الملك هو امير المؤمنين المؤتمن على الثوابت

يتمتع الملك فى المغرب شعبيا ودستوريا وتاريخيا  بسلطة دينية واسعة، وهو أمير المؤمنين وينظر إليه الشعب المغربي نظرة احترام لمكانته الدينية، ويملك الملك بهذه الصفة سلطة الأمر والنهي ووجوب الطاعة له، وينتمي الملك لأسرة شريفة من أبناء الحسن ابن علي بن أبي  طالب، وجاءت أسرته إلى المغرب قبل ثمانية قرون، وأقامت في جنوب المغرب في منطقة الريصاني ونافلالت، وتولى أجداد الملك الحكم قبل 350 سنة، واشتهر عدد من ملوك الأسرة العلوية من أمثال علي بن الشريف والمولى إسماعيل ومحمد بن عبد الله والحسن الأول ، ولما تولى السلطان محمد بن يوسف محمد الخامس تحالف مع الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال ووقف إلى جانب الوطنيين، ولما اكتشفت ذلك فرنسا عزلته عن العرش ونفته إلى جزيرة فى البحر وعينت ملكا آخر، ولما رفضت الحركة الوطنية ذلك الموقف وقاومت الجيش الفرنسي اضطرت فرنسا لإعادة الملك إلى عرشه واعترفت باستقلال المغرب , ولما توفي تولى الحسن الثاني عرش المغرب عام 1961 واصطدم مع عدد من الأحزاب السياسية، واشتدت المعارضة ضد الملك ووقعت مواجهات قوية، وقام الجيش بمحاولات انقلابية وفشلت هذه المحاولات، وقاد الملك المسيرة الخضراء عام 1975 لتحرير الصحراء المغربية وتحقيق الوحدة الترابية، وحقق المغرب إنجازات اقتصادية وعلمية هامة ، وكان المغرب ينعم باستقرار سياسي، وكان الملك الحسن الثاني يحرص على إشراك الأحزاب المعارضة في الحكم، ونجح قبل عام من وفاته في إشراك المعارضة في الحكم وكلف زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي في تشكيل الوزارة من الأحزاب المعارضة، ونجحت سياسة الملك في تحقيق التناوب السياسي على السلطة، ورفع شعار تداول السلطة، وحققت هذه الخطوة استقرارا جيداً في الحياة السياسية المغربية، واستطاعت أحزاب المعارضة أن تحقق بعض شعاراتها في الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وهذا إنجاز جيد، وقد تابع الملك محمد السادس هذه السياسة وأوجد ظروفاً جيدة للانفتاح السياسي والثقة المتبادلة بين الملك والأحزاب السياسية ذات النفوذ الشعبي، والملكية في المغرب راسخة وعميقة الجذور، لأسباب دينية وتاريخية، وهناك إجماع على التمسك بالملكية الدستورية، ويكمن الخلاف في مطالب المعارضة في إصلاحات دستورية بحيث يقوم الحزب الأقوى في الانتخابات  بتشكيل الحكومة وتوسيع صلاحيات الحكومة في تنفيذ سياساتها , ومعظم هذه المطالب مقبولة وعادلة , ويظل الملك هو الأقوى نظرا لما يتمتع به من مكانة لدى الشعب وكل المغاربة يثقون بالملك ويؤيدونه فيما يقرره من قرارات وما يختار من سياسات ,وهناك حرية واسعة في مجال الصحافة بشرط الالتزام بالثوابت المغربية , وأهمها الدين والملك والشعب.. ..

والمؤسسة الملكية قوية وذات نفوذ وتتمسك بالثوابت والتقاليد وهي ضامنة الاستقرار وهي الحكم الموثوق بحكمته  , وكان الملك الحسن الثاني يريدها قوية ويدعم نفوذها ولا يرضى أن تنتقص هيبتها وهي أقوى من كل الأحزاب والقوى السياسية ولا خطر على النظام الملكي فالمغاربة يحبون النظام الملكي وهو عامل مهم في تحقيق الوحدة الوطنية , وهناك محاولات ملكية جادة لإصلاح هذه المؤسسة الملكية وتحديثها وتخفيف دور هذه المؤسسة في الحياة السياسية والإدارية والاحتكام للقانون وإلغاء الامتيازات وبعض المظاهر والتقاليد التي لم تعد ملائمة لهذا العصر ويرفع الملك محمد السادس شعار التحديث ودولة القانون ووجّه اهتمامه للسياسة الاجتماعية وتنمية الأقاليم الضعيفة والفقيرة والمغرب يملك إمكانات الاستقرار بفضل تماسكه الداخلي وتعاون الملك مع الأحزاب الوطنية وأهمها حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي وهما يملكان قاعدة شعبية واسعة ويرفعان شعار الإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي والاجتماعي , وهذه مطالب مشروعة والإصلاح طموح مشروع لكل المجتمعات وعندما تبنى الثقة بين القصر والأحزاب الوطنية فإن من اليسير إيجاد صيغة للتعاون تحقق مصلحة المغرب وتنهض به وبخاصة ما يتعلق بتشجيع السياسة الاجتماعية والاهتمام بالطبقات الفقيرة والتغلب على ظاهرة الأمية والجهل والتخلف,  والتعاون بين الملك والأحزاب الوطنية يخدم النظام الملكي ويوفر الاستقرار الاجتماعي والنظام الملكي يحظى بقبول شعبي واسع وإذا تمكنت الأحزاب الوطنية من تحقيق برنامجها الإصلاحي وشاركت بالحكم بطريقة فاعلة فهذا سيدعم النظام الملكي وتتحمل الحكومة مسؤولية الفشل في حل المشكلات الاجتماعية وكانت تربطني صلة وثيقة بمعظم الشخصيات السياسية ومعظم الأحزاب الوطنية وخاصة شخصيات حزب الاستقلال وهو حزب كنت أحترمه وأقدر برنامجه السياسي وهو برنامج عاقل ومعتدل ومتكامل ويضم حزب الاستقلال شخصيات مغربية ذات مكانة اجتماعية والتزام وطني واعتزاز بالشخصية المغربية , وكنت أشارك في بعض نشاطات هذا الحزب والمغاربة غيورون على مصالح بلدهم وهم قادرون على التوحّد والتعاون في مواجهة أي خطر خارجي وما يجمعهم أكثر مما يفرقهم والنظام الملكي هو أداة ترسيخ الوحدة المغربية ولا أظن أن أي نظام بديل يمكن أن يحقق الاستقرار ويحافظ على الوحدة الوطنية وكانت تربطني صلة صداقة ومودة بالأستاذ محمد بوسته الأمين العام لحزب الاستقلال وهوشخصية سياسية ملتزمة وصاحب مواقف وطنية وكنت أزوره في داره ويزورني في داري ونتناول في حديثنا بعض القضايا السياسية العامة , وكان حزب الاستقلال يمثل المعارضة وكنت أعتبر ذلك أمرا داخليا واختيارا وطنيا  , وكان هذا موقفي من كل الشخصيات السياسية المشاركة في الحكم أو المعارضة,  وكنت أتفهم جيدا موقف هذه الأحزاب وأحترم اختياراتها ومواقفها وأتعاطف مع مطالبها وبخاصة فيما يتعلق بضرورة الإصلاح السياسي ونزاهة الانتخابات والاحتكام لرأي الشعب في السياسات العامة وعدم تكوين أحزاب إدارية والتخفيف من قبضة وزارة الداخلية  على تكوين المشهد السياسي والحزبي وإعطاء الحكومة دورا أكبر في اتخاذ المواقف وإختبار السياسات الاقتصادية والاجتماعية وكانت المعارضة تطالب بأن يقف الملك بعيدا عن التجاذب الحزبي وألا ينحاز لأي طرف وأن يكون حكما بين الأحزاب وأن يثق بالحزب الذي يملك أكثرية حقيقية في الانتخابات وأن يكون الوزراء في درجة واحدة وأن لا يكون هناك وزراء سيادة ووزراء أحزاب أقل نفوذا وأن ينيط الملك بالمجلس الحكومي سلطة التعيين في المناصب الكبرى وألا تتدخل المؤسسة الملكية بطريقة غير مباشرة في توجيه الحياة السياسية وتقوية الأحزاب  الادارية التي لا تمتلك قاعدة شعبية

وكانت معظم أحزاب المعارضة مثل حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية تطالب بالإصلاح , وهو مطلب مشروع ويخدم النظام ويؤدي إلى استمرار الملكية وتقوية مركزها وترسيخ هيبتها ولم أجد لدى أحزاب المعارضة أي شعارات متطرفة أو مناهضة للنظام الملكي وأعتقد أنه لا خوف على الملكية في المغرب ما دامت المؤسسة الملكية تتعاون مع الأحزاب الوطنية ذات النفوذ الشعبي باحترام وثقة متبادلة وتحترم خصوصياتها وتمكنها من مطالبها الإصلاحية وبخاصة ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية والسياسة الاقتصادية وأعتقد أن المغرب قد اختار بعد تجربة التناوب على السلطة هذا المنهج وازدادت الثقة بين الملك والأحزاب الوطنية وهذا هو سيبل الاستقرار السياسي والاجتماعي..

( الزيارات : 1٬055 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *