علمتني الحياة

أن أكرهَ النفاق وأن أشمئز من المنافين والمتملّقين لأن النفاق صفة سيئة في الإنسان , والمنافق إنسانٌ لا يحترم نفسه , وهو يخدع نفسه أولاً قبل أن يخدع من ينافق له , والكبير لا يرضى لنفسه النفاق , ولا يستطيع مصاحبة المنافقين , لأن المنافق يتظاهر بما ليس فيه , وينسب للآخر ما لا يعتقده فيه , ويفعلُ كل ذلك للتقرّب من الآخر الذي يملك ما يتطلع المنافق إليه من مالٍ أو سلطةٍ أو جاهٍ , ولا يستطيع استمالة ذلك الشخص إلا بالمبالغة في مدحه وإضفاء أوصاف جميلة عليه , ولا يصدر النفاق إلا عن الصغار , ولو رأى المنافق نفسه كبيراً لما ارتضى النفاق ولما رضي أن يُوصَف من الآخرين بالنفاق , والنفاق يدل على صفتين في المنافق : الكذب أولاً والصِّغَر ثانياً , وهما صفتان متلازمتان , فكلّ من يكذب فقد رضي الصّغَار في نظر الآخرين ..

وسبب النفاق أنّ المنافق يعتقد أنّ النفاق يقربه من الشخص القوي الذي ينافق له , ومعظم هؤلاء الأقوياء يعرفون المنافق جيداً ويسخرون منه في قلوبهم إلا أنّه يسعدهم ويفرحهم ويحبون أن يسمعوا مديحه لهم , ويستمتعون بسماع كلام المنافقين والمتزلفين والمادحين , ويضايقهم كلام الناصح الأمين من الأصدقاء , ويضيقون بمجلسه وصراحته , وبخاصةٍ إذا بلغوا مرتبةً عاليةً في السلطة أو المجد أو المال , وكلما اتّسع نفوذهم ضاقت صدورهم بالكلمة الناصحة ولو كانت صحيحة وصادقة , وهم أعرف الناس بمواطن ضعفهم ولكنهم لا يحبون أن يذكرهم أحد بها , ويحتاجون لمصاحبة المنافقين وهم يعرفون أنّ المنافق يريد شيئاً منهم , ويعرفون أنّ المنافق هو أول من يتنكر لهم إذا سأَل سلطانهم , ومع هذا فهم يحتاجون إليه , يعطونه ما يريد ويعطيهم ما يريدون من عبارات المديح والثناء والإعجاب ..