المجاهدة طريق التخلق فى نظر السيد النبهان

المجاهدة طريق التخلق:

كان الشيخ يدعو إلى التخلق، والتخلق يحتاج إلى مجاهدة النفس ومكابدتها وحمل النفس على ما تستثقله من الأخلاق المحمودة، فالنفس التي اعتادت الأخلاق المذمومة والسيئة يصعب عليها أن تخرج عما اعتادت عليه، إلا بقدر من التكلف والاستثقال، وهذه هي مجاهدة النفس وهذا هو المراد بالتزكية، فتزكية النفوس تحتاج إلى مجاهدة ومكابدة.

وطريق المجاهدة هو التشبه بأهل الأخلاق الحميدة وتقليدهم ومحاكاتهم فالعلم بالتعلم والخلق بالتخلق والحلم بالتحلّم، والسخاء بالتسخي وهو حمل الناس على الفعل الحسن، ولابد لتحقيق ذلك من الصحبة الحسنة والقدوة الصادقة ومجالس العلم والابتعاد عن الغفلة واتِّقاء مواطن الريب ومقاومة الأهواء والشهوات، والأخلاق السيئة كالأمراض والعلل، ولابد من التغلب عليها بالعلاج المضاد لها، فالطمع صفة مستقبحة وهي هيئة راسخة في النفس تنمو بقوة الشهوات، وهي دليل على التعلق بالشيء المطموح، فإن كان مالاً يعالج بالزهد في المال والابتعاد عنه وتحرير النفس من التعلق به، وكما تعالج البرودة بالحرارة وتعالج الحرارة بالبرودة فإن الطمع يعالج بالتخفيف من التعلق بالشيء المطموح، إلى أن تتحرر النفس من ذلك التعلق، وهذا يحتاج إلى تكلف الخُلُق المطلوب بحمل النفس على ضده.

ويشترط في التخلق المحمود أن يكون الدافع إليه هو إصلاح النفس وتهذيبها للانتقال من السيء إلى الحسن، ومن المذموم إلى المحمود من الصفات، أما إذا كان الدافع إليه هو حب المراءاة والتشبه الظاهري بالصالحين وتكلف ذلك في المجالس العامة، فهذا من الخلق المذموم الذي يضر صاحبه، وسرعان ما ينكشف له سوء عمله وهو نوع من أنواع النفاق المذموم الدال على غفلة القلوب، وسرعان ما ينفضح أمر التخلق المذموم عندما ينكشف أمره أمام الناس، لأنَّ النفس لا تطاوع صاحبها فيما يريد إلا إذا استطاع أن يرتقي بأخلاقها ويروضها، وهذه صفة المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويعلنون ما لا يسرون، إرضاءً للعامة وتزلفاً لهم.

وتختلف قابليات الناس للتخلق بحسب استعداداتهم النفسية، فمنهم من تكون له قابلية فطرية لقبول الخُلق الحسن، فلا يحتاج إلى تكلف كبير ولا يستثقل ذلك، بل يجد استعداداً في نفسه لقبول ذلك الخلق المحمود، لوجود انسجام بينه وبين الكمال، ومنهم من يحب الكمال المتمثل في الصدق والأمانة والنزاهة والعفة والترفع والشهامة والمروءة وحسن المعاشرة وحب الخير، إلا أنه يحجب عن هذا الكمال بتأثير الشهوات عليه، فلا يظهر الكمال فيه، فإذا سمع نداء الحق استجاب له بسرعة وخشع قلبه لله وانتقل من ضفة الشر إلى ضفة الخير، لوجود استعداد ذاتي في كيانه لقبول الحق.

وهذه استقامة فطرية بفضل الجود الإلهي الذي يمنُّ الله به على بعض خلقه، فيجعل قلوبهم خاشعة لله متعلقة مُحِبَة للاستقامة، والأنبياء أكرمهم الله بالاستقامة الفطرية، وجعل قلوبهم صافية نقية مهيأة بحكم تكوينها لقبول الكمال من غير تكلف أو استثقال، وبعض الخلق يحتاجون إلى المجاهدة والرياضة والتخلق بحمل النفس على الصفات المحمودة إلى أن تصبح الاستقامة خلقاً وطبعاً وسجية.

وهؤلاء يحسن حالهم بالمجاهدة وترتقي سلوكياتهم إلى الأفضل والأكمل والبعض الثالث لا يجد في نفسه قابلية للكمال، وإذا ما تكلفوا التخلق بالخلق الحسن سرعان ما ارتدَّوا عنه، بسبب سيطرة الشهوات عليهم، إمَّا بسبب قوة شهواتهم وسيطرتها عليهم أو بسبب صفة النفاق التي تدفعهم للتخلق بما ليس فيهم من صفات الكمال، فيتظاهرون بالقناعة وهم طامحون، وبالسماحة وهم حاقدون، وبالطاعة وهم عاصون وبالتقوى وهم لا يتورعون عن الآثام.

والمجاهدة ليست مطلوبة لذاتها، فهي كالعلاج يراد به صحة الأبدان، والمجاهدة طريق لصحة النفوس، فالنفس التي تشعر بميولها المنحرفة واستعداداتها الضارة يجب أن تعالج بالمجاهدة، والغاية منها إعادة التأهيل والتكوين لكي تكون السلوكيات أقرب للفضيلة، والمجاهدة هي أداة الترقية وهو المنهج الذي يقود إلى الارتقاء السلوكي نحو الكمال.

( الزيارات : 840 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *