أهمية منبر الجمعة في توجيه المجتمع

الجمعة

لقد أثار اهتمامي في مدينة حلب ذلك الشعور الديني الصادق وتلك العاطفة التي لا حدود لها التي تدفع الفرد لأداء عبادته، وتلك المظاهر الإيمانية التي تصدر من الناس بطريقة عفوية وتلقائية، ولم أجد استعدادا للدين كما وجدته في هذه المدينة، فالدين شيء مقدس ولا حدود للإيمان به، وهذا شيء ايجابي ويستحق أن تدرس هذه الظاهرة بموضوعية، وأن تستثمر لكي تسهم في تعميق أثر الدين في السلوك العام..

أحيانا كنت أتساءل في حوار داخلي مع ذاتي، هل يمكن الاستغناء عن الشعارات الثقافية والاكتفاء بالثقافة الدعوية ذات الطبيعة الوعظية ما دام المجتمع يتأثر بها ويعتبرها ثقافة كافية..

– أليست الغاية هي الثمرة المرجوة، فما حاجتنا إلى ثقافة نظرية لا يستوعب المجتمع مضامينها، ولا يتفاعل معها..

وكثيرا ما كنت أتأمل هذه الظاهرة وأطرح على نفسي هذا التساؤل، وبقيت مترددا حائرا، وأنا اقلب الأمر بكل موضوعية، وربما أكون قد اقتربت من الحلول الوسطية والنسبية بحسب طبيعة المجتمعات وطبيعة الدور الذي نطلبه من الثقافة..

ولاحظت أن الثقافة التقريرية ذات الطابع التراثي والتي تثير العواطف هي ثقافة تحصينية ودفاعية، وهي تؤدي دورها بطريقة جيدة، ولكنها لا تهيئ المجتمع للنهوض، ولا تأخذ بيده لتساعده على تصحيح المسارات الخاطئة، ولعل هذه هي نقطة الخطأ في تقييمنا لدور الثقافة في مجتمعنا، وبدأت أتقبل الخطاب الديني التقليدي في مرحلة الدفاع عن الذات، لكيلا تحدث التحولات الثقافية ثقوبا في حصوننا المهددة..  

والمنبر الأهم في مدينة حلب هو منبر المسجد، هو منبر الثقافة والتوجيه والتأثير، وهو المنبر الشعبي الذي يثق به المجتمع، ولا يتق بغيره،  وكل المنابر الأخرى لا يسمع صوتها ولا يشعر أحد بوجودها، فلا تأثير للمنابر الجامعية في الحركة الاجتماعية، وما يلقى من محاضرات وندوات ثقافية فلا يسمع أحد بها، بالرغم من أهمية موضوعاتها..

ومن أهم أسباب  ذلك وجود فجوة بين المثقف والمجتمع،ويعتقد معظم الناس أن المثقف يعبر عن الثقافة التي تنتجها السلطة، والمجتمع لا يقبل على أي ثقافة سلطوية، ويريد من منبر المسجد أن يكون بعيدا عن هذه  الثقافة، ويضيق بالعلماء الدين يروجون ثقافة السلطة..

وبالرغم من القيود الصارمة التي تحكم قبضتها على حرية منبر الجمعة فان هذا المنبر يملك من الحرية القدر الكبير الذي يمكنه من التعبير عن توجهات المجتمع واختياراته، بشرط ألا يقترب من الخطوط الحمراء التي تضعها الجهات المختصة بالرقابة على هذه المنابر..

وتقوم هذه المنابر ولو بطريقة نسبية بدور الصحافة والإعلام في نقد بعض المظاهر السلبية التي تدخل ضمن دائرة الحظر.

 

( الزيارات : 1٬291 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *