اهم المؤتمرات التى شاركت فيها خارج المغرب

ومن أبرز المؤتمرات التي شاركت فيها ما يلي :

أولاً: مؤتمرات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمان ..

والمجمع مؤسسة ثقافية ذات كيان مستقل ولها أهداف ثقافية وطموحات علمية في مجال الفكر الإسلامي، وأنجز هذا المجمع عدة مشروعات علمية في مجال الدراسات الإسلامية ، ويضم هذا المجمع قرابة مائة عضو من كبار علماء العالم الإسلامي، يجتمعون مرة كل سنتين في عمان، ويتم اختيار أعضاء المجمع وفقاً لمعايير الكفاءة والأهلية العلمية، ويعين الأعضاء بقرار من الملك وبترشيح من الهيئة العلمية للمجمع ..

وقد عينت عضواً في هذا المجمع منذ بداية التسعينات,  وشاركت في جميع دوراته ببحوث ودراسات ، كما شاركت في بعض الندوات العلمية التي نظمها هذا المجمع ، وقد اسس هذا المجمع الدكتور ناصر الدين الأسد المفكر الأردني والباحث المتميز وقاد مسيرته بكفاءة عالية وأدار شؤونه بحكمة ويصيرة  ويعود اليه الفضل فبما حققه المجمع من انجازات ، ثم انتقلت رئاسة المجمع إلى غيره ..

وقد أدى المجمع رسالة علمية وثقافية هامة، واعترف بخصوصيات هذا المجمع وأهدافه العلمية وبالحرية الفكرية التي كانت موفرة لأعضاء المجمع ، وهو ظاهرة حضارية وثقافية، ويضم المجمع شخصيات علمية متميزة بفكرها وإنتاجها العلمي في مجال الفكر الإسلامي ..

وقد حرصت في البحوث التي قدمتها إلى المجمع الملكي على التأكيد على أهمية الثقة بالعقل أولاً وبالعلم ثانياً، وأهمية الثقة بالمواطن كوعاء لكل آمال التقدم(1) وكأداة حية للنهوض الاجتماعي وكطاقة إنسانية للترابط والتواصل بين الإنسان والحياة، ولا يمكن للمواطن أن يكون قاعدة للنهوض إلا بتوفير أسباب الكرامة له سواء فيما يتعلق بحرياته أو حقوقه الإنسانية، .

وقد اقترحت في بحثي بعنوان : نحو خطة موحدة لمستقبل العالم الإسلامي، وضع استراتيجية مستقبلية تعتمد على أربعة دعائم، أولها التأكيد على أهمية وضوح الهوية الفكرية والثقافية لهذه الأمة، وثانيها الثقة بالمواطن لكي يكون القاعدة الأساسية والمتينة للتواصل بين الإنسان والحياة بكل تطوراتها وإمكاناتها , وثالثها مضاعفة القدرات الإنسانية في بناء الهيكل الحضاري وتكوين مقوماته وأسبابه عن طريق الاستخدام الأمثل للقدرات العلمية , ورابعها إيجاد صيغة واقعية محكمة لتعاون دولي بين المجموعة الإسلامية والعربية والمجموعات الدولية في ظل تبادل عادل للمصالح واحترام كامل لقواعد المصالح المشتركة …

وفي دورة المجمع لعام 1994قدمت بحثاً عن مفهوم الشورى التي تعتبر إحدى أهم دعائم الفكر السياسي في الإسلام، وهي التي تمكن المواطن من المشاركة الجادة في صنع القرار السياسي

_____________________________________________________

(1)انظر تفصيل ذلك في بحث نحو خطة موحدة لمستقبل العالم الإسلاميالمقدم إلى المجمع الملكي في دورته لعام 1993، وهو منشور في كتابي تأملات فى الفكر الإسلامي ص23

 

من خلال إقامة هيئات تمثيلية منتخبة تملك سلطة القرار الذي يمكنها من الدفاع عن مصالح الأمة وإقرار دساتير وقوانين لحماية حقوق الإنسان وضمان حرياته الأساسية ))..

وأهل الشورى هم شركاء في القرار، ويستمدون سلطتهم من ثقة الأمة بهم، ولا يختارهم الحاكم وفقا ًلإرادته، ولا يستشيرهم بصفتهم خبراء فيما يستشارون به، وإنما يستشيرهم بصفتهم شركاء في القرار ويتحملون مسؤولية ما يقولون ، ولا يبرم أمر في شؤون الأمة إلا بموافقتهم، ولا يمكن أن ينفرد الحاكم برأي يخالف ما أجمعوا عليه , ويجب التفريق بين أهل الشورى وأهل الخبرة، إما أهل الشورى فهم أصحاب القرار السياسي فيما يتعلق بالشؤون الكبرى المتعلقة بالحكم وشؤون الأمة  اما الخبراء فلبسوا أهل قرار ..

وفي ظل نظام الشورى لا يتصور قيام حكم فردي أواستبدادي، لأن أهل الشورى يمثلون القيادة الشرعية، التي تملك سلطة التفويض عن الأمة، ولا شرعية لسلطة الاستبداد ولا للأنظمة الفردية، ولا بيعة لمكره عليها، ولا طاعة لمغتصب السلطة ، ومغتصب السلطة مثل مغتصب المال أوالأرض، ويقاوم المغتصب بكل الوسائل التي تمنع هذا الاغتصاب، ومن اغتصبت أرضه فعليه أن يبحث عن الطريقة التي يسترد بها حقوقه المشروعة ولاحدود لحقه فى المفاومة ، ومن فرط في أي حق من حقوقه فهو مفرط في كرامته والأحرار لا يفرطون  فى حريتهم  ولافيما يسيء لكرامتهم  , وكل مفرط فهو آثم ومقصر ..

ثانياً مؤتمرات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة:

ينظم المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مؤتمراً كبيراً في كل عام، ويشارك في هذا المؤتمر عدد كبير من وزراء الأوقاف في البلاد العربية والإسلامية بالإضافة إلى شخصيات إسلامية رفيعة يمثلون بلادهم، أو يمثلون الجاليات الإسلامية في أوربا وأمريكا وأفريقيا، ويحضر هذا المؤتمر عدد كبير من المشاركين، وتقدم إلى المؤتمر بحوث حيدة في موضوعات مختلفة، تناقش قضايا إسلامية من جوانب متعددة تعبر عن رؤية أصحابها ..

وقد شاركت عدة مرات في هذا المؤتمر , وقدمت عدة بحوث، ونشرت بعضها في بعض كتبي، وبخاصة فيما يتعلق بموقف الإسلام من التطرف والعنف، وقضايا تتعلق بحقوق المرأة وحقوق الإنسان والآثار الثقافية والاجتماعية للعولمة وفي الدورة العاشرة للمؤتمر علم 1998 قدمت  بحثاً بعنوان “شعار العولمة إلى أين ..”قلت فيها :العولمة التي نريدها هي عولمة التكامل والتناصر الإنساني وليست عولمة التنافس والتناصر التي تغذيها المصالح الفردية للأقوياء، وتنميها روح السيطرة والعنصرية  والاستعلاء، فهذه عولمة مذمومة، لأنها تؤدي إلى سيطرة القوي على الضعيف، وتكرس حالة الانقسام والتمزق بين الدول والشعوب وتقود إلى حروب ونزاعات وصراعات بين الشمال والجنوب، وتزيد من حدة الفجوة بين الدول المتقدمة والدول المختلفة وتوجد الشعور النفسى بالاستعلاء والهيمنة وتعطي للأقوياء من الدول والشعوب شرعية التدخل في شؤون الدول المستضعفة

ثم قلت :والإسلام لا يرفض مبدأ العولمة كشعار للتكافل والتقارب بين الأمم وإزالة أسباب التوتر بين المذاهب والأديان وإيقاظ روح المحبة والتعاون ..ولكنه يرفض أن تكون العولمة مطية لإلغاء الآخر وأداة لإفقار الشعوب وتكريس التخلف فيها .

وطالبت بالتركيزعلى البعدالاقتصادي للعولمة وإيجاد نظام اقتصادي عادل يعتمد على المنافسةالحرة، ويجب على دعاة العولمة أن يركزوا على أهمية احترام خصوصيات الشعوب الذاتية والحضارية وتمكين الشعوب من التكنولوجيا  والمعرفة التقنية، وأي عولمة لا ترفع شعار التكافل بين الشعوب المختلفة لا يمكن أن تحقق النجاح المطلوب،،فعالمنا يريد عولمةالتكافل لا عولمةالسيطرةوالهيمنة، ولا يمكن أن يتحقق السلام بين الشمال والجنوب إلا في ظل رؤية عادلة للعلاقات بين الشعوب، تتمثل في المسؤولية الجماعية عن حماية الحياة ومقاومة الجهل والفقر في كل مناطق العالم ..

وكانت مؤتمرات القاهرة مهمة جداً في طرح المواقف الإسلامية في المشكلات المعصرة، وأهمها قضايا التطرف والعنف  والإرهاب وصورةالإسلام في الغرب، والقاهرة عاصمة

انظر بحث شعار العولمة إلى أين المنشور بمجلةدارالحديث الحسنية العدد الخامس عشر للثقافة الإسلامية

 

ومن الطبيعي أن يخطى مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية باهتمام العالم الإسلامي , وكانت تشارك في هذا المؤتمر شخصيات مهمة وفاعلة في إغناء الحوار الإسلامي,  والأزهر بما يملكه من مكانة تاريخية وعلمية مطالب بأن يشارك بطريقة فاعلة في مناقشة القضايا الإسلامية المعاصرة , ويجب أن يكون موقف الأزهر واحداً ويصدر عن هيئات علمية متخصصة ومستقلة  وبعيدة  عن الانفعال والارتجال والتبعية , وهناك مؤتمرات كان ينظمها الأزهر بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية أو مع جامعات ومؤسسات ثقافية عربية , وهي مؤتمرات ذات طبيعة علمية وتناقش قضايا فكرية , وكنت أشارك في بعض هذه المؤتمرات المفيدة , والأزهر يملك كفاءات علمية كبيرة وتجب الاستفادة من هذه الكفاءات المتميزة , وأن يحظى الأزهر بالاحترام والمصداقية في العالم الإسلامي,  وليس من المستحسن أن يوجه النقد إلى مؤسسة الأزهر كصرح إسلامي كبير , وقرار الأزهر يجب احترامه ويجب ألا يصدر عن شيخ الأزهر إلا ما وقع الاتفاق عليه في المجالس العلمية المختصة والأزهر مؤتمن على المواقف الإسلامية الأصيلة…

 

 

ثالثاً:مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية

شاركت عدة مرات في مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران،التى تنظمها  هيئة رسمية يرأسها أحد العلماء الذين يخطون بمكانة علمية ، ممن يؤمنون بفكرة التقريب، ومؤتمرات طهران الإسلامية منظمة بشكل جيد، وليس المراد بالتقريب إلغاء الآخر، وإنما الغاية تعريف كل طرف بالآخر، والتخفيف من الحواجز النفسية بين الشيعة والسنة، واحترام أتباع كل مذهب للمذهب الآخر، وإزالة الأحقاد التاريخية بين العرب والفرس، ولا مبرر في عصرنا لهذه الأحقاد القومية والطائفية، ويجب احترام أتباع كل مذهب لخصوصيات المذهب الآخر ، ومن حق أتباع كل مذهب أن يتمسكوا بمذهبهم ويدافعوا عنه، إلا أنه ليس من حقهم الإساءة لعقائد ومشاعر أتباع المذهب الآخر، ولو تمسكنا بالثوابت الإسلامية في مجال العقيدة لما وقع هذا الاختلاف ، ولامبرر للإساءة لأي أحد من الصحابة، وليس لدى أهل السنة ما يثبت فكرة الإمامة في المذهب الجعفري، ومحبة آل البيت أمر مؤكد ومجمع عليه ، ولكن فكرة الإمامة والعصمة ليست ثابتة  في نظر علماء أهل السنة,  والتنافس بين العرب والفرس لا يبرر العداء بين شعبين متجاورين وتجمعهما عقيدة واحدة وتاريخ مشترك,  وكنت أؤكد على أهمية التقريب بين الشيعة والسنة , والفقه الجعفري جزء هام من الفقه الإسلامي ولا يختلف في معظم أحكامه عن الفقه السني , والتعصب المذهبي أمر مذموم ويجب على علماء المذهبين مقاومة التعصب والدعوة إلى التكامل المذهبي والاحتكام للنص فيما وقع الخلاف فيه,  كما يجب التصدي لكل من يدعو للتعصب وإثارة المشاعر الطائفية وتوحيد المواقف في وجه أعداء الإسلام , والصراع الطائفي يحدث فتنة خطيرة ويشعل ناراً لا تنطفئ بسهولة بين شعوب محكوم عليها بالتساكن والتعايش والتجاور وتجمعها مصالح مشتركة,  

وفي مؤتمرات طهران كنت أؤكد على أهمية التقريب بين السنة والشيعة ولم أجد لدى حكماء الشيعة ذلك التعصب كما لم ألاحظ هذا التعصب لدى معظم علماء السنة , ولم أجد في المجتمعات السنية أي عداء للشيعة أو لأي أمام من أئمة الشيعة وكل الأئمة من آل البيت يحظون باحترام كل المسلمين,  والادعاء بأن أهل السنة لايحبون آل البيت لاأصل له ولم أشعر به في أي مجتمع سني,  أما إساءة الشيعة لصحابة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فهو أمر مذموم وغير مقبول وهو سلوك الجهلة ولا يليق بالعلماء…

ولا أحد يقر حرباً بين العرب والفرس وكل حرب بين جارين مسلمين  يجب إدانتها وهي حرب ظالمة ومذمومة إلا في حالة الدفاع عن النفس , ولا ينبغي للغرب أن يقوم بتخويفنا من الخطر الإيراني أو تخويف إيران من الخطر العربي , وقوة  كل فريق هي قوة للفريق الآخر والعدو المشترك هي إسرائيل ولا ينبغي السعي لنشر أي مذهب في المجتمعات التي تتمسك بالمذهب الآخر,  ويجب الاعتراف بحقوق الأقليات الطائفية في كل المجتمعات.

وفي زياراتي إلى إيران أعجبت بالشعب الإيراني وتابعت ثورته الموفقة ضد نظام الشاه الاستبدادي وهي ثورة إسلامية لتحقيق أهداف اجتماعية عادلة,  وكانت كل الشعوب العربية تؤيد هذه الثورة التي قام بها الشعب الإيراني ضد نظام الطغيان والفساد , ولن تستطيع هذه الثورة أن تستمر إلا إذا التزمت بأهداف الثورة في احترام حريات المواطن وحقوقه واختياراته ومحاربة الاستبداد والفساد والحرمان الاجتماعي، ويجب أن تحترم إرادة الشعب الإيراني فيما يختار لنفسه من القادة والقوانين…

وكنت أؤكد على أهمية الحفاظ على شعارات الثورة في كل كلماتي وحواراتي مع الشخصيات الإيرانية، ومع وسائل الإعلام، ويجب على الثورة الإيرانية أن تقدم النموذج الإسلامي الصحيح بعيدا ًعن التعصب المذهبي والسياسات الارتجالية والانفعالية  والتزمت السلوكي والانغلاق الفكري، ولا يدوم حكم إلا في ظل سياسات عاقلة وعادلة وذات آفاق واسعة، ومن حق إيران أن تدافع عن مصالحها المشروعة مع احترامها للمواثيق الدولية , وأهمّ ما يجب أن تحرص عليه إيران هو احترام خصوصيات الدول العربية المجاورة وعدم التدخل في أمورها الداخلية، وإيجاد ثقة متبادلة مع هذه الدول لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة , والدولة القوية مطالبة بأن تقدم تنازلات للدول المجاورة لكي تشعر دول الخليج الصغيرة بالأمن والاستقرار النفسي، وسياسة الوفاق أكثر فائدة من سياسة المواجهة، ولا مبرر لاستفزاز الدول الأخرى المجاورة او تخويفها…..

 

 

 

رابعاً مؤتمرات وندوات عن الاقتصاد الإسلامي

شاركت في عدد من المؤتمرات والندوات التي كانت تبحث في قضايا  الاقتصاد الإسلامي ومسائله وفي آفاقه، والمصارف الإسلامية والمعاملات التربوية، وكان هذا الموضوع يشغلني,  وكنت أسعد ببحوثه وحواراته , وكان يتيح  لى فرصة التأمل والتفكير وحوية إبداء الرأي,  وقد أثار اهتمامي بالفكر الإسلامي ونظام الحكم إلى علاقة الاقتصاد بالدولة والاهتمام بالسياسات التقليدية وقضايا التضخم ودور السياسة الاقتصادية في توجيه الاقتصاد والتحكم  فى التضخم النقدي وأسعار العملات والقيود التي تضعها الدولة على الانتاج والاستيراد والتحويلات وأسعار العملات وحركة الأسعار والقروض الاستثمارية ومراقبة الإنتاج وتقييد حرية الاقتصاد ومراقبة القوانين الاقتصادية وإقرار السياسات الاقتصادية في مجال حماية الصناعة الوطنية وقيمة الإنتاج الزراعي وتشجيع الزراعة عن طريق تقديم القروض الزراعية وتخفيف الأعباء عن المزارعين ولا حدود للعلاقة بين الدولة والاقتصاد , وقد استفدت من آراء ابن خلدون في مقدمته وخاصة في الأموال والقيم والرواج والعمران في تعميق رؤيتي للقضايا الاقتصادية ودفعنى هذا إلى تأليف كتاب عن الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون والفكر الخلدوني، وهناك كتاب ثالث عن القوانين الاجتماعية عند ابن خلدون,  واتجهت إلى كتابة أفكار جديدة في مجال الفكر الاقتصادي والسياسي ,  ولكن الكثير مما كنت أفكر فيه لم أكتبه وكنت أعبرعنه في دروسى ومحاضراتى,  وما زلنا نحتاج إلى الكثير من الجهد والتأمل ,   وما كتبناه قد يصلح لكي يكون قاعدة لتوليد أفكار جديدة ومفيدة,  ونحن نحتاج إلى توليد أفكار وليس لإعادة كتابة ما كتبه الأسلاف,  فما كتبه الأسلاف في مجال الاقتصاد والمال والاستثمارقد كتبوه لعصرهم ولمعالجة قضايا هم ,  وكل قضايا الاقتصاد قد تغيرت في الإنتاج والاستيراد والنقود والقيم والتسعير ومراقبة الأجور والقوانين الاجتماعية وما زال فكرنا يتجه نحو واقعنا ببطء شديد , وكأننا نخشى أن نخوض في قضاياناالمعاصرة , والنصوص الشرعية تحتمل كل تفسير واجتهاد ولا أفهم أسباب التهيب من خوض مسائل عصرنا فلا يجوز التهيب من إبداء الرأي,  ولماذا نخاف من الخطأ ما دامت إمكانات الصحة ممكنة , وما دامت الرغبة في الدفاع عن الشرعية ومصالح المجتمع هي دافع كل مجتهد , وكيف يرضى عالم بالاحكام لنفسه أن يكون مقلداً لغيره من أشياخه , وهذا ليس من الوفاء المحمود، ولا يمكن لعالم أن يفخر بمثل هذا النموذج من طلابه ، وإنما يفخر بمن ارتقى بعلمه إلى مستوى أستاذه، ولو خالفه في آرائه ، والمجتهد يجب أن يشجع تلاميذه لا على تقليده، وانما يشجعهم على الالتزام بما يؤمنون  به من أفكار، وألا يكتبوا مالا يؤمنون  به، والأستاذ المربي يسعد بأبنائه الذين يناقشونه في أفكاره , ولا يسعد بأبنائه الذين  يحاكونه ويقلدونه و يتهيبون من مخالفته ..       

وقضايا الاقتصاد يجب أن نتناولها باهتمام وأن نشجع الاجتهاد في مسائلها، ونختار من تلك الآراء ما هو أكثر عدالة  وواقعية وقرباً من تحقيق المقاصد الشرعية  التي هي الغاية المرجوة ….

وأبرز ما يجب بيانه هو إبراز ذلك التوازن بين الحقوق الفردية  والحقوق الجماعية التي يجب احترامها , وهي من أهم مقاصد الشريعة،  وتبني الأحكام الفردية على أساس من هذه  القاعدة، وعندما يراعى الحق الفردي ويقع تجاهل الحقوق الجماعية فإن الظلم مؤكد، فلا يمكن إقرار السياسات الاقتصادية التي تشجع الاحتكار والاستغلال والمعاملات الربوية الظالمة ولا يجوز استغلال المصارف الإسلامية للإسلام لتحقيق أرباح لا يقرها الإسلام , فاستغلال حاجة المقترض محرم فى نظر الاسلام ولو تغيرت صيعة العقد  الى مرابحة شكلية..

اقتصادي وتهريب ورشوة واحتكاكات غير مشروعة فيجب مساعدة المجتمع على تقييد الخنات على كل نظاهر الفساد الاقتصادي والدولة التي تتجاهل هذا الفساد مسؤولة أمام الله وأمام شعبها عن هذا التقصير ومراقبة الإنتاجوالاستيرادواستهلاك والقيم والأجور والجودة أمر ضروري وواجب ومساعدة المجتمع علىتحقيق العدالة وتمكين كل مواطن من الأجر العادل والعمل والدراسة والفلاح وللسكن مطالب مشروعة ومن حق كل مواطن أن يدافع عن حقوقه بطريقة سليمة ومجدية وانيكون ملحا في طلب العدالة ولاسلطة يمكن أن تبرر ظلم الإنسان ولا صبر على الظلم أبداً والتهيب من مقاومة الظلم ضعف وخور وجبن وهي من قيم العبودية وأخلاق العبيد والأحرار لا يسكنون على ظلم ولا يصبرون عليه والدفاع عن الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية دفاع مشروع ولا يلجئ المظلوم إلى القوة إلا بعد اليأس من كل الوسائل السلمية والحوارات والمفاوضات وكل ما يقوم به المظلوم من سلوكيات اليأسوأساليب المقاومة مبرر بشرط أن لايصل إلى درجة الظلم وقتل الأبرياء من الظلم.

هذه بعض التأملات في قضايا الاقتصاد الإسلامي، وقد تضمنت بحوثي التي شاركت فيها في المؤتمرات والندوات الاقتصادية بعض هذه الأفكار بطريقة مخففة لكيلا تكون محرجة لمن يتحرج من سماعها، وليست الغاية منها تحريض المظلوم على المقاومة وإنما الغاية تعريف المواطن بحقوقه التي أقرها الإسلام له، وتصحيح بعض المفاهيم الإسلامية، في دعوة المظلوم إلى الصبر والاستسلام، ولم يأت الإسلام بهذا، ولو صبر المسلمون على مالحق بهم من ظلم لما كانت الهجرة ولا كانت غزوة بدر وفتح مكة، والتصدي لكل عدوان ضد الإسلام، ولو صبر النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين لما حاربهم ولو صبر على غدر اليهود لما طردهم من أرض المدينة، ولو صبر على من اعتدى على من أرسلهم من أصحابه إلى القبائل والأمصار لما عاقبهم، ولو صير الخليفة أبو بكر على المرتدين لما أرسل لهم الجيوش و فلا صير على من يسقط الثوابت الإسلامية وبخاصة في مجال العقيدة والعبادة والمظالم الاجتماعية ..

وأهم ما يجب أن يهتم به الاقتصاد الإسلامي هو تحقيق العدالة الاجتماعية بالتربية والنصح وتنمية الشعور بالمسؤولية الأخلاقية، ثم عن طريق الردع والقوة والإلزام، فالعدالة لا تتحقق بالإرادة، والظلم الذي يعتمد على القوة لا يرفع إلا بالقوة الرادعة، سواء عن طريق القانون والقضاء، فإن كان القانون ظالماً والقضاء فاسداً فيجب أن يمنع الظلم بالوسيلة الممكنة والمحققة للعدل، وليس الانتقام من العدل، ويحقق العدل بالوسائل العادلة ..

والقوة قد تكون عادلة، والحرب الدفاعية عادلة على وجه التأكيد إذا كانت تطالب بالعدالة ..

وكل زيادة ظالمة في ربح أو إيجار تعتبر ظالمة، وكل أجر يقل عن قيمة العمل يعتبر ظالماً، ويطالب العامل بالأجر المنتقص من حقه ونظراً لضعف العامل فيجب أن يحمي حقه بالقانون، وكل مال جمع عن طريق الرشوة والفساد واستغلال النفود والتهرب من حقوق المجتمع في الزكاة والضرائب ورسوم الخدمات واقتطاع الأراضي وإعطاء التراخيص الاستثنائية للمحظوظين ورموز السلطة والقوة، وسرقة المال العام وتبذيره وإنفاقه في غير مكانه لايمكن تبريره وتجب معاقبة من يعتدي على المال العام بكل الوسائل الرادعة بالإضافة إلى استرداد هذا المال ممن اغتصبه، ولا يعتد بأي دستور أو قانون أو عرف بني على أساس الظلم الواضح والثابت، ولا يعتبر القانون ظالماً إلا إذا كانت أحكامه واضحة الظلم ومخالفة لثوابت الشريعة في الحقوق، إلا إذا كان هذا الظلم لرفع ظلم أكبر عن المستضعفين والمظلومين، وتسترد الأرض الزراعية من مغتصبها ومقتطعها وترد على من يعمل فيها، ولا يعوض على الظالم، وتستملك الأرض من مالكها التي تملكها بطريقة مشروعة، إذا دعت الضرورة الاجتماعية لذلك، لمساعدة صغار الفلاحين ويدفع تعويض عادل على المالك الشرعي، لأن المصلحة الاجتماعية مقدمة على المصلحة الفردية ..

ودعوت في أول محاضرة في جامعة الإمام بالرياض عام (1966) إلى الاهتمام بدراسة الاقتصاد الإسلامي وقد كان الاهتمام به ضعيفاً في تلك الفترة، كما دعوت في محاضرتي برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام (1967) إلى تدريس الاقتصاد الإسلامي، في محاضرة عنوانها {مستقبل العالم الإسلامي }معين التخطيط والارتجال وكل من المحاضرتين منشورة في كتبي المطبوعة، وهناك محاضرة عن المصارف الإسلامية وأخرى عن مفهوم الملكية في الاقتصاد الإسلامي، وقد عقد في مكة المكرمة عام (1976) المؤتمر العلمي الأول للاقتصاد الإسلامي، وقد شاركت في هذا المؤتمر وقدمت بحثاً بعنوان {الإسلام والمشكلة الاقتصادية المعاصرة }, وكان من أفضل المؤتمرات وأكثرها فائدة، واشترك فيه أبرز المهتمين بقضايا

–     نشر هذا البحث ضمن كتاب أبحاث في الاقتصاد الإسلامي، الذي نشرته مؤسسة الرسالة بعمان ..

الاقتصاد الإسلامي، ومعظمهم من الكفاءات العلمية الشابة والتي تخصصت في الدراسات الاقتصادية ,  وكان الحماس واضحا ًلدى المشاركين وهم يعلنون نشأة الدراسات  الجادة في الاقتصاد الإسلامي، وأوصى المؤتمر بتدريس مادة الاقتصاد الإسلامي في الجامعات العلمية، و كانت خطوة موفقة وجادة،  وبعد ذلك بدأت دراسات الاقتصاد الإسلامي تشهد تفوقاً واضحاً نحو الأفضل..

 وألقيت محاضرات متعددة في الاقتصاد الإسلامي في الجامعات العربية، في جامعة الإمارات العربية المتحدة في مدينة العين وفي جامعة الشارقة وفي معهد الدراسات الإسلامية في مدينة دبي بالإمارات وفي جامعة قطر وفي المركز الثقافي مدينة مسقط بعمان وفي مركز جمعة الماجد للثقافة في دبي، وفي جامعة الكويت وفي الجزائر العاصمة وفي جامعة الزيتونة في تونس وفي بعض المدن المغربية وقد نشرت بعض هذه المحاضرات في بعض كتبي المطبوعة الآن وشاركت في مؤتمر بمدينة بروكس عام 1994 عن الإسلام والاقتصاد الأولي وشاركت ببحث بعنوان الإطار الفكري للتعاون الاقتصادي الدولي في المنهج الإسلامي، (2) واقترحت في هذا المؤتمر إقرار

(1)                  انظر كتاب الحضارة الإسلامية والقيم الإنسانية وكتاب التصور الإسلامي لمنهجية الحوار الحضاري . نشر دار التراث العربي

(2)                  انظر كتابي تأملات في الفكر الإسلامي . نشر دار القلم العربي

 

الاستراتيجية الإسلامية للتعاون الاقتصادي الدولي , وتتضمن هذه الاستراتيجية ما يلي:

ـ توحيد السياسات الاقتصادية سواء في مجال التجارة الدولية أو في مجال تحديد أسعار المواد الدولية التي تملكها الدول الإسلامية لكي تتمكن هذه الدول من ممارسة القوة التفاوضية التي تمكنها من حماية مصالحها المشروعة .

ـ إعادة النظر في سياسة المساعدات والقروض بحيث يقع الانسجام بين هذه السياسة والمصالح المشروعة لهذه الدول..

ـ تمويل المشروعات الإنتاجية في العالم الإسلامي، وبخاصة ما يتعلق منها بالمشروعات الصناعية والفلاحية لكي يتحقق الاكتفاء الذاتي للعالم الإسلامي فيما يتعلق بالغذاء والحاجات الصناعية ..

ـ تشجيع الاستثمار في العالم الإسلامي، وضمان الأموال المستثمرة لتوفير الأمن النفسي للمستثمر ..

ـ تشجيع التوظيف والتشغيل وتكوين ظروف انتقال اليد العاملة وإعطاء الأولوية للعمالة العربية الإسلامية لاعتبارات اجتماعية وثقافية لحماية القيم الإسلامية 

ـ تشجيع قيام السوق الاسلامية الأوربية المشتركة وإعطاء الأولوية لمنتجات هذه الدول

ـ إيجاد تكتلات اقتصادية ذات طبيعة إقليمية أو جهوية تسهم في تقوية المواقف التفاوضية للدول العربية والإسلامية في مواجهة التكتلات الدولية الأخرى وأكدت في هذا المجال ضرورة التمسك

(1)         انظر كتابنا تأملات في الفكر الإسلامي ص 41

 

نقص صفحة 262-263-264-

وهي حرب لا مبرر لها ولا يقدم عليها العقلاء ولم تكن الشعوب راضية بهذه الحرب وأدانت هذه الحرب المشبوهة , وما زال عالمنا العربي يدفع ثمن هذه الحرب وأعقبها غزو العراق للكويت وهي حرب ظالمة , وغبية وقد جر هذاالغزو على العالم العربي كل النكبات والانهيارات …وما زلنا حتى اليوم ندفع ثمن هذه السياسات الخاطئة والارتجالية والتي تدل على غباء الأنظمة الاستبدادية واجرامه بحق شعوبها..

ومنذ ثلاثين سنة ونحن نشهد أسوأ مرحلة من الخلافات والمنازعات والصراعات , ولاأظن أننا سنخرج من هذا الواقع السيئ قبل ثلاثين سنة أخرى , وإسرائيل العدو الأكبر لعالمنا العربي تحرك الخيوط وتثير الفتن وتشجع كل فريق على الآخر وتحرض الجار على جاره وتؤلب العالم الغربي على العالم العربي..

كنت اتابع كل ما يجري في عالمنا العربي وكان المغرب بعيداً وكانت القمم العربية تجتمع فيه وكانت اتفاقية (كامب ديفيد)التي أخرجت مصر العروبة من العائلة العربية ومن الجامعة العربية وكل المنظمات العربية , ولما عادت مصر إلى العالم العربي فقدت الكثير من ملامحها الأصلية  ….

نقص صفحة 266-267-268-269-

 

 

 

 

 

 

ووضعت ضوابط لزيارة الحرمين الشريفين، وأهمها :

أولاً:التحلي بالأخلاق الإسلامية

ثانياً:التفرغ لأداء العبادات الإسلامية بشرط الا تتضمن تلك العبادات ما يعتبر مخالفة صريحة لثوابت القرآن والسنة، وألا يكون هناك اعتداء على حقوق المسلمين والإساءة لمشاعرهم أو لإثارة فتنة تسيء لوحدة المسلمين ..

ثالثاً:التخلي عن كل انتماء طائفى أو عصبية قومية اوخلافات سياسية أثناء الحج لأن المسلم يكون في رحاب الله..

رابعاً:اعتبار السيادة المطلقة في الحرمين الشريفين لله ورسوله ..

خامساً:اعتبار الفتنة في الحرمين الشريفين من المنكرات التي تسيء لقداسة الحرمين الشريفين ..

ودعوت إلى حرية العبادة في الأماكن المقدسة بشرط ألا تتضمن تلك العبادة مخالفة للثوابت الشرعية فى لبعقيدة، وأن يتمتع الحاج بحصانةكاملة بحياته وماله وحريته الدينية ، ولا يجوز استخدام الأماكن المقدسة لأهداف سياسية أو الترويج لأفكار منرق للكلمة  أو الدعاية لأفراد أو زعامات اوانظمة , كما دعوت إلى وضع ميثاق إسلامي لحماية الأماكن المقدسة من  كل سلوكيات العبث، وبيان الحقوق والمسؤوليات والواجبات ..

انظر الحضارة الإسلامية أفكار ومواقف وقيم ص(49)

نشرته دار التراث العربي بحلب ..

وعندما توقفت الحرب العراقية الإيرانية دعت العراق إلى مؤتمر إسلامي كبير عقد في بغداد وكان مؤتمراً للسلام , وكان المشاركون في هذا المؤتمر سعداء بانتهاء الحرب , وشاركت في هذا المؤتمر , وكان ذلك عام 1989 قبل غزو الكويت بأشهر قليلة , وكان الرئيس صدام حسين في أوج سلطته وقوته وكادت الوفود الإسلامية أن تبايعه على الزعامة والقيادة ,  وأخذ الرئيس يرفع شعارات الجهاد وشعارات إسلامية ولم تكن شعارات العراق كذلك من قبل , وفرح المشاركون بما رأوا من تقدم العراق في كل المجالات العسكرية والصناعية والعلمية والتكنولوجيا والعمرانية , ودخل الرئيس صدام حسين إلى قاعة المؤتمر واستقبل استقبال الفاتحين العظام وألقى كلمة حظيت بالترحيب الكبير وأكرم كبار العلماء بالهدايا الثمينة , وأصبح في نظر أعضاء المؤتمر من عظماء عصره وهدد إسرائيل بإحراقها إذا فكرت في الاعتداء على أية دولة عربية ,  وكان يملك جيشاً قوياً متماسكاً جيد التدريب والتكوين وخاض معارك شرسه في الحرب على إيران ,

لقد خشيت مما رأيت وخفت على العراق من نفسه وخشيت على قوته بسبب قوته، كان العراق مفخرة العالم العربي , وكان يملك جيشاً لا يقهر في ساحات الحروب , ولو استمر العراق في مسيرته تلك لمدة عشر سنوات أخرى لأصبح في مستوى الدول الكبرى في تقدمه وقدراته , واستطاع الرئيس صدام حسين أن يحظى بمكانة عالمية مرموقة، وبزعامة عربية متميزة، وعندما يبلغ الإنسان القمة يرى نفسه ولايرى الآخرين ويسيطر عليه الغرور المدمر لصاحبه ، ويحسب أنه فوق مستوى البشر، وفي هذه اللحظات يحتاج الإنسان إلى الإيمان بالله لكي  يرى الله اكبر منه ، ويمسك زمام نفسه ويسيطر على سلوكه,  لكيلا يدفعه شعوره بالقوة إلى تدمير كل ما حوله ، والقوة قاتلة لصاحبها والانتصارات الكبيرة مفسدة  لنفسية المنتصرين ا، والشعوب المتخلفة تقتل زعماءها لأنها ترفعهم إلى درجة القداسة ، والنفوس الضعيفة تستسلم لما تراه من تقديس وتصدق ماتراه ، وكنت أتوقع شيئاً الا يدوم ذلك الامر ، فلم يكن بالإمكان أن يسمح للعراق القوي أن يستمر في قوته وفي مسيرة التطوير السريع في قدراته التكنولوجية والعسكرية .ولم نتعلم من التاريخ أن الغرب المسيحي لن يسمح لأي بلد عربي أن يتجاوز المربع المحدد له  والمرسوم لحركته ، و الغرب لن يسمح بأن تهدد مصالحه الحيوية في هذه المنطقة، وأخذت أرقب باهتمام ما سيجري، وتوقعت كل الاحتمالات السيئة، ولكن كان ما جرى أسوأ بكثير من كل التوقعات، وانزلق العراق بإرادته واختياره نحو المصير المجهول ، وحكامنا لا يقبلون النصيحة ، ويحيطون أنفسهم بالمتزلفين والمتملقين والمادحين، والاستبداد  يقتل صاحبه ,  واندفع العراق إلى غزو الكويت واحتلالها، وابتدأت المؤامرة على العراق الذي سقط في شباك منصوب له لتدمير كل قدراته ، ومن خصائص الأنظمة الاستبدادية أنها لا تستيقظ إلا بعد فوات الأوان ، وتعيش في عالم مغلق من الوهم الذي يصور لها أنها قادرة على كل شيء، ولا ترى ما يجري حولها، وتتوهم في نفسها القوة والمنعة الاان ان تكتشف الحقبقة , وما اقسى نهاية المستبدين …

لقد انتهى العراق كقوة وكأمل عربي كبير، لقد انتهى الحلم العربي سريعاً، وليس المهم أن نتحدث عن أسباب هذه المحنة، ولقد شارك العرب في تنفيذ هذه المؤامرة ، ورأيت الشعب العربي في كل مكان يبكي بحرقة وألم وهو يرى ذلك الفارس العربي وهو يصلب أمام عينيه ويعلق على قارعة الطريق، لقد صلب العراق وقطعت أوصاله وأذل شعبه …

ما زلت أذكر في زيارتي للعراق أثناء مشاركتي في مؤتمر السلام في بغداد عام 1989 ما رأيته من عظمة العراق وقوة العراق، ومن الأمل الكبير في تحقيق الحلم العربي الكبير، ولكن …

لقد انتهى العرس العراقي الكبير ..وسقط الفارس العراقي بيد أعدائه أولاً، وبمساعدة من إخوانه وأصدقائه ثانياً الذين باعوه بثمن  بخس..ثم تآمر أبناء العراق على العراق وأسلموه إلى المحتل لكي يسفك دماء العراقيين ويقتل أحرارهم ويعبث بمصيرهم..

وعاش جيلنا أحداثاً كبيرة وكانت إسرائيل هي العدو الأكبر والأكثر خطراً وهي تريد الاستيلاء على الأرض العربية والسيطرة على المنطقة كلها , واليوم يحاول الغرب أن يقنعنا أن الخطر الأكبر هو الخطر  الشيعي ,وهذا الخطر يتطلب من العالم العربي أن يوجه اهتمامه لمقاومته…

 وأؤكد أن الخطر لأكبر هو إسرائيل والسياسة الصليبية المعادية للعالم الإسلامي كله , ويجب أن يتعاون العالم العربي وإيران وتركيا وكل الشعوب الإسلامية للدفاع عن مصالحها المشتركة وهي دول المنطقة ومحكوم عليها بالتعايش والتعاون , ولا يمكن لأية دولة أن تكون خطراً على الدولة المجاورة لها ويجب أن تتغلب الحكمة والتعقل لإفشال الفتنة في المنطقة وإقامة علاقات حسن الجوار بين دول المنطقة …

ونريد لجيلنا المقبل أن يكون أكثر يقظةً من جيلنا وأكثر فهماً لقضاياه , وأن يفشل كل مخططات الفتنة وأن يحارب بشجاعة كل المواقف الاستسلامية المتخاذلة , وأن يدين كل الأنظمة المشبوهة التي تدعو لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني , وثقافة الإسلام هي ثقافة سلام وليست ثقافة استسلام,  وثقافة مقاومة وليت ثقافة خضوع ومسالمة , ويجب أن تتجه ثقافتنا لخدمة قيمنا وللدفاع عن هويتها,  ونريد الثقافة التي تنهض بشعبنا وتنمي فيه الشعوب بالكرامة والحرية ولا نريد ثقافة التبعية والرضوخ ….  

 

 

كانت المرحلة المغربية مليئة بالنشاط العلمي والثقافي وكنت أتابع باهتمام كبير النشاط الثقافي العام في المغرب وفي العالم العربي واتابع معظم ماتكتبه المجلات العلمية من بحوث ودراسات سواء كانت في المجال الإسلامي او في المجال الثقافي العام فقد كنت اشغل معظم وقتي في القراءة ومتابعة الإنتاج الثقافي , ولم يكن يشغلني عن الثقافة أي شيء أخر , وكنت قارئاً متابعاً وسعيداً بما اقرأ , وكنت أريد أن اعرف كل شيء وأن أقرأ كل مايكتب ,وقد أمدتني هذه القراءات بثروة ثقافية واسعة واستطعت أن أطل من هذه القراءات والمتابعات على قضايا جديدة واهتمامات ثقافية وفكرية مفيدة ,وكانت القضايا السياسية تشدني وأتابعها باهتمام , وكنت أتعلم من تجربة الآخرين , وقد ساعدني الإشراف العلمي على الأطروحات العلمية على معرفة التراث المغربى في مختلف العلوم الإسلامية ومعرفة أعلام الغرب الإسلامي والأندلس,  وكنت لا أعرف إلا القليل عن إسهام الغرب الإسلامي في إغناء الفكر الإسلامي , وأخذت أتأمل بعض معالم هذا التراث وهذه الخصوصيات المغربية ,وكنت اهتم باستنتاج المناهج المعتمدة فيه..

لم أكن أريد انتاج نفس الأفكار وإنما كنت أريد أن أفكر لعصري وأن أتناول قضايانا من زاوية رؤية مجتمعنا , وهذا ماكنت ادعو إليه وأشجع عليه , وكنت فى  حوار دائم مع طلابي الذين كانوا يعملون بإشرافي ويعدون بحوثهم العلمية , وكنت أتناول في محاضراتى العامة كل الموضوعات الثقافية التي تهم مجتمعنا المعاصر ,والمغرب بلد محب للثقافة والحياة الثقافية فيه مزدهرة…

وأحياناً كنت أتأثر بالأوضاع السياسية المحيطة  بنا وبخاصة ما يتعلق بعالمنا العربي والإسلامي ولم أكن أريد أن أكتب في موضوعات سياسية إلا أنني كنت في بعض الأحيان أندفع بغير إرادتي لكتابة مقال صحفي كنت أنشره في بعض الجرائد تعبيرا عن موقف أو بيانا لرأي أو دفاعا عن قضية ,وقد نشرت بعض هذه المقالات في كتابي قضايا معاصرة

ولا يمكن للإنسان أن يعيش بعيدا عن قضايا مجتمعه , فالفكر يجب أن يتجه لخدمة الإنسان والمجتمع , ولا يمكن للفكر أن يعيش منعزلا وكنت شديد الانفعال بما يحدث حولي , وقد عاش مجتمعنا العربي في أواخر القرن الماضي في مرحلة صعبة وقلقة ومتوترة , وكانت هناك ثلاث قضايا مهمة وكبيرة , أولها وأهمها : الصراع العربي الإسرائيلي والحروب العربية الإسرائيلية وقضية اللاجئين الفلسطينيين والاستيطان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية والعربية ,وثانيها حروب الخليج والصراع السني الشيعي في المنطقة واحتلال العراق , وثالثها مشكلات النفط ومشاكل التنمية في العالم العربي ..

كان المشرق العربي خلال فترة الثمانيات يشهد أحداثا مثيرة وبخاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والتي أخرجت مصر من العالم العربي ومن الجامعة العربية ومن كل المنظمات العربية والإسلامية , وقد أدى هذا الواقع إلى اهتزازات كبيرة ,وسارت مصر في طريق مليء بالأشواك ورفض الشعب المصري فكرة التطبيع مع إسرائيل , وفى نفس الفترة  التي وقعت مصر فيها اتفاقية السلام مع إسرائيل قامت الثورة الإسلامية في إيران , وكسب العرب حليفا قويا إلا أنه سرعان ما نشبت الحرب بين العراق والثورة الإيرانية بتشجيع من الدول الغربية التي أرادت إشعال الحرب في المنطقة وأثارت الصراع العربي الفارسي والصراع السني الشيعي, وكانت الغاية من ذلك إقناع الدول العربية أن العدو الأكبر هي إيران وليست إسرائيل ,وعندما أرادت إيران أن تطور قوتها النووية فيما بعد وقفت الدول العربية ضد امتلاك إيران لأي سلاح نووي في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تمتلك هذا السلاح وتهدد العالم العربي به , وكنت أحرص دائما على التفرع للبحث العلمي وعدم الانشغال في الأمور السياسية إلا أن هذا الواقع الذي نعيش فيه دفعني إلى الاهتمام بالقضايا السياسية , وألقيت عددا من  المحاضرات في عدد من الجامعات العربية وكنت أتعرض لبعض الموضوعات السياسية بطريقة غير مباشرة لأنني كنت أحرص على الالتزام بالموضوعات العلمية وهي أحب إلى نفسي ..

أما المقالات الصحفية فكانت تناقش بطريقة مباشرة الموضوعات السياسية بالرغم من وجود قيود على الحرية , فالعالم العربي لا يمتلك استراتيجية بعيدة المدى لسياساته ومواقفه وهو ينفعل بما يجري أمامه , والأنظمة السياسية تحرص على استمرارها أكثر من حرصها على الدفاع عن مصالح شعوبها ,ولاحظت أن معظم الصحافة العربية هي صحافة أنظمة حاكمة ومعظم ما تكتبه هذه الصحف هي تبرير المواقف السياسية والدفاع عن الأنظمة والسياسات القائمة والدول العربية هي دول أفراد وعائلات حاكمة وليست دول مؤسسات وشعوب,  ومهمة الدولة هي حماية النظام القائم وكل القوانين والدساتير والهياكل التنظيمية تصاغ بالطريقة التي تخدم النظام وتسقط مع سقوط ذلك النظام..

وكنت أرى وما زلت أؤمن أن السلام مع إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين سيمكن إسرائيل من بسط نفوذها السياسي والاقتصادي في كل المنطقة العربية لأنها تملك ما لا يملكه العرب من إمكانات علمية وسياسية وقدرات اقتصادية , ويجب تشجيع المقاومة بكل أنواعها وطالما أن الحرب ممكنة في كل لحظة والمقاومة مستمرة ومشاعر الكراهية ضد الاغتصاب متنامية فان إسرائيل لن تحتمل هذا الواقع لمدة طويلة , وسوف يضيق الشعب الإسرائيلي بهذه التضحيات , أما السلام فهو خطوة خاطئة لأنه يشعر إسرائيل بالأمان والاستقرار , وهذا ما تبحث عنه إسرائيل , والتطبيع جريمة مع المعتدى , ويجب أن تقطع كل الأيادي الممدودة للعدو المغتصب لأرضنا ويجب ان تمزق كل اتفاقات السلام المفرطة بالحقوق ,ولاحظت ان الشعوب ترتاح لهذه المواقف ,أماالأنظمة فكانت تضيق بها وترفع شعارات الاعتدال لكي تبرهن أمام الغرب عن حسن سلوكها , ولهذا كنت أدعو الشعوب إلى الضغط على الأنظمة السياسية لكي لاتضعف أوترضخ , ولا اتهم هذه الأنظمة بالخيانة ولكن اتهمها بالضعف والخوف من ان تتهم بالتطرف , وهي تخاف على وجودها وتحرص على استمرارها.

أما موضوع الحوار الحضاري مع الغرب فقد تناولت هذاالموضوع في عدد من المحاضرات والندوات في المغرب وطهران والقاهرة وعمان والكويت والرياض والإمارات العربية، ولا أراه مجدياً بالرغم من أهميته ، والغرب ليس  جاداً في هذا الحوار، ولا يريد أن يسمع إلا ما يريد سماعه ، وسبيل إقناع الغرب هوالمصالح وليس المبادئ ، وهم يخشون من الإسلام ويحقدون على العرب والمسلمين ، ولولا مصالحهم في المنطقة لما وجدناهم معنيين بما يحدث فى عالمنا من أحداث، ولا حوار إلا في ظل القوة المتوازنة والمصالح المتبادلة، وطالما أن الدول العربية متفرقة ومتباعدة ويسعى بعضها للإساءة للبعض الآخر، ويستقوي البعض بأعدائه للتغلب على أخيه وجاره، فلا أمل من أي حوار، ولا يثمر هذا الحوار شيئاً، والقوي لا يعطي ما بيده إلا عندما يجبر على ذلك، وما اغتصب من حقوق هذه الأمة بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولا حدود لحق الشعوب في الدفاع عن مصالحها، وكل ما تراه من وسائل الدفاع مجدياً ومفيداً فيجوز لها الأخذ به، ويجوز للمدافع من وسائل المقاومة ما لا يجوز للمهاجم، والقوة  مشروعة لاسترداد الحقوق...


 

( الزيارات : 1٬248 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *