفون فى الارض سيقاومون للدفاع عن حياتهم وما اقره الله لهم من الحقوق الانسانية ..   

 

( الزيارات : 1٬018 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *