لسلوب السيد النبهان فى احاديثه

لغة الشيخ في مذاكراته:

لم تكن لغة الشيخ في دروسه ومذاكراته متكلَفة في أسلوب عرضها، وجزالة مفرداتها، وإنما كانت لغة مبسّطة تخاطب الوجدان فتحدث الأثر فيه، كانت تخاطب الإنسان العادي بلغته اليومية وبلهجته الدارجة وبالمفردات الشائعة، كان يستطرد في بعض الأحيان بفكرة أو قصة أو مثال ليقرَب الفكرة من السامع، ولكي تحدث الإقناع المطلوب.

ولم يكن يتحدَث عن القضايا الفقهية، فتلك قضايا تدخل في اختصاص الفقهاء ورجال الإفتاء، إلاَّ إذا سئل عن فتوى فيجيب السائل بالحكم الشرعي الوارد في الكتب الفقهية، أحياناً كان يورد تفسيراً لآية فيبدي رأيه فيما أورده المفسرون، وبخاصة بالنسبة للقضايا الخلافية في التفسير حول المسائل المرتبطة بالعقيدة ومفهوم الإيمان والتوحيد.

وكان يستعمل لغة الصوفية، وهي لغة خاصة مليئة بالمصطلحات ذات الدلالات الخارجة عن نطاق اللغة إلى معان خاصة ومن مفرداتها: البصيرة والعطاء والمنع والغفلة والجلال والجمال والقبض والبسط والمعرفة وسجود القلب وصوم العموم وصوم الخصوص والوجد والمجاهدة والحق والحقيقة والشريعة والحجاب والفناء والغيب والأحوال والمقامات والصحو والسكر وأهل العناية وأهل الجذب والمشاهدة واليقين والستر والتجليات والتكوين والتمكين والترقي والرياء والشهوات الخفية ومقام العبديّة.

ولغته تدل على سعة إطلاعه على أمهات كتب التصوَّف، فقد كان متمكناً من اللغة التي يستخدمها علماء التصوّف في كتاباتهم، كما كان يستشهد في مذاكراته بأقوال رموز التصوّف المشهود لهم بالمكانة والتميز من أمثال الجنيد وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض ومعروف الكرخي وسهل التستري والسريُّ السقطي.

وفي دروسه العامة كان يكتفي بالتوجيه العام والنصح الصادق وتصحيح العقيدة والدعوة إلى الالتزام بالاستقامة، أما في مذاكراته الخاصة فكان يتكلم عن المعرفة بعمق، ويدخل في مسالك دقيقة من التحليل والبيان والتحقيق، وكانت له مفاهيم عميقة في قضايا المعرفة والسلوك ومراتب الترقي والثواب والعقاب والابتلاءات ودلالات المقامات.

ولم يكن يستعمل كلمة الحلال والحرام، وإنما كان يستعمل لفظة الكمال والنقصان، ربما لأنّ التربية تهتم بالكمال واستبدال الصفات المذمومة بالصفات المحمودة، ولم يكن في أسلوبه يستخدم أسلوب الأمر والنهي وإنما يستخدم لغة البيان والتعريف بأهمية السلوكية الإسلامية لتحقيق الإصلاح الاجتماعي، ولم تكن المظاهر الخارجية تحظى باهتمامه، وإنما كان يهتم بما تنطوي عليه القلوب من صفاء النية ونقاء الفطرة.

كان يحذر من الغفلة عن الله ويدعو إلى يقظة القلوب، والتوبة في نظره ليست التوبة من الذنوب، وإنما التوبة من الغفلة، بحيث لا يبقى في القلب إلاَّ الله، فالمؤمن يستحي من الله أن يرتكب الآثام لا لخوفه من النار ولا لطمعه في الجنة ولكن لأنَّه يستحي أن يفعل ما نهاه الله عنه ويترك ما أمره الله به، وكان يدعو إلى عدم اليأس مهما ارتكب العبد من ذنوب، فالخوف ليس من ارتكاب الإثم والوقوع في الذنب، وإنما الخوف من الإصرار على الذنب والدفاع عن سلوكيات الإثم، وهذا دليل الغفلة عن الله.

لم يعاتب إخوانه على إثم ارتكبوه أو ذنب اقترفوه وإنما كان يعاتبهم إذا لم يشعروا بالندم على ما صدر منهم، ويغضب إذا أصروا على ذلك الذنب، فالتوبة ليست كلمة تقال وإنما هي شعور قلبي بالندم والتزام داخلي بعدم التكرار، وإذا وقع العبد في الذنب ثانية وثالثة فلا خوف عليه ما دام الندم قائماً في قلبه يوقظه ويقلقه، ولابدّ من أن يثمر هذا الندم توبة صادقة لا رجعة فيها.

كانت لغة الشيخ هادئة مريحة واضحة، لم يتكلَف ألفاظها، ولم يتعهدها بالصياغة الأسلوبية التي تلقى بها المحاضرات الأكاديمية، وإنما كان يعبر عن أفكاره بالأسلوب الذي يفهمه الجميع، ويركّز على الكلمة التي يريدها محوراً لحديثه، يكررِّها ويوضح المعاني المرادة بها مستشهداً بوقائع وكلمات تؤيد ما ذهب إليه.

وكل المفاهيم تتركز على معاني القلب وصفاء القلوب وانشغالات القلب وكدورات القلب وغفلة القلب وقسوة القلب وتعلقات القلب، واستنارة القلب وطهارة القلب، وإقبال القلب على الله وحجاب القلب.

والله تعالى هو القصد وهو الغاية، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، ولا يمكن أن يكون الله في قلب العبد إلاّ بالمحبة والاتباع {{ع94س3ش13ن1/س3ش13ن88} [آل عمران: 31] والمحبَّة لا تترسَّخ في القلب إلاّ بعد المعرفة فمن عرف الله أحبّه وتعلّق به إلى درجة الفناء في الذات العليّة، وكل محب صادق لابدَّ له من الفناء في المحبوب، وهذا دليل صدقه في محبته، فمن ادعى المحبة ولم يتبع المحبوب فيما يأمره به وينهاه عنه فهو مدّع وغير صادق في توجهه، ولابدَ لوجود المحبة من وجود نسبة وتناسب بين المحب والمحبوب، فالله يمثل الكمال ومن أحبَّ الكمال أحبَّ الله وتعلّق به لأنَّ الله تعالى يدعوه إلى الأخذ بأسباب الكمال، ومن شروط محبّة الله تعالى ألاّ يكون القلب محبّاً لغير الله تعالى متعلقاً بذلك، فالتعلق بالدنيا يضعف التعلّق بالله، والتعلّق بالدنيا حجاب عن الله تعالى.

ثم يعود الشيخ إلى مريديه وإخوانه بدعوتهم إلى نبذ اليأس والقنوط والتغلب على الإحباط الناتج عن الغفلة والتقصير، وتجديد الرجاء بالله تعالى، والرجاء في سعته، فالله تعالى يحب عباده أكثر من حبهم له، وهو يريد لهم الكمال، ويطلب منهم أن يتوجهوا بكليتهم إليه تعالى بالافتقار والذلَ والعجز ليلبسهم من هيبته ما يشعرون به من الغنى والعز والقوة، ولابدَ من التحرر من الخوف واليأس بالتوجَه إلى الله بالرجاء الذي يدعو القلب إلى الطمأنينة والسكون.

( الزيارات : 1٬138 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *