النقل والعقل تكامل لا تناقض..

كلمات مضيئة..النقل والعقل تكامل لا تناقض

هناك حقيقة ايمانية وهي لاتخضع للمقاييس العقلية , ومصدرها الوحي وتثبت عن طريق النقل الصادق والتوثيق العلمي المقنع , مصدر النقل هو الوحي والنبوة , اما العقل فهو ضرورى للبحث فى امرين اولهما صحة الرواية عن طريق اهل الاختصاص , ولا يعتد بكلام غيرهم فيما اختصوا به , وهذا ما انصرف اليه العلماء في دراسة الاسانيد والرواة وهو علم فى غاية الدقة ويحتاج الى علم وتقوى ونزاهة , ولا يحتج بكلام غيرهم فيه , وثانيهما فهم الدلالات اللغوية للالفاظ , وهذا علم اخر وقد اختص به اهل التفسير والتأويل , وتعددت التفاسير واختلفت مناهج المفسرين , وهذا علم واسع لا يحيط به  الا اهله , ويحتاج التفسير الى معرفة اصول اللغة العربية ومعانى المفردات من خلال استقراء استعمال العرب لتلك المفردات وبخاصة الشعر الجاهلى الذى يعتمد عليه لفهم المعانى اللغوية , هذه العلوم ليست من الاصول ولامن الفروع , فالاصول هي القرآن والسنة , اما الفروع فهو ما استنبط من تلك الاصول من الاحكام,  وهذا هو علم الفقه وختلفت مناهج الفقهاء فى فهم تلك الاصول , ما بين منهج اهل الحديث والرواية الذى اشتهر بالمدينة وعرف باسم مدرسة الحديث او مدرسة اهل المدينة , ومن ابرز اعلامها  الامام مالك , وبفضل هذه المدرسة انتشر الفقه المالكى فى الحجاز اولا ثم انتقل الى بلاد الاندلس والبلاد المغاربية , وهذا الفقه له اصوله وقواعده ونوازله الفقهية , ومن اهم اصول هذه المدرسة الفقهية الاخذ بعمل اهل المدينة او ما يسمى بما جرى عليه العمل , واشتهر باسم العمل وله حجيته وترجيحاته , وكنت اهتم كثيرا بفقه النوازل وفقه العمل واجد فيهما من السعة  ما  يجعل الفقه اكثر ارتباطا بالنوازل المستجدة ومراعاة المصالح , وكتبت الكثيرمن البحوث العلمية المنشورة  عن فقه النوازل وفقه العمل , وبخاصة مجلة العربي الكويتية , اما المدرسة الثانية فهي مدرسة الراى او مدرسة العراق , ومن ابرز اعلامها الامام ابوحنيفة وابو يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى صاحب الكتب الستة , وكان المذهب الحنفى هو المذهب المعتمد فى الدولة العباسية ثم اعتمدته الدولة العثمانية , وما زال الافتاء الرسمى يلتزم بالفقه الحنفى , وعندما اصدرت الدولة العثمانية اول قانون مدنى مستمد من الفقه الاسلامى اعتمدت على الفقه الحنفى  , وكان هذا القانون يسمى بمجلة الاحكام الشرعية العدلية  الذى كان معمولا به فى سوريا الى الخمسينات , اما علوم التفسير والحديث واللغة وعلوم القران وعلم مصطلح الحيث فقد اعتبر  الامام الغزالى فى كتابه الاحياء فى الجزء الاول منه فى باب العلم  هذه العلوم من المتممات والمقدمات , واراد بالمقدمات العلوم التى تجرى مجرى الالات كاللغة والنحو ولا يمكن فهم الحكم الشرعي الا بها , اما المتممات فكل ما يتعلق باللفظ والاداء مثل علم القراءات والتفسير وقواعد العدالة والضبط فى الاسانيد ومعايير قبول الرواية , هذه العلوم شرعية ولكنها ليست من الاصول ولا الفروع لانها ليست مرادة بذاتها وانما هي اداة لحسن الفهم , واعتبر الغزالى ان الفروع تنقسم الى قسمين  الاول يتعلق بمصالح الدنيا ومنها المعاملات والعقود وكل ما يتعلق بالحقوق والمبايعات وقد اختص بها الفقهاء فى كتب الفقه المختلفة ولو تعددت المناهج والمذاهب,  اما الثانى فهو ما اختص بعلم الاخرة , وقد اختص بذلك علماء الاحوال والقلوب من المربين  الذين عكفوا على طهارة القلوب وصفائها , واهتموا بالقلب وما يعتريه من امراض تجعله عاجزا عن فهم معنى التكليف الالهي , وهو المؤتمن على الخير والفضيلة والعدالة والسلام , فالاوصاف المذمومة  كالحقد والحسد والطمع والكذب والنفاق والجشع والظلم كلها اوصاف تصدر عن القلوب الغافلة والمريضة التى انطفات شعلة الخير فيها فاصبحت قاسية غافلة تضل ولا تعرف طريق الهداية , واعتبر الغزالى ان العبادات لاتثمر الا اذا صح اداؤها وارتقت مقاصدها وصفت قلوب القائمين بها , فالارض القاحلة التى جف ماؤها لاتثمر ولو كبرت اغصانها , وهذا يؤكد لنا ان العقل لا يمكن الاستغناء عنه ولا الاستهانة به , فما كان التكليف به عبثا , الاصول لا يمكن ان تفهم الا بمنهج عقلانى وعلمي وهو اداة الفهم لما نريد الوصول اليه من الحقيقة الايمانية , النقل والعقل منهج متكامل لا تناقض فيه ولا يستقيم احدهما الا بالاخر فمن اراد البحث عن الحق فعليه ان يحسن الفهم لكي لا يضل بجهله ضلالا بعيدا..   

( الزيارات : 553 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *