موقع الاخوان لدى السيد النبهان

موقع الإخوان في نفس الشيخ:

والإخوان بالنسبة للشيخ المرشد هم أبناؤه وأحباؤه وأصدقاؤه، أكرمه الله تعالى بأن يكون خادماً لهم وهادياً وموجهاً وناصحاً، لا يمتاز عنهم بمكانة اجتماعية ولا بجاه يملكه دونهم ولا بمال يستغلهم به، فهو واحد منهم يرى نفسه كما يرى الأب نفسه يحمل هموم جميع أبنائه، إذا مرض أحدهم أسعفه وحمل همه، وإذا افتقر مد له يد المساعدة، وإذا تكدر مزاجه بسبب هموم الدنيا وأثقالها عليه شاركه في همه، وشجعه وأعاد إلى نفسه ابتسامة الأمل وإشراقة الحياة، وإذا مات كان الأب لأولاده تكفل بأمرهم ووقف إلى جانبهم، وإذا سار في طريق الملذات والشهوات أمسك بيده وقاده بعيداً عن مواطن الزلل والانحراف وقدم له النصح الصادق لكي يعود إلى الطريق الصحيح، وإذا أعرض عن ربه بسبب غفلة أيقظه وذكره بحقوق الله عليه.

هذا هو المرشد وهذه هي مهمته، ولا يجوز أن يتصدى لمهمة الإرشاد إلا من كان مؤهلاً للقيام بهذه المسؤولية بنفس رضية من غير تذمر ولا تبرم ولا ضيق بالآخرين.

والسيد كما يقول الشيخ ليس من طلب السيادة وطمع في بلوغها ولبس جلبابها الأبيض، وإنما السيد من اختار أن يكون خادماً للآخرين، والآخرون هم من يجدون فيه السيادة، وليس من رأى في نفسه السيادة.

المشيخة أمانة ومسؤولية وخدمة وليست سيادة ولا رتبة، فمن أراد المشيخة للرئاسة والزعامة والمكانة فسرعان ما ينشكف أمره وينصرف عنه إخوانه، ويجد نفسه في متاهة وضياع.

كان الشيخ يجسد هذه المعاني في سلوكه اليومي في كل ساعة ودقيقة، وفي كل صباح ومساء، لم تكن له حياة خاصة، ولم تكن لأسرته حياة خاصة، كان ملكاً لإخوانه، كانوا يملكون منه ما تملك أسرته، وقد تملك أسرته أقل مما يملكه إخوانه من وقته ورعايته.

كنت في طفولتي أرى ذلك وأعيشه يوماً بيوم، وما اكتبه أصف به الواقع كما رأيته، وكما شهدته وعشته، كان كل رب أسرة مشغولاً بأسرته يربي أولاده ويرعى شؤونهم ويسهر عـ أمرهم، وكان الشيخ مشغولاً برعاية أسرته الكبرى، يسهر على أمر إخوانه، يقف معهم في الشدائد، يدفعهم إلى العمل والنجاح، كانت داره مزدحمة صباح مساء بإخوانه من النساء، يحضرون مجالسه ويصلون معه صلاة الفجر، في كل صباح، ولم يفرغ منزله قط في ليل أو نهار من إخوانه.. كانوا جزءاً من أسرته، يعرفون كل الأسرار ويطلعون على كل الأخبار.

لم يضق الشيخ قط بإخوانه وما ضاقت أسرته قط برسالتها وبمهمتها، كانت سعيدة بما اعتادت عليه، احتراماً للشيخ، وكانوا يدركون مدى هذه المهمة، وعظم منهجها وقدسية رسالتها التربوية ويفرحون بما أكرمهم الله به من هذه الخدمة.

ومن حكمة الله تعالى أن القلوب تنشرح لما كلفت به، فتنقاد إلى ذلك سعيدة هانئة، وتسعى بكل طاقتها لأداء ما كلفت به راضية مرضية، ولو خيرت لاختارت ما اختاره الله لها.

كان السيد النبهان سعيداً بما شرح الله صدره له من خدمة الخلق، وكان إخوانه سعداء بشيخهم، أوفياء له، محبون صادقون، وكان يمكن لأي فرد منهم أن يضحي بكل شيء في سبيل الشيخ، وأن يخدمه بكل صدق وبسعادة ومن غير تردد ولا تكلف، كان الشيخ سعيداً بهم وهم سعداء به.

لو نظرنا إلى جانب من الحقيقة لأخطأنا في الحكم، فالأمور لها وجهان، ولكي تعرف الحق عليك أن تنظر إلى الحقيقة كلها كما كانت، ربما ينظر البعض من منظار واحد إلى جهة واحدة ومن خلال نافذة واحدة، وهذا يؤدي إلى خطأ في الفهم، وعلينا أن نعيش الحقيقة كاملة، لكي نحكم على الأمور، وربما ينظر البعض إلى زاوية الإيجاب والعطاء ويتجاهل زاوية التضحية والصعوبات.

عندما كنت أحاور جدي الشيخ قدس الله سره يوماً عن بعض ما أشعر به من تضحياته ومواقفه كان يقول لي بلغة حانية مهذبة:

«يا ولدي هذه مرتبة أقامني الله فيها، وأنتم لا تقدرون عليها، من لهؤلاء المستضعفين؟ لقد سخرني الله لأحمل عنهم بعض همومهم، وأخدمهم فيما أقدر عليه».

وصدق الشيخ وكان علي أن أفهم جيداً ما يجب علي أن أفكر فيه، لقد شرح الله صدره لما هو فيه، وأعانه على ذلك. وكان سيداً ورائداًًًفي الأحوال.

كان قلبه يتسع لجميع إخوانه ومريديه، يحبهم ويرعاهم، يسمع منهم آلامهم ويمسح دموعهم ويعين الفقير منهم، ويساعد المحتاج، ويطعم الجائع، ويمسك بيد الصغير مشجعاً، ويستر عيوب المخطئين، وينصحهم سراً لكي تصل كلمته إلى قلوبهم، ويطيب نفوس الأيتام والأرامل، ويداعب العجزة والمسنين، ولم يغلق باب داره أمام قاصد ولو جاءه بليل، ويتجاهل جهل الجاهلين ويتسامى عن كل الصغائر، ولا يعاتب مخطئاً من إخوانه ولو أساء إليه، ويغض بصره عن رؤية ما لا يجب أن يراه من سوء الأعمال، ويعفو عمن أساء إليه، وكان يزهد فيما يطمع فيه الآخرون.

ذلك ثمن لابد منه ولابد للسيد إلا أن يدفع ثمن سيادته، ترفعاً عن الصغائر وسعة في الصدر وزهداً في كل ما تتعلق به القلوب من رئاسة ومال وجاه.

كان الشيخ قمة في هذه المواقف، وأشير ولا أفصل، وأعرف الكثير الكثير مما يمكن أن يقال، وإخوان الشيخ يعرفون جيداً ما أريد قوله، أو ما يخطر ببالي.

لم أكتب ذلك عبثاً، وإنما أردت بيان مسؤولية هذه المرجعية التي أعطاها الشيخ حقها من غير تكلف، فهي مسؤولية أخلاقية ودينية، ولا يمكن لهذه المرجعية أن تعطي ثمارها إلا إذا أعطيت كامل حقوقها، والذين لا يعطون لا يأخذون، والذين لا يخلصون في هذه المهمة لا يفلحون والطامعون في مغنمها سرعان ما يخسرون ذاتهم ولا يشعرون.

وما أسوأ من يجعل الدين مطية لأهوائه وطموحاته، فيسيء لقيم الدين الخالدة، ويهدم دعائمه في النفوس، ولابد من تحرير الدين من المفسدين باسم الدين، من الجهلة والطامعين الذين يستغلون الدين كمطية لتملق عواطف العامة بالخطب الحماسية لتحقيق طموحات خاطئة، ولابد من التوعية بحقيقة الدين، لكي يرتقي وعي الأمة بكيانها وهويتها وثقافتها وملامح فكرها.

والدين نقاء وصفاء واعتزاز بالقيم والمثل العليا، وتمسك بكرامة الفرد وحريته ودفاع عن الحقوق الإنسانية ودعوة إلى التحرر عن الجهل والتخلف، والأخذ بأسباب التقدم لكي يشعر الإنسان بالكرامة والحرية.

ولا يمكن للدين أن يكون غير هذا أبداً، فما ترفضه الفطرة يرفضه الدين، وما يمس الكرامة لا يقره الدين، ورفع المظالم هي غاية الدين، وهذا هو الدين كما هو في حقيقته، لا كما هو في مفاهيمه السائدة التي يتحكم في توجيهها رموز الطغيان في المجتمع ضد المستضعفين في الأرض.

هذا هو الفكر الذي رضعنا لبانه من الشيخ منذ الطفولة، وتعلمناه من شخصيته وأحاديثه وسلوكه، وما يخالفه أو يناقضه فليس من فكره في شيء، وإنما هو فهم خاطىء كرسه واقع متخلف.

( الزيارات : 1٬763 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *