مؤتمرات شاركت فيها

كانت مشاركتي في النشاط الثقافي خارج المغرب كبيرة، وشعرت أن العالم العربي يمر بمرحلة تحول كبير في أفكاره، وهو تحول إيجابي، وقد فرضته التحولات الثقافية، وزيادة الوعي الثقافي وتكوين كفاءات فكرية متميزة، ولا شك أن الإقبال على التعليم العالي قد أسهم في تكوين شخصيات واعية وقادرة على فهم قضايا عصرها بكيفية جيدة، وكنت أشعر بسعادة وأنا أسمع أفكاراً ناضجة لم أكن أسمعها من قبل، وبخاصة في مجال الفكر الإسلامي، وهناك انفتاح كبير ودعوة للإصلاح وقراءة جديدة لقضايا الفكر الإسلامي، وتراجعت لهجة التشدد والتعصب والانفعال ,وبدأ الخطاب الإسلامي أكثر نضجاً وواقعية، إلا أن الشيء الذي يؤسف له أن معظم المؤتمرات كانت موجهة لتحقيق أهداف سياسية، وهذا مما يضعف أثرها في نفوس المشاركين فيها، إذ يثير ذلك امتعاضاً في أوساط المثقفين ..

ويضيق أي مفكر بالوصاية المفروضة عليه، ويريد أن يعبر عن فكره كما يريد وأن يشعر بكامل الحرية، ويضيق بمن يريد أن يجعل من منابر المؤتمرات منابر للدفاع عن السلطة وتبرير مواقفها، وهذه سلوكيات غير محمودة، ومن اليسير على أي سلطة أن تجند الكثير ممن يدافعون عن سياستها، ولكنها لا تستطيع أن تقنع المشاركين في هذه المؤتمرات بما تود إقناعهم به ، وهم بالنهاية يرضخون لقرارات لم يشاركوا في صياغتها وليسوا مقتنعين بها ، وتمضي ظاهرة المؤتمرات الموجهة في طريقها المرسوم لها بعيداً  عن المسار الثقافي الذي يقوده مثقفون متميزون بصفاء الفكر ويؤمنون بدور الثقافة في تعميق الوعي وتحقيق الإصلاح المنشود ..

وقد لاحظت أن معظم المثقفين ينظرون للمؤتمرات الموجهة نظرة استخفاف ويتعاملون معها بطريقة غير جادة،  ويشاركون في حواراتها بدون حماس أو انفعال ، حتى أصبح حضور هذه المؤتمرات من العوائد الاجتماعية المألوفة ، وهذا الأمر قد أضعف أثر هذه المؤتمرات في الحياة الثقافية العامة، وبخاصة أن المشاركين في معظم هذه المؤتمرات هم رموز غير فاعلة في المجال الثقافي، ويدعون للمشاركة في هذه اللقاءات لتمثيل بلادهم من الناحية الرسمية ..

ومن الطبيعي أن تتفاوت أثر هذه المؤتمرات في إثراء الفكر وبخاصة الفكر الإسلامي، وهذه الملاحظات لا تقلل من أهمية هذه المؤتمرات العلمية، كظاهرة ثقافية تجمع نخبة ممتازة من علماء ومفكري العالم الإسلامي، واللقاء مفيد ومثمر، وهو خطوة إلى الأمام، ومالا يتحقق اليوم فقد يتحقق غداً، ومالا يقال اليوم سيقال غداً على وجه التأكيد ، وبالرغم من كل السلبيات فإن التطلع إلى الأفضل هو طموح كل المثقفين ، وما يعجز عنه جيلنا فسوف يتمكن من إنجازه أبناؤنا وأحفادنا ..

 

 

( الزيارات : 1٬873 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *