الفكر والتجربة الانسانية

الفكر .. والتجربة الإنسانية

الفكرة وليدة تجربة إنسانية , والفكر هو مجموعةُ تجاربٍ إنسانيةٍ تعبر عن معاناة الإنسان في مواقف مختلفة , وتختلف الأفكار باختلاف الأشخاص , فما يصدق على شخصٍ ما قد لا يصدق على آخر , ويجب أن تُحترَم اختيارات الإنسان فيما يراه , ولو كان مخطئاً في هذا الاختيار , وليس هناك معيار لمعرفة الخطأ والصواب , والعقل وهو منتج الأفكار يتأثر بالغرائز الفطرية , فالغضب يوجه العقل نحو إنتاج فكرٍ يعبر عن الغضب , وفي لحظة الغضب يفقد العقل حياده , وتتراءى له الحقيقة من خلال انفعال الغضب , ولهذا لا يقضي القاضي وهو غضبان , لأنَّ الغضب يدفعه لتصور العدالة بطريقة مغايرة للعدالة المطلقة , والفكر منتجٌ تتحكم في ألوانه وأشكاله مؤثراتٌ خارجية غالبة , ولهذا لا يمكن فهم الفكرة إلا في إطارها المحيط بها , ولو تغيرت تلك المؤثرات لما كانت ملامح الفكرة كما هي عليه , ويلتمس العذر للعقل فيما ينتجه , فالإنسان المستعبد والمستذل يشعر بالمعاناة الداخلية , ويعيش في حالة حوار دائم مع نفسه , ويحدث نفسه بصوت خفيّ عما يشعر به , وينفعل بسبب ما يعانيه , وعندما يريد أن يكتب أفكاره فمن المؤكد أنه سيكتب ما يشعر به , وقد يخفي ما يشعر به خوفاً من إعلان ما يدور في نفسه , ومن المؤكد أنّ أفكاره لن تكون هادئة ومسالمة , وقد يفكر في الانتقام , وقد يظن ان ذلك من العدالة , وقد يدفعه ذلك إلى الحقد , إلا أنّه يخفي هذه الأفكار ويمسك بزمام نفسه , لكيلا ينفلت الزمام منه .

ومن عاش في سجنٍ مظلمٍ فمن المؤكد أنه سينتج فكراً قاتم الألوان وبخاصة إذا أحسّ بالظلم , ومن البديهي أن يحقد على من ظلمه , وأن يعبر عن الأفكار التي تراوده , وعندما يُظلم شعبٌ ويُطرد من أرضه ويعيش في الشتات والضياع ولا يجد من ينصفه ويدافع عنه فإنَّ من المؤكد أنَّ فكره سيتجه إلى إنتاج فكر المقاومة والتضحية والاستعداد للشهادة , فالعنف هو وليد انفعالٍ سابق بالإحساس بالظلم والاضطهاد , ولا يمكن السيطرة على هذه الانفعالات إلا بزوال أسبابها ..

والعدالة مطلبٌ إنسانيٌ , فإذا شعر الإنسان بالظلم فلا بدّ له من الغضب , إلى أن يشعر بالعدالة , والحريّة حقٌ إنساني , ولا يمكن لأيّ إنسان أن يرضى بالعبودية , ولا بدّ من الثورة للمطالبة بالحرية , وكلّما اتسعت دائرة الظلم اتسعت رقعة الغضب وتَرَسَّخَت أفكار المقاومة , والفكر الثوري هو فكر المقاومة إلى أن يحصل الإنسان على حقّه , والجهاد هو مقاومة الظلم وهو واجبٌ دينيٌ , والمقاومة تراث إنساني لأنها أداة الحرية , والإسلام حضّ على الجهاد للدفاع عن الحريّة والكرامة ضدّ العبودية ..

والباعث على الظلم هو القوة , ولا يُزَال الظلم إلا بالقوة , ولا نصر للمستضعفين إلا بوحدتهم وتضحياتهم , ولا حرية بلا تضحية , وكلّما طال ليل المستذلين نضجت لديهم فكرة الحرية , وأصبحوا أكثر استعداداً للتضحية ..

وأعظم تراث للإنسانية تفخر به هو كفاح الإنسان في سبيل الحريّة وللقضاء على العبودية , وكانت دعوة الإسلام واضحة وصريحة لتحرير الإنسان من العبودية والتصدى لطغيان الأقوياء على الضعفاء واذلال الحكام للمحكومين ..

( الزيارات : 668 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *