المريد ومقومات السلوك

المريد ومقومات السلوك:

كان الشيخ يحدث إخوانه عن آداب السلوك، وعن الطريق الموصل إلى الله تعالى، وهو طريق إصلاح النفس ومجاهدة الأهواء والالتزام بظاهر الشريعة والتمسك بآدابها في العبادة والمعاملات، ومما يقطع السالك عن ربه «جهله بآداب الطريق» وهو جهل يؤدي بالسالك إلى طريق مسدود بسبب ما يصيبه من غرور، ويرى نفسه أفضل من الآخرين، ويمن على الله بعبادته وطاعته، وهذا هو الجهل الحقيقي.

وهنا تأتي مهمة المرشد والمربي، وتتمثل في التوجيه والتسديد، والأخذ بيد المريد لكي يعبر البحار والمحيطات بسفينة آمنة يقودها ربان ماهر، يتغلب بحكمته وإخلاصه على الأمواج المتلاحقة التي تواجه هذه السفينة في سلوكها إلى موانىء العبدية لله تعالى والتحقق بهذه العبدية بالافتقار إلى الله تعالى وحفظ حقوقه على خلقه.

والمرشد الذي لم يبحر من قبل، ولم يختبر الطريق سرعان ما يغرق ويغرق كل من يركب في سفينته، يغرقهم في المتاهات، وتسيطر عليهم الجهالات والانحرافات، ويجدون أنفسهم أسرى لتصورات خاطئة ومعتقدات منحرفة وشبهات تسري في دمائهم وتفسد شرايينهم.

ما أقسى ما يعانيه المريد على يد مرشد جاهل تصدى للإبحار وهو لم يعرف معالم الطريق، وسرعان ما يصطدم مركبه في الجزر التي تتوسط البحار ولا ينتبه لها من لم يعرف طبائع النفس من المرشدين.

لم يرب الشيخ إخوانه على التزام الطقوس الصوفية ولم يدعهم إلى ذلك، ولم يلزمهم بالأذكار والأدعية والأوراد، فلا يعرف إخوانه ذلك، ولم يأخذ عليهم عهداً بالالتزام بهذه السلوكيات، وما كان يريد لهم الاستغراق في المواجيد والأحوال، فلم يكن هذا منهجه، كان طريقه البيان والتوضيح، وإحياء القلوب بالأخلاق الحسنة وتصحيح العادات والارتقاء بمستوى القيم.

منهجه آداب متبعة، وخلق رفيع وشريعة هادية وسعي في الدنيا من غير تعلق بها، وتعلق بالآخرة من غير تجاهل لحقوق نفسه عليه، ودعوة إلى الارتقاء بالهمم والعزائم وتحليق في فضاءات الكون لمعرفة عظمة الخالق المبدع.

لم يدع إلى فتوحات الكرامات وخرق العادات ولم يتحدث في مجالسه عن ذلك، وكان يضيق بمن يتعلق قلبه بهذه المظاهر التي لا تدل إن وقعت على كرامة صاحبها وتميزه عند ربه، فالتفاضل معياره الخلق والعمل الصالح والصدق مع الله في الظاهر والباطن، أما ما يتعلق به العامة من خوارق العادات فهذا دليل الجهل بالمعايير والجهل بحقيقة التصوف، فخوارق العادات هو استدراج طريقة المجاهدات النفسية، ويتعلق به أهل الغفلة، أما أهل الكمال فكرامتهم هي الاستقامة على طريق الشريعة والتمسك بآدابها، وتعلق القلب بالفضائل والكمالات.

ولم يكن يعجبه أن تتعلق قلوب بعض إخوانه بالمجاذيب الذين تجري على أيديهم خوارق العادات، وكان يفضل استعمال خوارق العادات على استعمال لفظة الكرامات، فالكرامات هي ثمرة الاستقامة في السلوك، أما خوارق العادات فلا تدل على تميز عند الله، ومن تعلق قلبه بخوارق العادات كان ذلك حجاباً له عند ربه، والكامل يجب ألا تحجبه المظاهر عن الحقائق وكان يقول: المجذوب ناقص العقل، ومن كان كذلك لا يصلح للاقتداء به، ولو كان صافي القلب، ومننقص عقله لم تكن أعماله حجة في نظر الشريعة.

وغاية التربية الصوفية هي إحياء القلوب وعلاج أمراضها لكي تتمكن من فهم كلام الله ومعرفة عظمته ولا حدود للفهم ولا حدود لعطاء الإمداد، قال تعالى: {{ع94س81ش901ن1/س81ش901ن881} [الكهف: 109].

( الزيارات : 1٬593 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *