اهم ما يركزعليه السيد النبهان

أهم ما يركز عليه في تربيته:

وأهم ما يركز عليه الشيخ في مذاكراته ودروسه الصدق في الإرادة وكلمة الصدق تتردَد كثيراً في أحاديثه، وهي بداية الطريق فمن كان صادقاً في إرادته أعدَ العدة لرحلته إلى الله تعالى، والذين يدّعون الصدق ولا يعدّون العدة فهم كاذبون في دعواهم، فالصادق له علائم، وأهمها إعداد العدة بكل ما يتطلبه ذلك من شروط وأهم هذه الشروط ثلاثة:

الشرط الأول: التوبة الصادقة:

والتوبة هي المقام السلوكي الأول الذي لا يمكن تجاوزه، وجاءت الدعوة إلى التوبة في قوله تعالى: {{ع94س66ش8ن11/س66ش8ن8881ع94س66ش8ن91/س66ش8ن002} [التحريم: 8] ولكي يشعر العبد بحاجته إلى التوبة فيجب عليه أن يستعظم العبد ذنبه، فمن رأى ذنبه عظيماً سرعان ما شعر بالندم عليه، فمن استصغر ذنبه أهمل توبته، والغافلون عن الله يستصغرون ذنوبهم بسبب الإعراض عن الله وتتراكم ذنوبهم وتتسخ ملابسهم البيضاء النقية ولا يشعرون بذلك إلى أن تصبح ملابسهم سوداء لا تبين فيها النقط السوداء الطارئة، والتوبة الصادقة تشعر العبد المذنب بالندم القلبي على ما وقع منه من أخطاء، ومن علائم صدق الندم أن يترافق هذا الندم مع تركه للأفعال التي ندم عليها والمزلاَت والشهوات، ولابدَ للندم إلاّ أن يثمر التوبة.

الشرط الثاني: هجر قرناء السوء:

وهؤلاء القرناء يزينون للإنسان أفعال الشر ويشجعونه عليها، ولا شيء أخطر على السالك من قرناء السوء ممن غلبت عليهم الغفلة وقست قلوبهم بسبب ارتكابهم للآثام، والبيئة غير الصالحة تدفع الإنسان لمسايرتهم والأخذ بسلوكياتهم، ولابدّ في الإصلاح الاجتماعي من إصلاح البيئة المحيطة بالفرد، وتكون نواة اجتماعية تحمل لواء الاستقامة، وتجد الدفء في تلك البيئة الصالحة التي تتناصر فيما بينها وتتكافل للتنافس على عمل الخير، وترك مذمومات الأفعال والأخذ بمحاسن الأخلاق لتكوين الهيئات النفسية الراسخة في التزامها بالقيم الصالحة كالصفحة البيضاء، ثم تتغير ألوانها بتأثير التربية واـحيط الاجتماعي، وهي قابلة لكل ما يطبع عليها من ألوان ـمودة ومذمومة.

وكان الشيخ يتفقد أصحابه، ويسأل عنهم ويزورهم في أماكنهم ويباسطهم في الكلام، ويحمل عنهم همومهم وأحزانهم، ويجدون في قلبه سعة لكل ما يقلقهم ويشغل بالهم، وكانت غاية هذه المجالس الجماعية أن يشعر هذا المجتمع الصغير بدفء العواطف المحيطة به، وأن يكون كل فرد فيه محصناً ضد كل أنواع الأوبئـة والأمراض الاجتماعيـة التي تحيط بـه، وأهمها الغفلة عن الله تعالى والتسابق في أمور الدنيا والتنافس غير الحميد على كسب الرزق والانصراف إلى الملذّات والشهوات.

ثالثاً: محاسبة النفس عن الأخطاء:

والغاية من المحاسبة أن تظلَّ النفس يقظة على الدوام، لا تغفل فتدفعها الغفلة إلى الأخطاء والتجاوزات والآثام، فلا ترعى حقوق الله فيما أمر به ونهى عنه من التكاليف الشرعية، وأهم ما يجب على العبد أن يحاسب نفسه عليه أن يلتزم بأحكام الشريعة كما جاءت من غير تحريف أو تأويل وبخاصة فيما يتعلق بالمعتقدات، فالله هو الخالق المتفرِّد بصفات الإلوهية، لا يشاركه أحد في اسم من أسمائه أو صفة من صفاته، ولا يشبه أحداً من خلقه في شكله وصورته، والله هو الخالق لأفعال العباد وصفاتهم وما يصدر عنهم، والدليل على الله هو الله وحده، وتجب محاسبة النفس عن كل تقصير عن أداء الفرائض والواجبات التي أمر الله بها في كتابه العزيز وفي سنة نبيه صلوات الله عليه، ولا يجوز التفريط أو التساهل في أداء أي واجب شرعي مُجمَعٌ عليه.

وكان الشيخ يردِّد إن من لم يؤتمن على أحكام الشريعة وآدابها لا يمكن أن يقع الاطمئنان إلى أي حال من أحواله، لأنّ من علامات الصدق في السلوك أداء الواجبات والالتزام بالآداب الشرعية.

فمن التزم بهذه الشروط وأدَّى حقوق الله عليه فهو صادق الإرادة في سلوكه، ومن فرَّط أو تساهل أو ادَّعى الأحوال والمقامات من غير التزام بحقوق الله فهو كاذب في ادعائه خائن للأمانة جاهل بحقيقة الدين صاحب دعوى ليست صادقة ولا أمينة.

وكان الشيخ يحض إخوانه على الصدق في الإرادة، وهي الأساس في الطريق إلى الله، فغير الصادق لا يستطيع السير ولو خطوة واحدة، لأنّهُ لا يحتمل مشقة السفر، ولابدَ في هذه الرحلة من التواصي بالصبر على ما يعترض طريق السالك من وعورة الدرب وكثرة المحن والابتلاءات وتجاوز الامتحانات والاختبارات.

ومداخل الشيطان إلى قلب السالكين كثيرة، وأوسع هذه الأبواب وأخطرها باب الشهوات والملذَّات وهو الباب الذي لا يمكن إغلاقه إلا بالمجاهدات والرياضات النفسية، نظراً لأن الشهوات تقبل النفس عليها برغبة ونهم ولا تشبع منها، فإذا استسلم السالك لها وانقاد لندائها فسرعان ما تمسك به، وتطوِّق عنقه، وقلما يستطيع التخلص من قبضتها والتحرر من قيودها، فإذا انتصر عليها وأمسك بزمام نفسه، وتجاوز أخطار شهواته وجد أمام الباب الثاني الأكثر خطورة على صفاء قلبه، وهو باب الغضب، والغَضوب تبقى نفسيته متوترة، ولا يصفو قلبه بسبب كدورات ما يخلفه الغضب في سلوكه، فيزداد حقده، وتطوِّقه خواطر الشر، وتدفعه لسلوكيات العنف والإساءة للآخرين، فيسيء الظن في الناس، ويزداد وهمه، وتسيطر عليه الوساوس وتحركه اتجاهات خاطئة.

كان الشيخ رحمه الله يعلم أصحابه أن يكونوا دائمي اليقظة في ليلهم ونهارهم، في عباداتهم، ومعاملاتهم، لكي يحكموا سيطرتهم على مداخل الشيطان إلى قلوبهم، فيطاردوا تلك الأشباح التي تقتحم حصون قلوبهم بقراءة القرآن واستحضار الخشية من الله في قلوبهم، والالتجاء إلى الله تعالى بفقرهم وذلهم، لكي يمنحهم القوة والصبر على مواجهة دواعي الأهواء والغرائز الكامنة في أعمال النفس، ولا يتحقق هذا إلاّ بالصحبة الصادقة لمن طهرت قلوبهم وتزكّت نفوسهم، وشعروا بالطمأنينة والسكون، وهؤلاء يتكلمون بحالهم لا بمقالهم وبأعمالهم لا بأقوالهم.

( الزيارات : 825 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *